أشرف السهلي
أتي الانتخابات البرلمانية الهولندية المزمع إجراؤها غدا الأربعاء 22 تشرين ثاني – نوفمبر الجاري بالتزامن ظرف استثنائي وهو العدوان الإسرائيلي الكبير والمتواصل ضد قطاع غزة والشعب الفلسطيني بدعم غربي وأوربي واضح والذي أسفر حتى لحظة نشر هذه المقالة عن استشهاد أكثر من 13 ألف معظمهم من الأطفال والنساء، وتأتي مع وضوح كبير بأن هذه الأحداث باتت تتغلغل بقوة بل تفرض نفسها على المستويين الرسمي والشعبي في هولندا في ظل تزايد أعداد اللاجئين والمهاجرين من خلفيات عربية ومسلمة في الآونة الأخيرة وخاصة في أعقاب الثورة السورية وحرب الإبادة والتهجير التي شنها نظام الأسد ضد شعبه ماولد أزمة لجوء وهجرة كبيرة في عموم أوروبا وهولندا خاصة..
وبالعودة إلى مفرزات الانتخابات البرلماني الهولندية، نحن المواطنين فيها أمام 3 سيناريوهات بعد الانتخابات النيابية:
الأول: بقاء الوضع كما هو عليه وأن يكون حزبا VVD و D66 هما المهيمنان على البرلمان والحكومة ذات الطابع الخدماتي ولكن بسطوة أقل
الثاني: صعود نسبي للأحزاب التي تمثل “الأجانب” وائتلاف اليسار معها (GroeneLinks-PvdA)، وكذلك الأحزاب ذات التمثيل الذي يغلب عليه أصحاب الخلفيات غير الهولندية والجاليات القديم في هولندا ومن بينها حزبا دينك (Denk) و (bij1)
الثالث: صعود ساحق أو ملحوظ لليمين الهولندي العنصري ويتصدره حزب (من أجل الحرية) الذي يتزعمه النائب المتطرف خيرت فيلدرز.
قد يكون هناك وضوح لأحد هذه السيناريوهات ويصعب بالفعل التنبؤ أيها هو الذي قد يكون الطاغي، وقد يجتمع سيناريوهان أو ربما جميعها معا، الأمور محتدمة لأسباب عدة من أهمها (وليس جميعها):
العامل الأول: المجازر في غزة والمواقف الداعمة للاحتلال الإسرائيلي من معظم الأحزاب (الوسط واليمين كاملة) وهو ما يتعارض مع تصاعد الصوت الشعبي الغاضب من الهولنديين الأصليين والأجانب المناصرين لفلسطين في ظل تواصل حرب الإبادة ضد الغزيين، ويأتي ذلك بالتزامن مع وجود 3 قوائم تناصر فلسطين بدرجات متفاوتة وهي: قائمة حزب دينك الأوضح مناصرة لفلسطين، قائمة حزب bij1 المناصر لحقوق الملونين وقضايا البيئة وأصحاب الخلفيات السوداء في هولندا، ائتلاف اليسار والذي بالمقابل يتخذ مبدأ التوازن في علاقته مع “إسرائيل” فهو ليس رافضا لها بالمعنى الكلي بل يعترف بها ويقبل التعامل معها لكنه بالمقابل يدعم حقوق الفلسطينيين وفكرة “السلام” دون وضوح كبير في التفاصيل المتعلقة بسياساته الخارجية هذا الخصوص.
العامل الثاني: تهم الفساد المتعلقة بقضايا تخص الضرائب ومخصصات الأطفال والامتعاض الحاصل شعبيا ضد حزب VVD ورئيس وزراء حكومة تصريف الأعمال المستقيل عن زعامة الحزب مارك روته نتيجة ذلك حتى قبيل فوزه الأخير بالانتخابات خلال فترة كورونا، وكذلك الخلافات الكبيرة التي وقعت بين أحزاب الائتلاف الحكومي ال4 وأهمها ثانيا حزب D66 قبل عدة أشهر وبالتحديد في أيار/ مايو الماضي حول قضايا الهجرة، وهو ماقد يضعف موقف هذا الائتلاف وهذه الأحزاب خلال الانتخابات البرلمانية.
العامل الثالث: التنظيم الجيد لأحزاب اليمين الهولندي وعدم تورطها في هذه القضايا وتهم الفساد التي تطال الائتلاف الحاكم وحتى تلك التي اتهم بها اليسار في أوقات سابقة قد يحسن موقفها انتخابيا بالتزامن مع صعود موجة اليمين وكل ما يتعلق بها ولا سيما ضد المسلمين واللاجئين والمهاجرين والأقليات العرقية في أوروبا هو عامل آخر مهم يدعم اليمين، فضلا عن الدعم الذي من الممكن أن يتلقاه اليمين من اللوبي الصهيوني في هولندا في ظل الحرب الإسرائيلية على غزة لضمان موقف حكومي هولندي متعنت وقوي في دعمه لإسرائيل.
يمكن القول هذه المرة إن الصوت الانتخابي مهم ومؤثر بصورة كبيرة في تحديد خريطة الخطاب الرسمي الهولندي، فحتى الأحزاب الصغيرة مثل دينك وbij1 يمكنها في حال تخطت الأعداد القليلة للمقاعد أن تحدد شكل الائتلاف الحاكم القادم، كما إن أحزاب اليسار واليمين المتنافسة، وأحزاب الائتلاف الحاكم الحالي جميعها لديها فرص ممكنة لقيادة البلاد بدرجات غير متساوية لكنها ممكنة في حال تمت الاستعانة بالأحزاب الصغيرة وتحالفت معها، وبالتالي فإن المشاركة في الانتخابات من قبل العرب والمسلمين والفئات اللاجئة والمهاجرة في هولندا وخاصة المناصرين لفلسطين في ظل الوضع القائم في قطاع غزة وحرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني من قبل الاحتلال الإسرائيلي وفي ظل المعطيات السابقة يمكنه أن يسهم في التأثير على المشهد السياسي العام لهولندا على المديين القصير في ما تفرزه الانتخابات المقبلة والطويل بالنظر إلى عوامل مهمة يمكن تناولها في مقالات وفيديوهات لاحقا، أبرزها البعد الديمغرافي السكاني ومعدلات الخصوبة المرتفعة للمهاجرين والمسلمين وهو ما سيغير بطبيعة الحال الخريطة السياسية في هولندا لاحقا بعد عقد من الزمن أو مايزيد في حال تنظم هؤلاء حول الأحزاب السياسية وأبرزها دينك “Denk” وشكلوا لوبيات ضغط مهمة.
وبالتالي من غير المنطقي ألا يشارك كل من يملك حق الانتخاب غدا ليس لأنها تجربة “ديمقراطية” فحتى ديمقراطيات الغرب باتت محل شك؛ بل لأن الانتخاب مؤثر على حياتنا اليومية في هولندا بصورة مباشرة هذه المرة (هجرة، تمييز، ضرائب رواتب وتعليم إلخ إلخ)، ومؤثر بنفس الدرجة وإن نسبيا على شكل السياسة الخارجية لهولندا على المديين القريب والبعيد في ما يتعلق بالخطاب والسلوك الرسميين خاصة بشأن القضية الفلسطينية.
المصدر: ملتقى فلسطين