منصور حسنو
يظهر لي أن الأصول الدينية أو الإجتماعية والإثنية تلعب دوراً كبير في الحالة النفسية والمزاجية للإنسان حتى لو انقطع أو زعم القطيعة مع الأصل الديني على أقل تقدير مع استحالة القطيعة مع الأصول الإجتماعية والإثنية والميثولوجية لجماعته.
شباب السويداء والعلويين في المهجر منحوني قراءة جديدة ومحاولة جديدة ومثيرة في فهم المجتمعات ذلك أن علم الاجتماع الحديث هو علم غربي وبأدوات غربية ولكن لنا خصوصية ثقافية وشرقية من الصعب جدا اكتشاف قوانين مجتمعنا وفق التقنية الفنية الاجتماعية لعلم اجتماع الغرب بل يجب علينا خلق حالة إبداعية في فهم مجتمعنا الشرقي.
تأملت كتابات الأصدقاء من أصول درزية دينيا ومن السويداء جغرافيا والأصدقاء من أصول علوية ومن الساحل جغرافيا فوجدت أثر الحراك الثوري في السويداء_ والذين يتبوأ قيادته وتوجيهه روحيا واجتماعيا هم رجال دين السويداء _ على شباب السويداء العلماني أو الملحد، أي أننا أمام حالة جديدة في علم الاجتماع السياسي تتناقض جذريا مع المدرسة اليسارية في علم الاجتماع وهي أقرب إلى مدرسة الغرب إلا أنني أحاول فهمها والكتابة عنها بطريقة غير تقليدية.
مستوى التطور في الخطاب الديني والاجتماعي والوطني لشيوخ عقل السويداء كان قد سبقه قبل سنوات انزياح شباب السويداء الواضح لثورة السوريين في الخارج على تفاوت في مستوى هذا الإنزياح يمينا ويسارا ( تطرف في الإنتماء للثورة أو التحفظ أو الإنتماء مع النقد )، هذا المستوى عند شباب السويداء ( ذكورا وإناثا ) قد تبلور بشكل اوضح بعد الإنتفاضة الأخيرة لأهالي السويداء، أصبحت الصورة أكثر وضوحاً عند الفريقين، فريق الشباب الدرزي العلماني في الخارج وفريق المجتمع الدرزي في داخل سورية، ماذا يعني هذا الكلام؟
حاول علماء الانثروبولوجيا وعلى رأسهم تايلور فهم هذه الظاهرة عند بعض القبائل والشعوب، دور العادات والتقاليد والروحية والأسطورة في التغيير الاجتماعي، يظهر لي أن الإنسان وهنا الشاب الدرزي الحديث عندما يتبنى أفكار الحداثة والخروج من الدين الكلاسيكي فإنه يؤثر على الدين نفسه، بمعنى أشمل: عندما يتمرد الإنسان على دينه وإن كان في الظاهر يقوم بقطيعة مع هذا الدين فإنه يؤثر على بنية الدين ذاته، وعندما يحاول رجل الدين مسايرة أو التأقلم مع هذه التأثيرات فإنه يؤثر على رجل الحداثة كذلك، تصبح الحداثة والدين في اتجاه واحد ومشروع واحد يتجاوز ثنائية الدين والعلمانية، ما فعله شباب السويداء في الخارج من الإنتماء للثورة ساهم في تغيير المزاج العام عند أهلهم في الداخل، الأحوال المعيشية ليست السبب الرئيسي في تمرد أهل السويداء ولا في وقوف رجل الدين مع تمرد المجتمع، التأكيد على تقديم المناسف والفواكه في الساحات لا يعني أن أهل السويداء في بحبوحة عيش ولكن يعني بالدرجة الأولى نفي الجانب المعاشي كعامل رئيس في التمرد بل يؤكد عامل الهوية والكرامة والحرية.
إذن انقسام الجماعة الدينية في مجتمع ما إلى تيار محافظ وتيار حداثي لا يعني القطيعة مطلقا بل يؤكد أن هناك تفاعلا تبادليا بين كل تيارات المجتمع سرعان ما تظهر نتيجة هذه التفاعلات في أوقات الأزمات كنوع من التغذية الراجعة بين التيارات الاجتماعية والدينية.
