محمود الوهب
لا شك في أنَّ انتفاضة السويداء التي مضى على بدئها حتى الآن نحو أربعين يوماً، هي انتفاضة وطنية سورية بامتياز، وقد برز ذلك بالزخم الشبابي الناضج، وبتلوينها بالروح الفنية من رسم وموسيقى ودبكات شعبية وضيافات، وبمساهمة المرأة بفعالية بهية أضفت على أجواء الانتفاضة حالاً من الفرح الإنساني والتكامل والتوادِّ، وامتازت الانتفاضة بسلمية أثبتت متانتها يوم تعرضت لاستفزاز خبيث ورخيص يوم 12 أيلول الجاري، إذ استطاعت خلاله أن تتحداه دون الانجرار إلى فخ شرك نصبه النظام، وميليشيا حزب الله، في فرع حزب البعث في السويداء وفضحتهما. أما البعث الذي أبعده دستور 2012 عن قيادة الدولة والمجتمع، عاد ليلتف عليه، وليأخذ شكل العصابة، كما حال النظام مع كل القوانين النافذة!
ولعل أهم امتياز لانتفاضة السويداء، هو أنها استعادت شعارات الثورة السورية في شهورها الأولى من العام 2011، وسواء تعلَّق الأمر بشعار وحدة سورية أرضاً وشعباً، أم برحيل نظام الاستبداد.. أما الجديد المفيد في انتفاضة السويداء أنها لم تتصل بأية دولة أجنبية، بل أرادت أن تفتح مسلكاً مع الأردن، الدولة الشقيقة، لتأمين حاجات المحافظة، فيما إذا انقطع طريق دمشق، واختارت أن توجِّه رسائلها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وإلى مجلس الأمن، وكان ضمن شعاراتها العمل على تنفيذ القرار 2254 الذي غدا اليوم أكثر أهمية وضرورة.. ما دفع النائب الجمهوري الأمريكي “فرانش هيل” للاتصال بالشيخ “حكمت الهجري” (المرجع الروحي للطائفة الدرزية) مدة نصف ساعة مهتماً بصحته، ومستفسراً عما يجري وفرانش هيل (ممثل الكونغرس الأمريكي في الأمم المتحدة)، وهو مهتم بالملف السوري وممن وقفوا خلف قانون الكبتاغون..
أما الحديث عن حمل أعلام الطائفة ووجود بعض شيوخ العقل، فهذان الأمران خدما الانتفاضة. وأوجدا الحماية لها، إذ هي طائفة ضمن الأقليات المكونة للشعب السوري التي يعدُّها النظام تحت حمايته. أما الأمر الآخر المهم فإن خطب الشيخين الهجري والحناوي لم تخرج في تأييدها للانتفاضة، عن شعاراتها، وجوهرها السياسي السلمي والمطالبة برحيل النظام المسؤول الأول عن كل ما أوجع الوطن السوري وأهله خلال اثنتي عشرة سنة، وخاصة تمكين الأجنبي من التحكم به وبموارده.. وقد أعلن سماحة المرجع الروحي “حكمت الهجري”، أن وجهة انتفاضة السويداء نحو دولة ديمقراطية، دولة علمانية تحتضن السوريين أجمعين.. دولة مواطنة متساوية لا تمييز فيها..
لا شك في أن دعم انتفاضة السويداء من جماهير المدن المحررة أمر قد يكون صعباً، وفيه حرج إذ ترزح تلك المدن تحت سيطرة ما يسمى بحكومات الأمر الواقع، فالدولة السورية اليوم هي دول موزعة في الواقع إلى أربع مناطق نفوذ أو “انتداب” غير مسمى، وتديرها مباشرة فصائل عسكرية، أو مجالس مدنية/محلية بعيدة عن أية حوكمة، أما المنطقة الواقعة تحت سيطرة النظام فلا تتمتع بسيادة تامة، ولا باستقلالية قراريها السياسي والاقتصادي عن الروسي أو الإيراني.
