الحراك الشعبي والمدني الذي بدأ في محافظة السويداء، على خلفية الانهيار الاقتصادي
المتسارع لنظام دمشق، آخذ في الامتداد والاتساع على طول الجغرافيا السورية، الواقعة تحت
قبضة النظام والخارجة عن سيطرته وسلطته، متجاوز للمطالب الاقتصادية والاجتماعية،
ولتتحول شعارات المظاهرات الصاخبة إلى مطالب جذرية واضحة، تعيد إلى الأذهان سيرتها
الأولى في ربيع 2011، بصداح حناجر الشعب السوري ب(الشعب يريد إسقاط النظام)
و(واحد واحد الشعب السوري واحد).
لقد كشف الحراك الذي بدأ على خلفية الارتفاع الخرافي لأسعار المواد الرئيسية والضرورية
لمقومات الحياة بحدها الأدنى، وتراجع قيمة الليرة السورية أمام العملات الاجنبية(وصل سعر
صرف الدولار الواحد لأكثر من 16000ليرة سورية)، ذلك بعد خدعة زيادة الرواتب
للضعف (مائة بالمائة) للتعمية على ما آلت إليه أحوال عامة الشعب السوري، الذي يرزح
تحت خط الفقر، والمهدد بالمجاعة الشاملة، والأوبئة، والأمراض، لقد كشف هذا الحراك الذي
كانت ذروته، حتى كتابة هذه السطور، يوم أمس الجمعة 25_08_ 2023:
1- أن خلاص السوريين بوحدتهم، وتكامل جهودهم، واتفاقهم على مستقبلهم الذي يريدونه،
بعيداً عن كل اللوثات دون الوطنية، وباعتمادهم على قواهم الذاتية، دون أي مراهنات خاسرة
على الخارج، والتي كانت خيار البعض ونتيجتها مقامرة وطنية كبرى جلبت الكوارث
والويلات على الجميع.
2- لاشيء يخيف نظام الأسد، ويحرجه إقليمياً ودولياً، بقدر الحراك المدني الشعبي، الذي يبدأ
بأدنى المطالب ويصل إلى العصيان المدني الشامل، وهو ماحصل في الأيام الماضية في
السويداء، وأغلب الترجيحات أنه سيمتد إلى مناطق أخرى بدأت في التظاهر والاحتجاج، كما
هو الأمر في درعا ودير الزور وحلب، ذلك كله بعد أن غيب طويلاً النضال الشعبي والمدني
من حسابات المواجهة، لصالح خيارات غير مدروسة، وأجندات ليست وطنية.
3- أن الثورة مستمرة بأشكال متعددة، وأدوات مختلفة، تجدد نفسها وتعيد اكتشاف ذاتها عند
كل منعطف، وهو ماينفي مزاعم النظام وحلفه بالنصر ودحر “المؤامرة”، ومايعطي الأمل لمن
أصابهم الوهن والاحباط بأن النصر صبر ساعة، وعمل جاد ومنظم، علمي وتراكمي.
4- أن مايحصل في جنوبنا الحبيب وغيره من المناطق، والحركات المطلبية الاحتجاجية التي
بدأت تتبلور في الآونة الأخيرة، كلها أفعال وطنية بامتياز، في ظل الخيارات المتاحة
والممكنة، والتقليل من شأنها تحت دعاوي شتى، خطيئة أو قصور في الوعي والوطنية تصب
لصالح نظام البراميل والكبتاغون الأممي، وتبقي حالة المراوحة في المكان مستمرة دون أدنى
أمل بالتغيير المطلوب والمنشود.
5- مرة أخرى يفضح الحراك عجز قوى المعارضة الرسمية وهيئاتها، ومؤسساتها، ومعها
كافة النخب السياسية والمثقفة، عن اللحاق به، أو التعبير عنه، بصورته البهية والنقية، بعيداً
عن التشكيك والتأويل وسوء التفسير الذي توسوس فيه نفوس المهرطقين والمهزومين من
داخلهم.
6- يعد الحراك الأخير، بما فيه الحاصل في منطقة الساحل بأشكال مختلفة، هو الأخطر على
النظام والأكثر تهديداً له، منذ سنوات عديدة، لأنه ينتزع منه ورقة حماية الأقليات التي تلاعب
بها، وقدم نفسه للعالم حامياً لها، عدا عن أنه يكشف كذبه، ومعه حلفه، ويفضح دعاويه
بالانتصار ودحر “المؤامرة”التي يوهم العالم والجوار بها، وعليه يطلب الدعم والمساعدة
بإعادة الإعمار، ويضغط لإعادة المهجرين في دول الجوار إلى سيطرته، وقبضته، تحت
أباطيل عودة الأمن والاستقرار.
قطع الحراك الحاصل، الآن، أشواطاً في المواجهة مع نظام “ملك الكبتاجون” ونظام الطغيان
العالمي مختلفة عن الهبات والانتفاضات السابقة في السنوات الماضية، لاعودة فيها إلى الوراء
وإلى ماكان بانتظار تطورات عديدة قادمة، حتماً، إقليمية ودولية، تستجيب لإرادة السوريين
وخياراتهم المطلقة في الحرية والحياة الكريمة.
بدأت الثورة السورية قبل مايزيد عن 12 سنة من الجنوب (مدينة درعا) وهاهي في طورها
الحالي، الذي نرجوا أن يكون الأخير، تعود ليكون مركزها في الجنوب أيضاً.
من هناك بدأت وإلى هناك تعود بأنبل صورها وأشكالها.
ما أشبه الليلة بالبارحة.
التغيير قادم من الجنوب.