ما نجح به المثقف الدرزي في الخارج فشل فيه المثقف العلوي في الخارج، ذلك أن المثقف العلوي لم يكن ماهرا في استفزاز الطائفة العلوية بل على مدار 12 سنة كان يحاول التحليل فقط، يحاول أن يشرح للسوريين لماذا لم ينتفض العلويون، العلويون البسطاء ومعهم رجال الدين عندما يسمعون كلام هذا المثقف العلماني الحداثي تتثبط هممهم عن التمرد،( أستثني كاتبا واحدا ) هنا لا أتهم مطلقا ولا أتحدث عن سوء نوايا، اللهم لا، وإنما عن سوء إدارة وافتقاد مهارة، إضافة إلى الخلفية اليسارية الثقافية التي تجعل المثقف العلوي متطرفا في عدم فهم الجانب الروحي والديني عند أبناء طائفته التي انقطع عنها دينيا وأحيانا اجتماعيا، كثيرا ما يردد المثقف العلوي: شو ذنبي إذا خلقت علوي في بيئة علوية! هذه خطيئة ثقافية اجتماعية وقع بها كثير من العلمانيين العلويين.
إذن ما فعله حراك السويداء بين شباب الداخل والخارج، بين المثقف الحداثي والمجتمع الديني وجدنا أثره المتناغم على أرض الواقع، كتابة وشعارات ومطالب، وهذا الأمر سيكون له كبير الأثر حتى على التطورية الدينية في المذهب التوحيدي الدرزي.
يفتقد العلويون ( العلمانيون والشيوعييون) في الخارج إلى الحماس وتحمل كتاباتهم دوما معاني باطنية تشبه الحقيقة الدينية لرجال الدين العلوي، يمكن أن أسميها باطنية ثقافية وهذا ليس نقدا ولا تجريحا وإنما تأكيدا للفكرة الإجتماعية أو القانون الاجتماعي الذي أحاول الإشارة إليه في أن ثمة علاقة تبادلية بين المثقف العلماني والأصول الدينية والاجتماعية والثقافية لا يمكن أن تندثر وتتحول إلى رماد وهذا ليس عيبا أو شؤما، المشكلة هي في مسؤولية المثقف الحداثي عن استثمار هذه العلاقة التبادلية وتحريكها في مجتمعه أو طائفته تطويرا وتنويرا وتحررا، وهذا الكلام من أجل المستقبل فالمسألة مسألة وقت، عندما يقوم محلل سياسي ومهرج على تلفزيون سورية ويقول: هناك دولارات تدفع لأهل السويداء تشجعهم على التظاهر وان إسرائيل وراء الأحداث في السويداء هو لا يخاطب الشعب السوري ولا أهل السويداء هو يوجه رسالة للعلويين فقط والذين في الغالب يصدقون مثل هذه الأكاذيب ويتداولونها بينهم حتى لو كانوا من الداخل يعرفون أنها من أكاذيب النظام، ولكن هذه الكذبات ومن 2011 يؤمن بها كثير من العلويين في الداخل لأنهم يحتاجون إليها، إنها تساعدهم في تأكيد خيارهم في المواجهة أو الصمت أو الحياد، كان على المثقف العلوي في الخارج ألا يسأم في تعرية هذه الأكاذيب وفي تعرية هذا النظام بدل أن يتخذ موقفا إما عدائيا مع الطائفة أو تبريرا لها في فذلكات نحصد ثمارها حتى اليوم، عندما قال يعقوب لأولاده” وأخاف أن يأكله الذئب” فقد ألهم أولاده الحجة والمبرر الذي أنقذهم في البحث عن حجة تبرر قتل أخيهم يوسف أو تغييبه، فجاءوا إليه عشاء وهم يبكون” وأكله الذئب ونحن عنه غافلون”
إذن ودون مجاملة:
حماس الشباب الدرزي في الخارج أوقد حماس الدروز في الداخل وجاءت الظروف المناسبة لتفجير هذا الحماس في علاقة اجتماعية تفاعلية بين رجل الحداثة ورجل الدين بينما برودة الشباب العلوي والمثقف العلوي وعدم الحماس للثورة السورية ساهم في برودة الطائفة العلوية ولا يهم الحديث عن النوايا مطلقا.
ملاحظة: موقف الطائفة الإسماعيلية لا ينفصل مطلقا عما أرادت هذه المقالة التأكيد عليه، موقف الإسماعليين في الخارج يشبه تماماً وضعية الطائفة في الداخل ( وضعية باطنية غير واضحة ) مع ملاحظة مدح سنة الثورة هروبا من نقد الطائفة.
من صفحة الأستاذ منصور حسنو
I like this blog it’s a master piece! Glad I noticed this ohttps://69v.topn google.Leadership