ما هو دور “الممر الاقتصادي” الذي تم الإعلان عنه مؤخرا بين الهند ودول الخليج وأوروبا، على لعبة تقاطعات النفوذ في منطقة الشرق الأوسط والخليج بين أوروبا والصين؟، وهل سيؤدي الممر فعلا إلى زيادة النفوذ الغربي على حساب الصين في المنطقة؟، وهل تنظر دول الخليج له كما تنظر له واشنطن وأوروبا؟
إجابات هذه الأسئلة المهمة حملها كل من جوليان بارنز ديسي، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية”، و سينزيا بيانكو، الزميل الزائر بالمجلس، على عاتقيهما ليقدما الإجابات المنشودة، عبر تحليل ترجمه “الخليج الجديد”.
وفي منطقة تحتضن التعددية القطبية العالمية، يمكن أن يكون “الممر الاقتصادي” بمثابة منصة لتأكيد بعض النفوذ الاقتصادي الغربي وتعزيز استقرار النمو الاقتصادي؛ ومع ذلك، لن تكون وسيلة لسحب القوى الإقليمية بعيدًا عن بكين، كما يقول التحليل.
رؤية أوروبا والخليج لا تتطابقان
ويرى الكاتبان أن “الممر الاقتصادي” سوف يجبر الغرب بسرعة على مواجهة عدم التطابق بين رؤيتهم هم والجهات الفاعلة الخليجية الرئيسية للعالم متعدد الأقطاب.
ويعتقد الغرب أنه لا يزال بإمكانه تعزيز نفوذه الإقليمي على حساب الصين، مما يوفر بديلاً لمبادرة “الحزام والطريق” التي أطلقتها بكين.
لكن الجهات الفاعلة الخليجية ترى هذا الاتفاق ضمن سياق نظام عالمي جديد يمكنهم من خلاله موازنة العلاقات مع كل من الصين والغرب لتحقيق أقصى قدر من مكاسبهم.
ويصف المحللون الإقليميون العالم متعدد الأقطاب بأنه عالم غير مشروط بالقوى العظمى، ولكن من المرجح أن تكون القوى العظمى فيه “مشروطة بالقوى المتوسطة والصغيرة”، مثل ممالك الخليج نفسها.
ثمة نقطة مهمة أخرى يسوقها التحليل، وهي أن دول الخليج لا تشارك مخاوف أوروبا والولايات المتحدة بشأن نقاط الضعف في الاعتماد الاقتصادي على الصين وعلاقات الطاقة مع روسيا.
وبدلاً من ذلك، فإنهم يرون أن مركزيتهم الجيوسياسية مرتبطة بموقعهم كمراكز عالمية، مستفيدين من موقعهم الجغرافي الاستراتيجي بين آسيا وإفريقيا وأوروبا.
إن كان هناك أي شيء، فإن ممالك الخليج تتطلع إلى تعزيز الاتصال بشكل أكبر، مما سيزيد من اعتمادها على سلاسل التوريد المعولمة بالكامل.
تحالف مع “الحزام والطريق” وليس تنافس
وبهذا المعنى، ترى دول الخليج أن “الممر الاقتصادي” لأوروبا يمكن أن يتحالف مع مبادرة “الحزام والطريق” الصينية بدلاً من التنافس معها، حيث ترى الجهات الفاعلة الإقليمية أن من مصلحتها العمل مع كليهما.
على هذا النحو، ليس من المستغرب أن يتم توقيع هذه الاتفاقية بعد أيام قليلة من انضمام السعودية والإمارات، رسميًا إلى مجموعة “بريكس”.
وحتى مع تقدم “الممر الاقتصادي” إلى الأمام، تجد دول مجلس التعاون الخليجي نفسها متشجعة بفضل نفوذها الجيوسياسي والاقتصادي المتزايد في ظل تنافس الغرب والصين وروسيا على شراكتها بعد غزو أوكرانيا.
ونتيجة لهذا، فإنهم سوف يقاومون الضغوط الغربية لحملهم على التراجع عن احتضانهم الاستراتيجي المتزايد للصين، فضلاً عن التعاون المستمر مع روسيا.
ومن غير المرجح أن يتغير هذا حتى لو ظلت ممالك الخليج تعتمد على الولايات المتحدة من أجل أمنها، وهي ديناميكية تعيد واشنطن تأكيدها الآن – من خلال عمليات نشر بحرية جديدة، وبنية أمنية جديدة للذكاء الاصطناعي تعرف باسم فرقة العمل 59، واحتمالات تقديم ضمانات أمنية للسعودية مقابل التطبيع مع إسرائيل.
وبالنسبة للولايات المتحدة، تعكس هذه الالتزامات الأمنية محاولة لعكس التصورات الإقليمية بشأن تقليص حجم القوات الأمريكية.
