حارث طه كاتب سوري مقيم في هولندا
لم يكن إلا موعدا غراميا هذا الذي يصل إليها بسرعة فائقة ولا يؤخره عنها إلا الموت، لما لا فإسرائيل تلك معشوقته الغالية المدللة، تلك العشيقة التي يرعاها منذ المهد، أنها محبوبته وشريكته.
نعم ما كان من أمريكا إلا أن هبت لنجدة إسرائيل بسرعة البرق وهو التحرك الأسرع منذ أيام الحرب العالمية الأولى والثانية. فواشنطن حركت أكبر حاملة طائرات والأسرع وذات التقنية المتطورة، والتي تعتبر الأكثر تطورا في تاريخ أمريكا العسكري، تلك التي تعمل بالطاقة النووية، وتستطيع حمل ١٣٤ طائرة وسرب المرافق لها.
أعلنت أمريكا جاهزية القاعدة البحرية التي تستقر في اليونان جزيرة كريت (خانية)، وهي القاعدة الأكبر في العالم لدعم تل أبيب، بجانب الدعم والمساعدات وباقات من العتاد العسكري، والأسلحة الهجومية. كان أولها بقيمة أربعة مليارات دولار، وفتحت جميع المخازن التسليح لمعشوقتها الغالية.
من المعلوم بأن واشنطن مهدت لدعمها ذلك، بخطة إعلامية جديدة من خلال مجموعة من المخرجين الهوليديين لحشد رأي عام عالمي لنصرة العشيقة من خلال إخراج مجموعة من الأفلام القصيرة، وتوجيه مواقع التواصل الاجتماعي لعمل كبير، قد يكون الأقرب شبها بما جرى في العراق و في حرب 1948، أي الإبادة الجماعية والتهجير العرقي الأكبر على الشعب الفلسطيني، واستخدام أقذر الأسلحة وخلق مشهد مأساوي للفلسطيني، من مجازر وحرق الأرض والشجر والأرواح. لا أرى إلا مشهدا مخيفا مليئا باللون الأحمر والأشلاء.
ومن ناحية أخرى فإن تلك الدعاية الضخمة تؤهل المجتمع الدولي لعدم التعاطف مع القضية الفلسطينية، وصبغها بالإرهاب الإسلامي، لتوجيه الرأي العام في أوروبا واميريكة لمباركة تلك الحرب المفتوحة على كل الاحتمالات.
هذه أحد الأهداف الإسرائيلية والأمريكي لتغييب الرأي العام الأوروبي والعالمي عن وقائع وآثار تلك الحرب التي تجهزها في المنطقة.
وعليه تمت المباركة من بريطانية وفرنسا وبرلين، ومجموعة كبيرة من الدول الأوروبية، ليس بالقول فحسب بل بفتح مخازن الأسلحة والإمداد العسكري والاستخباراتي وفتح ميزانيات التسليح وتقديم كافة الخدمات اللوجستية، لما سوف تقوم به الحكومة الإسرائيلية من حدث جديد في الشرق الأوسط.
لا أعرف كيف أصف التجهيزات الإسرائيلية تجاه المنطقة، لكن هناك أمرا جللا وعظيما سيحدث، وعليه سوف يكون هناك خلط الأوراق الكثيرة العالقة في منطقة الشرق منذ سنوات، سواء كان في سوريا، أو لبنان، وحتى على مستوى الخليج العربي وإيران.
الحقيقة الثابتة أن الحرب على الأبواب وكما قال مهندس السياسة الأمريكية هنري كسينجر “من لم يسمع طبول الحرب فهو أصم”، فالحرب على بعد خطوات من المنطقة. ولم نر أي تحرك عربي أو سياسي من الجانب العربي. وكأن الحرب ليست على حدودها، أو قد يتأثر بها، أي من تلك الدول.
الغريب هنا، أنهم بدأوا في إطلاق تصريحات سياسية تدين الهجمات الفلسطينية على إسرائيل، ولم يطلقوا أي تصريح، يدينون به الهجمات القاسية على غزة، والمناطق المحيطة بها، والموت الذي يملأ المكان أيضا. بل تغيب الخطاب العربي حتى بشأن حماية الأطفال الفلسطينيين على الأقل.
هذا شي يدعو إلى الريبة، وكأن الصمت ذلك وما خلفه ينذر بتساؤلات كثيرة. هل بدأ مشروع كوندليزا رايس والمحافظون الجدد نحو (الشرق الأوسط الجديد) بالتطبيق على أرض الواقع؟. وهل هذا هو الوقت الذي كانت تنتظره إسرائيل؟ والسؤال المطروح اليوم، ما هو دور الأنظمة العربية في مواجهة تلك الحرب؟ وهل سيكون هناك جلسات للجامعة العربية مختلفة عن السابق من مجرد استنكار وشجب؟ وإذا نتج عن تلك الحرب، احتلال جديدة لبعض الأراضي العربية، هل ستقوم الأنظمة العربية بعقد مؤتمرات للمطالبة بعودة الأراضي العربية تلك إلى أصحابها. وتطالب من الأمم المتحدة قرارا جديدا يضاف إلى رزمة القرارات السابقة حول إدانة ذلك الاحتلال والاغتصاب لبعض الأراضي العربية. كما ستنطلق الدعوات العربية للمطالبة بعقد مؤتمر للسلام ونبدأ بخطة (peace process)، السؤال لنا ولتلك الأنظمة من سيصبح الراعي النزيه لتلك العميلة التفاوضية؟.
على الجانب الآخر المعتم والسوداوي، هناك في الجهة المقابلة عملية توازن قوة قد بدأت في العالم بالفعل، من خلال وجود أحلاف متعددة تناهض القوة الأميريكية، التنين الأصفر الصين تلك القوى المتنامية ومعها روسيا وهو حلف قوي متكامل.
فالصين تعتبر الذراع الاقتصادي المتغلغل في جميع دول العالم من خلال عمل شراكات مع مجموعة أكبر من الدول العالم. تلك الشراكات تصل في كثير من الأحيان للسيطرة الفعلية على دول بعينها من خلال إغراقها بالديون واستحواذها على جميع مواردها. أما روسيا فهي الذراع العسكري والاستخباراتي لذلك الحلف، وليس غريبا التواجد العسكري الروسي الواضح خلال السنوات السبع الأخيرة من خلال وجود قواعد عسكرية مطلة على البحر المتوسط وأفريقيا، والتي لم تكن موجودة سابقا، وكانت تعد مناطق نفوذ أمريكية بامتياز.
توازن القوة والمواجهة بين القوتين الأعظم في العالم، عادت من جديد كما كانت في فترة الثمانينيات القرن الماضي (الحرب الباردة) لكن اليوم على أرض بلاد الشام. تلك المنطقة الواقعة بين الفرات والنيل.
كان لدى إسرائيل حلم القديم وهو بناء دولتها من الفرات إلى النيل، لكن للمفارقة التاريخية لم تكن تعلم متى يتحقق هذا الحلم أي توقيته المناسب. واليوم أميريكا أخبرت إسرائيل أنه حان الوقت المناسب. جاء الوقت المناسب وهو اليوم الموعود على شاطئ .
المصدر: 180