ومن هنا تأتي أهمية انتفاضة السويداء التي تميَّزت عن غيرها باعتمادها الكامل على إخلاص أهلها دونما استخدام أي نوع من العنف، واستطاعت أن تصمد كل هذا الزمن الذي ويعدُّ، ضمن ظروفها، أمراً جيداً. لكن هذا الحال، قد لا يمكنُّها الاستمرار ما لم تتلاق مع بقية البلدان السورية الأخرى التي استقلت عن النظام، لكنها لم تستقل بإدارة ذاتية خالصة، كما أنها لم تحقق أهداف الثورة وغاياتها لا بإسقاط النظام، ولا ببناء دولة المواطنة والديمقراطية التي تحقق شعارها الرئيس: “الحرية والكرامة”. والثورة من جهة أخرى وقيادتها الرسمية في حالة ركود أو استنقاع، ولا يعرف أحد مداها ومؤداها. ومن هنا تجيء ملاقاة انتفاضة السويداء ضرورة قصوى لأسباب عدة منها:
أولاً- المحافظة على نقائها وديمومتها، وعدم الاستفراد بها أو انتكاسها.
ثانياً- تجديد روح الثورة بشعاراتها الرئيسة، وأهمها استعادة وحدة سورية أرضاً وشعباً.
ثالثاً- دعوة المجتمع الدولي لتطبيق بيان جنيف2، والقرار 2254 على أن يكون البدء بتشكيل “هيئة حكم انتقالي”، تمارس كامل السلطات التنفيذية، وتؤمن بيئة آمنة ومحايدة تفسح في المجال للشعب السوري لأن “يقرر مستقبل سورية”. كما جاء في البيان والقرار المذكورين.. فاللجنة الدستورية المستمرة منذ العام 2019 وإلى الآن لم تنجز شيئاً على الإطلاق ولا بد من البحث عن شكل آخر لإنهاء المأساة السورية.
أما دعم انتفاضة السويداء فيمكنه أخذ أشكال مختلفة منها:
– التظاهر المستمر على أن يكون كل أسبوع في مدينة ما،
– أنشطة خاصة بالحقوقيين، وبمنظمات المجتمع المدني، كل في مجاله، ويمكن أن تتجلى الأنشطة بزيارات للقوى الدولية المؤثرة في الحدث السوري عربية وأجنبية، وبإرسال رسائل نوعية (بعض هذه الأنشطة تتم، وتعطي نتائج إيجابية وخاصة لدى الجاليات الأمريكية والأوربية)
– السعي لتنشيط الإعلام أكثر فأكثر، وخاصة لدى الأقنية الفضائية العربية التي لم تعد لتأتي على أخبار سورية. كذلك لم تحظ انتفاضة السويداء، بما تستحقه من مساحات إعلامية من معظم الأقنية العربية باستثناء “تلفزيون سوريا..” و”قناة الجزيرة”.
– ويجب ألا يغيب عن البال أن السويداء متصلة مباشرة بدرعا والقنيطرة وامتداد تلك المحافظات الثلاث إلى جنوب دمشق العاصمة، وخاصة جرمانا التي معظم سكانها من السويداء، وكانت قد خرجت بمظاهرات مع السويداء..
وفي الأحوال كلها لا يعدم نشطاء السوريين ابتداع أشكال مختلفة لدعم انتفاضة مواطنيهم في السويداء الذين يؤكدون باستمرارهم انبعاث روح الثورة مجدداً، ويدفعون نحو صحوة تذكِّر الغافلين بواجباتهم، وتبعدهم عن التهاتر فيما بيهم، وعن صراعاتهم حول مسائل صغيرة تخصهم! كما يمكن أن تشكل أفعال الدعم هذه دفعاً للمدن السورية التي تحت سيطرة النظام لأن تنتفض مجدداً، فأوضاعها المعيشية في أدنى مستوياتها سوءاً! ولنذكر أن انتفاضة العشائر قد تركت بصمة إيجابية رغم كل ما قيل فيها، وأن النظام قد فقد ويفقد الكثير من حاضنته ومؤيديه..
المصدر: سوريا المستقبل