د. مخلص الصيادي
بعيدًا عن الإعلام الدعائي “بروباغندا”، الذي رأى فيما قاله حسن نصر الله أمين عام حزب الله في لبنان خذلان للمقاومة الفلسطينية، ولغزة، ولعملية”طوفان الأقصى”، وأن هذا الموقف “الانهزامي” فاجأ الجميع، فاجأ كل من انتظر الخطاب من زاوية أن ما قبل الخطاب سيكون مختلفا عما بعده، وأن خطاب نصر الله سيكون علامة فارقة في مسار المعركة المستمرة مع الكيان. وأن أهلنا في غزة سيتنفسون الصعداء بعد هذا الخطاب. وروج لهذا الاعتقاد التهويل والضخ الاعلامي الذي استبق الخطاب ومهد له.
وبعيدا عن كل هذا الصخب فإن المفاجأة والصدمة والدهشة لا ترجع الى حزب الله وأمينه العام، وإنما ترجع إلى جميع من توقع من نصر الله موقفا آخر غير ما أعلنه، أو توقع منه أن ينتهض تفاعلا مع “طوفان الأقصى”، ونصرة لعشرة آلاف شهيد معظمهم من الأطفال والنساء والمدنيين، ونخوة لما أصاب “غزة هاشم”، وما يحيط بها وبشعبها، من مخاطر الدمار والتهجير.
الخلل عند هؤلاء الذين توقعوا من نصر الله ما ليس فيه، مأخوذين بالبروباغندا التي ساهم بنفسه في صوغها، وانتظروا منه موقفا لم يعِد نفسه وحزبه له.
الخلل عند هؤلاء، عند الذين توقعوا وانتظروا، أما موقف هذا الرجل فإنه جاء متفقا ومتسقا مع رؤيته ودوره وموقعه.
حزب الله، وحسن نصر الله، هو في الأصل والجوهر، حزب يتبع “ولاية الفقيه”، وكل قول أو تصرف أو سلوك يقوم به فإن ميزانه ومعياره ينطلق من موقف وتوجيهات “الولي الفقيه” فقط، ليس لفلسطين، أو للبنان، أو لسوريا، قيمة عنده إلا بمقدار ما يخدم ذلك، ويتطابق مع إرادة “الولي الفقيه” ونظامه.
حينما دخلت ميليشيات حزب الله سوريا، وراحت تمارس القتل والإرهاب ضد السوريين بدعوى حماية المراقد، ودعم نظام بشار الأسد، إنما كانت تنفذ إرادة ورؤية طهران، وتتحرك ضمن هذه الرؤية وبتوجيهها.
مئآت آلاف السوريين قتلوا وهجروا على يد ميليشيات حزب الله، ونظرائه، تلبية لتوجيهات الفقيه الولي، ونظامه الطائفي العنصري.
هذا هو جوهر مواقف حسن نصر الله، وحزبه، ومن توقع خلاف ذلك فالعيب فيه، ومكمن الخلل في نظرته ورؤيته.
إن تفهم هذا الأساس في النظر لحزب الله، لا يعني أن هذا الحزب لن يدخل في صراع مع العدو الصهيوني، مع قوات الاحتلال، ولا يعني أنه لن يناصر الفلسطينيين في معاركهم، لكنه يعني بدقة وباختصار أن في أي موقف يتخذه، لا يتخذه نصرة لفلسطين وإنما يتخذه مبتغيا مصلحة “إيران”، ووفق توجيهات نظام “الولي الفقيه”، وهذه المصلحة مقدمة على القدس وعلى الفلسطينيين، وعلى لبنان، وعلى الدم الوطني، وعلى كل شيء آخر.
إن عشرة آلاف شهيد فلسطيني في غزة ـ حتى الآن ـ ، ومعهم القدس كلها، لا تعني شيئا مقابل “البرنامج النووي الايراني”، أو رفع العقوبات كليا أو جزئيا عن إيران، أو أي شيء يخص إيران في الجوهر.
من يعتقد خلاف ذلك فهو -إن كان صادقا في اعتقاده- واهم لم يحسن قراءة الحالة الإيرانية وتوابعها.
قد يتحرك حزب الله للمشاركة في معركة جزئية مع الكيان في أي وقت ومرحلة، وقد لا يتحرك، ويكتفي بتكرار السردية التي قدمها أمينه العام أمس الجمعة، لكنه في الحالتين لا يقوم أو يمتنع نصرة لفلسطين والأقصى وغزة والمقاومة، وإنما تطبيقا لرؤية ومصلحة نظام طهران الفارسي الطائفي، وقرارات الفقيه الولي.
وحينما يكون “الأساس الموضوعي” مفتقدا في بناء الموقف السياسي والنضالي، فإن إقامة علاقة مستقرة، أو تحالف آمن، يعتبر من قبيل المقامرة، التي قد تدفع الحاجة إليها أحيانا، إن لم يكن من قبيل قصر النظر.
في مقياس فلسطين وغزة والمقاومة، لا تنتظروا شيئا من حزب الله وأمينه العام حسن نصر الله، ولا من كل الميليشيات المرتبطة بنظام ولاية الفقيه
وإذا ما رأيتم شيئا من هذا المحور يفيد فلسطين وأهلها ومقاومتها، فإنه ما وصل إلا في مسار تلبية حاجة ايرانية خالصة، حددها الولي الفقيه.
يجب أن نكون على قناعة تامة بأن فلسطين: الشعب والمقدسات، والجغرافيا، والتاريخ، ليس لهم جميعا قيمة “موضوعية مستقلة” عند هذا المحور.
وحين تتمكن هذه القناعة عندنا لا نعود نفاجئ بمواقف هذا المحور، نصرة أم خذلانا.
كثير ممن علق على خطاب نصر الله الذي حرص على تأكيد أن “طوفان الأقصى” فلسطينية خالصة، كان فحوى تعليقه عبارة “ليتك بقيت صامتا”، والحق أنه في صمته، وفي نطقه الأمر سواء، إذ ليس لفلسطين مكان أو وزن أو قيمة في الحالتين. ليست القدس قبلة سياسية ونضالية، ولا قيمة مقدسة مستقلة يتوجه إليها، وإنما هي “طهران” وما يخدمها في ظل “ولاية الفقيه”.