أحمد مظهر سعدو
غزة وفلسطين بالنسبة للسوريين تعني الكثير ..فشعبها عربي، وأهلها مسلمون، وهي جزء من إقليم بلاد الشام، وهي جزء مهم من جنوب سورية الكبرى ..كل هذه التقاطعات وسواها تجعل الإنسان السوري يعيش لحظة بلحظة حالة الألم والقتل الواقع على أهل غزة المحاصرين.
حالة الفُرجة والتخلي والصمت المريب من معظم دول النظام العربي الرسمي، ومعها أنظمة الدول الإسلامية التي اجتمعت في جدة مؤخرًا التي تكتفي جميعها ببعض الشجب الخفيف، وليس كله، وتراوح بالمكان، دون أي خطوة جدية لإنجاز قرار وقف مباشر للمقتلة الإسرائيلية و(الهولوكوست) الصهيوني الواقع فوق رؤوس البلاد والعباد في غزة هاشم.
ولعل نظرة متفحصة في واقع النظام الرسمي العربي في سنواته الأخيرة تعطي وتنبيء بمؤشرات كثيرة تتمحور حول ماهية الواقع العربي الرسمي العاجز ، يوم وضع النظام الرسمي العربي كل بيضه في سلة الخارج، وانكفأ داخليًا لإنجاز سياسات الحفاظ على السلطات الحاكمة، وإعلاء سور القطرية، وتأمين أطول فترة ممكنة للاستمرار بالحكم، ضمن سياسات تابعة للشرق أو الغرب واضحة المعالم ولا تعطي أي أهمية أو اهتمام حقيقي أو جدي لمشاكل عربية أخرى، ولا تبادر، ولا تحرك ساكنًا نحو أي محاولات تبتغي وقف نزيف الدم في غزة أو سواها من بقاع العالم العربي المتحرك ..وهي اليوم تمارس سياسة الفرجة والعجز المقيم، كما تلوك (دون مضغ) كل احتمالات وأوهام الاشتغال الممكن والمتاح لإنقاذ شعب عربي مسلم يتعرض للمجازر يومياً وتقع عليه وفوق ذاته وحيواته سياسات القتل والتدمير الصهيوني الممنهج كما مالم يقع من مثلها قبلًا وخاصة بهذا المستوى والحجم من القتل والدمار .
يضاف إلى ذلك تمظهر جملة المواقف الغربية الأوربية والأميركية المنحازة لدولة الكيان الصهيوني، ومن ثم الكيل بمكاييل عدة، عندما يتعلق الأمر بأثمان الدم العربي أو الفلسطيني في سياق مفارقة كبرى، بالقياس إلى مواقفها الأخرى بما يرتبط في ما يجري في أوكرانيا مثلًا ، من منطلق أن المصالح الأميركية والغربية هناك تختلف كليًا أو جزئيًا ضمن حالات تموضعهاالجزئية والكلية، وأيضًا الجيوسياسية وتتمايز كذلك عبر سياسة إنجاز كسر شوكة روسيا، وهو الأهم لديها من أجل رسم ملامح نظام عالمي جديد ومتجدد ومعولم، لامكانة فيه لحالات نشاز هنا أو هناك، كحالة الرئيس الروسي (بوتين) الذي تجاوز كما يبدو الخطوط المسموحة له إقليميًا ودوليًا، فغرق أو تم إغراقه في الوحل الأوكراني.
الحرب العدوانية الحاصلة اليوم على أهل غزة ومقاومتها وشعبها، والمشهد العربي والعالمي المتفرج، وحالة التخلي والخذلان الكبيرة والملفتة، تضع الأخلاق في السياسات الغربية والعربية في مأزق حقيقي، إن بقي لدى العالم، ومايسمى بالمجتمع الدولي من قيم أخلاقية، وهي تعيد إنتاج المقولات القديمة من حيث أن المصالح والمصالح فقط هي التي تتحكم بتطبيقات وتحسينات معينة للقانون الدولي الإنساني، وخاصة حين يتم واقع انزياحه جانبًا عندما يتعلق الأمر بصراع عربي صهيوني أو قتال فلسطيني إسراىئلي ..ولا غرابة في ذلك إذ أن وقائعية الضعف العربي وحالة العجز والتلطي خلف سياسات التطبيع، التي جرت مؤخرًا مع الكيان الصهيوني، ثم الهرولة باتجاهه سابقًا ولاحقًا هو كما يبدو ما أفسح في المجال واسعُا للوصول إلى مثل هذه الحالة والبؤس العربي الرسمي من التخلي واللاأخلاق في السياسة، حيث لاقيمة أبدًا للإنسان والطفل الفسطيني المراق دمه في وضح النهار وعلى قارعة الطريق، في ظل الانكشاف الفاقع والفاضح للكثير من النظم البائسة والمنشغلة بعيدًا وكليًا عن طهر الدم الفلسطيني المراق.
