مقالات
يُنتج واقع غزة الحالي المليء بالدماء والقتل وتدمير البنية التحتية، وممارسة كل أنواع الهولوكوست الإسرائيلي، المشترك معه تغطية ودعمًا (الأميركان والغرب) بشكل لم يسبق له أي مثيل، يُنتج الكثير من المتغيرات في المشهد السياسي والجيو سياسي القادم، وسيلقي بذيوله على الكثير من متغيرات الواقع الإقليمي والعربي والإسلامي والعالمي، ضمن سياقات دينامية مابعد طوفان الأقصى، بل مابعد المحرقة الإسرائيلية، حيث الشاهد عليها فرجة سياسية لاإنسانية من قبل كل الدول التي كانت تدعي يومًا زورًا وبهتانًا أنها في مصاف الدول المتحضرة، وراعية حقوق الإنسان، وحاملة لواء القانون الدولي الإنساني المسفوح دمه على قارعة الطريق .
ولعل مايفعله الإنسان الفلسطيني الذي يواحه آلة القتل الإسرائيلي الأميركي بجسده العاري وقدرته على حمل كفنه بيده، ومواجهة كل ذلك بقوة واقتدار سيسجلها التاريخ، وستترك آثارها على مجمل القضية الفلسطينية، وتعيد صياغة التاريخ بأحرف من كفاح ونضال وتضحية، مما سيعيد إنتاج القضية الفسطينية من جديد، على أسس حية ومتجددة، وهي القضية المركزية للأمة التي ظن البعص واهمين أنها بعد اتفاقات كامب ديفيد، ووادي عربة، وأوسلوا، قد ذهبت إلى النسيان أو أنها لم تعد قضية الأمة المركزية، لكن ماجرى ويجري في غزة اليوم أنتج وسوف ينتج مستقبلًا آخر للقضية الفلسطينية وسوف يعيد البوصلة إلى موضعها الأساس، ويعيد الرؤيا الوطنية الفلسطينية ،كما العربية إلى مساراتها الصحيحة .
يضاف إلى ذلك أن غزة اليوم وشعبها العظيم بدمه المراق على أرض فلسطين يعري كل لحظة وكل ثانية تلك النظم التي ادعت وتدعي أنها ستحرر القدس، وأن الاعتداء على الشعب الفلسطيني خطًا أحمر، وأن الطريق إلى القدس يمر من حمص والقصير وإدلب وحلب ..نعم لقد عرتهم جميعًا دماء غزة الطاهر ة وأثبت الواقع عيانًا ودون عمليات تجميل أن إيران/ الملالي ليست إلا دولة متاجرة بدماء الشعب الفلسطيني، وأنها لايمكن أبدًا أن تخوض حربًا مع إسرائيل ولاغير إسرائيل من اجل مصلحة الشعب الفلسطيني، وأنها ماضية بمتاجرتها بحقوق الفلسطينيين، واللعب على الحبال بقضة فلسطين، وهي ليست في وارد أبدًا الدخول في معركة ليست معركتها، فهي من تبني ترسانتها من الأسلحة في مواجهة العرب الذين انتصفوا من امبراطوريتها مع فجر دولة الإسلام الأولى، ومن ثم فإن كل عتاها وبناء مفاعلاتها من أجل إعادة مجد (كسرى أنو شروان) وليس من أجل القدس ولافلسطين، وليس بعيدًا عن مخيالنا مافعلته أيام حرب الثماني سنوات ضد العراق، وفضيحة (إيران غيت) المتعلقة بالأسلحة، وكذلك اليوم وماتسرب عن تزويدها إسرائيل بالنفط المنهوب من أرض الأحواز العربية .
وليس تابعها حسن نصر الله وحزبه الأداة الايرانية في المنطقة إلا جزءً من تلك اللعبة القذرة التي تتاجر بقضية الفلسطينيين، ثم تتركهم لوحدهم يلاقون الموت الزؤام، دون إحساس ودون أي تغطية لشعارات حزب الله التي أطنب فيها آذاننا، وهو الذي يخرج علينا عبر خطابه الخشبي، ليعتبر نفسه المشارك بالمعركة منذ ٨ تشرين أول/ أكتوبر عبر مفرقعاته التي يلاعب بها القضية ، ويحفظ عبرها ماء وجهه ووجه إيران، ويحاول القول أنه ومايفعله من إطلاق لبعض القذائف الشكلانية إنما هو في حالة تضامن مع غزة .ويبدو أنه قد نسي أو تناسى ما أسمعنا إياه يومًا من صواريخ حيفا ومابعد حيفا، والتي كما يبدو وجدت ليس نصرة لأهل فلسطين بل لإنفاذ مصالح إيران في المنطقة وهو المنفذ لها والتابع لسياساتها بكل فجور وقلة انتماء لأمته العربية أو الإسلامية.
أما ذاك الطرف الثالث من نظام الممانعة القابع في قمقمه بدمشق وينتظر أن لاتؤثر هذه الحرب على سلطته وبقائه بها، فقد صمت لأكثر من خمس سنوات على قصف الطيران الإسرائيلي لأراضي سورية، وقبلها صمت وحافظ على أمن حدود إسرائيل المصطنعة، منذ اتفاق فض الاشتباك الذي وقعه والده حافظ الأسد عام 1974وهو يصمت اليوم عل قصف درعا ومطاري حلب ودمشق لمرتين متتاليتين، ومازال يحتفظ بحق الرد، الذي لايبدو أنه سيأتي يومًا ويكفيه (كما يرى) أن يرد على (عملاء إسرائيل) حسب ادعائه، في إدلب وشمال سورية.
إن أحداث غزة ودماء أهل غزة ستنتج تغيرات كبرى في المنطقة والإقليم، وستعيد تأسيس القضية الفلسطينية على أسس ومتغيرات جديدة، ومايجري اليوم من مظاهرات كبرى في كل مدن العالم سيترك آثاره بالتأكيد على الجميع ، كما أن الربيع العربي الذي خبا نجمه من الممكن هو الآخر أن يتحرك في موجة جديدة تقتلع نظم القهر والعسف والتخلي، التي تركت أهل غزة في معركتهم لوحدهم، وخلقت من الواقع الصعب لأهل غزة منتجًا للاستثمار السياسي النفعي البراغماتي ليس إلا. كما أنه ليس بعيدًا عن الواقع ماسوف ىحدث داخل تنظيمات الشعب الفلسطيني التي لن ترضى بعد معركة غزة بمارضيت به قياداتها البائسة، التي راهنت على ارتباطها بمشروع إيران وأطماعه بأمة العرب، حيث دمرت إيران سورية و اليمن واحتلت بيروت وبغداد، ثم تركت شعب غزة يلاقي الموت لوحده، وسوف تتحرك جماهير فلسطين بعد غزة منتفضة ضد كل القيادات التي توهمت خطأً أن إيران يمكن المراهنة عليها، ونسيت أنهاعدوة للعرب والفسطينيين بنفس مستوى عداء وخطر المشروع الصهيوني.
إن مابعد غزة لن يكون كما قبلها، ولعل عُري حسن نصر الله وحزبه وإيرانه، ومعه النظام الأسدي المجرم سيكون أكثر انكشافًا، وأكثر وضوحًا، وستنتصر غزة والقضية الفلسطينية بتضحياتها ودمائها التي ستغير العالم والإقليم، وستُسقط الكثيرين عاجلًا أم آجلاً، وعوا ذلك أم لم يعوه.
المصدر: موقع ملتقى العروبيين