حسن النيفي
في موازاة المواجهة الدامية بين حركة حماس وقوات الكيان الصهيوني على أرض غزة، تُثار بين السوريين العديد من المسائل التي كان من الاجدى أن تطرح في سياقات زمانية أخرى، ولكن ربما وجدت مبررات حضورها نظراً لارتباطها الوثيق بسيرورة الثورة السورية ومآلاتها، ما نعنيه بالتحديد هو ماهيّة الموقف الذي ينبغي أن يكون حيال حركة حماس في هذه المواجهة مع العدوان الإسرائيلي، وهل ينبغي أن يكون الموقف من حركة حماس هو ذاته الموقف من قضية فلسطين؟
بإيجاز شديد يمكن التأكيد على أن موقف جمهور الثورة من السوريين من القضية الفلسطينية هو موقف سابق لنشأة ووجود حركة حماس، كما أن حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن أرضه ومقاومة المحتل هو حق مشروع في أي زمان ومكان ولا يمكن الاعتراض عليه، سواء أكان الطرف المقاوِم حركة حماس أو سواها، طالما أن إسرائيل مستمرة بانتهاك حقوق الشعب الفلسطيني، ولكن هذا يوجب علينا في الوقت ذاته التمييز الدقيق والدائم بين الموقف من قضية فلسطين كقضية عادلة نجد فيها جميع موجبات التضامن، وبين حركة حماس كمشروع إيديولوجي له ارتباطاته مع دول إقليمية لا تتوانى عن قتلنا بل إبادتنا، وهذا يدعونا بالطبع ألا نقف عند بيان الموقف من حماس دون البحث في موقف حركة حماس من قضيتنا السورية باعتبارها قرينة لثورة أهلنا في فلسطين أيضاً.
الجانب الإشكالي في طبيعة موقف حركة حماس يتمثل بمحاولة قادتها إبداء موقف محايد من الثورة السورية باعتبارها (شأناً داخلياً سورياً) بحسب تعبير البعض منهم، وفي الوقت ذاته يناشدون، بل ويلحّون بدعوة جميع العرب والمسلمين لمناصرتهم في مواجهة الكيان الصهيوني، وذلك باعتبار أن قضية فلسطين ( عامة) والقضية السورية ( شأن داخلي)، علماً أن كلا الشعبين الفلسطيني والسوري يواجهان تحدّياً وجودياً متماثلاً، فحرب الإبادة الإسرائيلية بحق أهل فلسطين على مدى عقود مضت لم تتفوّق بعدُ على حرب الإبادة الأسدية بحق السوريين، كما أن عدالة القضية السورية بأبعادها الإنسانية كافة لا تقل عن عدالة قضية فلسطين وإن اختلفت سيرورة كل قضية منهما عن الأخرى. ربما يكتفي البعض بإرجاع الأمر إلى حرص حماس على تحالفاتها السياسية وعدم قدرتها على الخروج من سطوة النفوذ الإيراني، ربما كان ذلك صحيحاً، ولكن لعل الأهم من ذلك هو سطوة النزوع الإيديولوجي الذي يجعل من مشروع حماس عابراً حتى للوطنية الفلسطينية. كما يمكن الإشارة في هذا السياق إلى الموقف الصادر عن لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يوم الحادي والثلاثين من شهر تشرين أول الفائت، إذ دعت الفتوى إلى وجوب المبادرة الفورية والعملية لردع العدوان الإسرائيلي عن الشعب الفلسطيني ووجوب تقديم كافة أشكال الدعم المادي والمعنوي لسكان غزة، وهو موقف مشرّف ولا اعتراض عليه، ولكن لكي يكون الانحياز إلى نصرة القضايا العادلة للشعوب مبدأً عاماً كان من المفترض أن تتكرر تلك الفتاوى حيال ما يتعرض له السوريون من مذابح على مدى اثنتي عشرة سنة أيضاً.
الموقف الفكري المتصدّع لحركة حماس وأمثالها من قضايا الشعوب ومن وحدة المبادئ الإنسانية و الحريات والحقوق يجاريه موقف لا يقل عنه تصدّعاً للعديد من القوى العروبية سواء في سوريا أو الجزائر وتونس والأردن ومصر، إذ لا يخفى الدفاع المستميت لتلك القوى عن نظام دمشق ومناصرتها له في حربه على السوريين والمنافحة عن جرائمه الأكثر قبحاً وقذارةً، بذريعة انخراط نظام الأسد في تيار الممانعة والتصدي للخطر الصهيوني والأمبريالي المداهم للأمن القومي وفقاً لهؤلاء، وفي الوقت الذي ترتفع فيه عقائرهم متباكين على سكان غزة، إلّا أن تلك العقائر لن تكون معنية لما يجري لسكان الشمال السوري جرّاء قصف طائرات الأسد وحليفه الروسي في سياق زمني واحد مع استهداف الشعب الفلسطيني. ولعل استمرار تلك القوى في تماهيها مع الأنظمة الأكثر دموية تجاه شعوبها لا يجسّد حرص تلك القوى على مصالحها المباشرة سواء المادية أو السياسية مع نظام الأسد وسواه فحسب، بل يجسّد أيضاً عدم قدرتها على مفارقة تشوّهات الوعي الإيديولوجي الناظم لتفكيرها، و الذي ترى مغادرتها له انهياراً مباغتاً لذواتها.
بالطبع، ثمة مواقف أخرى تجاري الموقفين السابقين، وربما انحدرت من أصول مرجعية أكثر يساريةً ولكنها تحاول التلطّي خلف شعارات ليبرالية طالما صدعت رؤوس الآخرين في التغني بها، ولكن تلك الشعارات غالباً ما تهتّكت إمّا من خلال الانحياز لأنظمة القتل والإجرام، وإمّا من خلال انشدادها الوثيق والقوي لبواطنها الإيديولوجية فقط، كوقوف بعضهم موقفاً مناهضاً لحركة حماس بسبب انتمائها الإسلامي فقط، وليس لسبب آخر سواه.
لعله من المفيد التأكيد دوماً على أن الثورة السورية لم تكن مصدر إشعاع لوعي كاشف لتشوّهات الوعي التقليدي في المشهد السوري فحسب، بل لعلها جسّدت انعطافة نوعية في الوعي الفاضح لبلادة الإيديولوجيات التقليدية بكافة أشكالها الموروثة.
المصدر: موقع المجلس العسكري السوري