أما دولة إيران/ الملالي، وبعد التفاهم مع المملكة العربية السعودية الذي تم بتاريخ 10 آذار/ مارس 2023 والتي كانت ومازالت تطنب آذاننا بمقولات تحرير القدس وفلسطين، ومابرحت تتشاطر وتتخادم مع الآخرين بالتصريحات الهميونية، وإعادة إنتاج الأسطوانات المشروخة الخشبية التي لم تعد تقنع أحدًا ، مازالت هي الأخرى تقاتل بالكلام والتصريحات السياسية الاعلاميىة فحسب، وهي تدرك وتعي تمامًا أن آخر همها هو الانخراط في معركة غير محسوبة مع عدو إسىرائيلي هو عدو العرب فقط وليس عدوها حسب الرؤيا الفارسية لأحلام الامبراطورية الإيرانية، وهي ماانفكت مكتفية بحق في تحريك أداتها وتابعها في لبنان حسن نصر الله وحزبه ومن يتبع له، لإطلالق مفرقعات لاتثمن ولاتغني من جوع، على شمال فلسطين المحتلة، وهي في سياستها هذه تمارس حالة الاستمرار في اللعبة ذاتها والمتواصلة منذ اتفاق عام 2006 بعد الحرب المفتعلة تلك لخدمة سياسات إيران في الإقليم والمنطقة ، وهي بمثابة لعبة (القط والفأر )ضمن توافقات وتفاهمات أضحت واضحة مع الإسرائيليين والأميركيين ،سواء كانت قد جرت تحت الطاولة أو هي تمارس من بعيد لبعيد، كما يقال.
ولعل كل أنواع القصف الحاصلة من قبل الإسرائيليين منذ أكثر من خمس سنوات خلت والتي تعرضت لها مليشيات مايسمى بالحرس الثوري الإيراني وتوابعه في الجغرافيا السورية، لم تحرك ساكنًا، ولايبدو أنها سوف تحرك ذلك، في أي قوة عسكرية اوعتاد إيراني، ولن تستخدم أسلحتها الحديثة المكدسة في سورية، لأنها موجودة لقتل السوريين المناهضين لنظام بشار الأسد، وليس لمواجهة إسرائيل وطائراتها وصواريخها ، فكيف يمكن اليوم أن تتحرك أن تقف جديًا من أجلى نصرة أهل غزة وشعبها، الذين مازالت سياسات إيران تعتبرهم مجرد أدوات للاستثمار في دمائهم وقت الضرورة، وبما يخدم المصلحة الإيرانية وأطماعها في المنطقة، وهم لايشكلون همًا لها، وليس هناك أي احتمالات جدية لمشاركة أهل غزة في التصدي للعدو الصهيوني، وهذا ليس من ضمن استراتيجيات الإيرانيين، ولا تريد دولة إيران/ الملالي حربًا مع إسرائيل ولامع الولايات المتحدة الأميركية، وهي تكتفي بالمناوشات حفظًا لماء الوجه في لبنان، عبر أداتها وتابعها حسن نصر الله وحزب الله ، ونرى ذلك أيضًا في سورية مع نظام بشار الأسد التابع لإيران هو الآخر، بعد قصف مطارات في كل من حلب ودمشق عبر عدوانية قصفها لأهالي إدلب المدنيين، وإراقة الدم السوري في الشمال السوري، استمرارًا وإنفاذًا لسياساتها التي تقول بأن طريق القدس يمر من القصير وإدلب وحمص وحلب.
المصدر: موقع المجلس العسكري السوري