لكن من الواضح بشكل متزايد أن الدول الإقليمية تشعر أن طموحات الولايات المتحدة – المدفوعة بالرغبة في مواجهة الصين والهدف السياسي الداخلي لبايدن المتمثل في توسيع نطاق التطبيع الإقليمي مع إسرائيل – قد منحتها مساحة لتقديم مطالب غير مسبوقة لواشنطن.
النفور من سياسة العقوبات
وفيما بات من الملحوظ مدى سرعة نمو علاقات الخليج مع روسيا والصين، حتى بعد حرب أوكرانيا، لأسباب سياسية واقتصادية، يقول الكاتبان إن دول الخليح باتت تتشارك مع موسكو وبكين في الشعور بالنفور من العقوبات الغربية، التي يغذيها الاعتماد العالمي على الدولار الأمريكي.
وتناقش بكين بنشاط إجراءات إلغاء الدولرة، بما في ذلك البترو يوان وإنشاء منصات عملات مشفرة للتحايل على الدولار.
إن إنشاء عملة مشتركة جديدة وأدوات للعمليات المشتركة غير الدولارية، على سبيل المثال في بنك التنمية الجديد، هي الآن مسائل رئيسية قيد المناقشة داخل مجموعة “بريكس” الموسعة حديثًا.
استدراك
ورغم أنه ليس من المتوقع أن يعكس “الممر الاقتصادي” هذه الديناميكيات، يرى الكاتبان أن المشروع سيخدم المصالح الأوروبية والغربية أيضا، بل وربما يخلق الممر نفوذًا للضغط على الخليج للتخلص من المخاطر التي تفرضها بكين في مناطق محددة.
ويمكن للأوروبيين التأكيد على أن الاعتماد المفرط على بكين يعرض الخليج لمخاطر الإكراه الاقتصادي واختناقات سلسلة التوريد، فضلاً عن تداعيات الركود الاقتصادي في الصين.
ويمكن للأوروبيين أيضًا أن يوضحوا أنه إذا سمح حكام الخليج باستغلال بلدانهم من قبل موسكو وبكين كأبواب خلفية للتكنولوجيا الغربية، والتجارة المالية، وأسواق السلع والخدمات، فإن ذلك سيفرض قيودًا شديدة على مدى عمق مشاريع الاتصال الخاصة بـ”الممر الاقتصادي”.
الوصول للمعرفة الغربية
ويجب أن يعلم قادة الخليج أن ما سبق من شأنه أن يحد من وصول دولهم إلى المشاريع الحساسة، كما يتضح من التردد في السماح للسعودية بالانضمام إلى بريطانيا وإيطاليا واليابان في برنامج صناعة الجيل القادم من تحالف الطائرات المقاتلة، وهو البرنامج العالمي القتالي الجوي الدولي الطموح، وكذلك فشل الإمارات في تأمين طائرات “إف-35” المقاتلة الأمريكية
. وفي الآونة الأخيرة، أدت الاتصالات مع شركات الدفاع الروسية والصينية الخاضعة للعقوبات إلى انهيار صفقة ضخمة بين شركة SCOPA Defense السعودية ونظيرتها الأمريكية RTX، والتي كانت ستزود السعودية بالمعرفة التكنولوجية لبناء أنظمة دفاع جوي متطورة، لا سيما ضد الطائرات المسيرة التي باتت صداعا لدول الخليج، بسبب استخدامها بكثافة من وكلاء إيران بالمنطقة.
تهدئة مخاوف باقي الفاعلين
وخلاصة القول، وفقا للكاتبين، أنه ينبغي للأوروبيين ودول الخليج قبول الحقائق السابقة والتعامل معها، علاوة على عدم قصر الفائدة في “الممر الاقتصادي” على السعودية والإمارات كمقابل للتطبيع مع إسرائيل، وهو جزء من رؤية الرئيس الأمريكي جو بايدن للمبادرة، ولكن ينبغي ترك خطة الممر مفتوحة لانضمام قوى فاعلة أخرى، مثل عمان، والتي يمكن أن توفر وصولاً أوسع إلى الموانئ بدلاً من الاعتماد فقط على الإمارات؛ وتركيا، التي يمكن أن يؤدي إدراجها إلى تشجيع وقف التصعيد في شرق البحر المتوسط؛ ومصر، لتهدئة المخاوف من أن الهدف الرئيسي لـ “الممر الاقتصادي” هو تجاوز قناة السويس.
المصدر | جوليان بارنز ديسي وسينزيا بيانكو / المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية – ترجمة وتحرير الخليج الجديد
Very interesting subject, appreciate it for putting up.Blog range