ماثيو ليفيت
مع ظهور تفاصيل عن وجود صلات مباشرة محتملة بين “حماس” وإيران في تنفيذ الهجوم على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، هناك أمر واحد واضح وهو أنه لم يكن بإمكان “حماس” التخطيط لمثل هذه العملية وتنفيذها دون سنوات من التدريب الإيراني، والأسلحة الإيرانية، ومئات ملايين الدولارات من التمويل الإيراني.
في الأسابيع التي تلت المذبحة التي ارتكبتها “حماس” في 7 تشرين الأول/أكتوبر، ناقش المحللون ما إذا كانت إيران قد ساعدت “حماس” أم لا في وضع خطة الهجوم الإرهابي وما إذا كانت إيران على علم مسبق بالهجوم. وفي هذا الإطار، نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مصدر من “حماس” قوله أن إيران ساعدت في التخطيط للهجوم وأن “الحرس الثوري الإسلامي الإيراني” أعطى الضوء الأخضر للهجوم خلال اجتماع عُقد في بيروت. ويَزعم تقرير آخر للصحيفة أن المئات من عناصر “حماس” ومتشددين إسلاميين آخرين تلقوا تدريبات متخصصة في إيران قبل أسابيع من الهجوم. أما إيران فقد نفت ضلوعها في الهجوم بأي شكل من الأشكال، وتشير الاستخبارات الأمريكية إلى أن هجوم “حماس” فاجأ إيران، مما يقوض النظرية بأنها لعبت فيها دوراً مباشراً في التخطيط أو تدريب النشطاء على المؤامرة.
وفي مرحلة باكرة تعود إلى آب/أغسطس الماضي، أكد نائب رئيس حركة “حماس”، صالح العاروري، علناً قائلاً: “نحن نستعد لحرب شاملة ونناقش احتمالات هذه الحرب مع جميع الأطراف المعنية”. ومن المؤكد أن مثل هذه المناقشات شملت “الحرس الثوري الإيراني” و”حزب الله”، اللذيْن كان يجتمع معهما قادة “حماس” بانتظام في “غرفة حرب مشتركة” في بيروت.
وفي النهاية، ستظهر التفاصيل عن دور إيران في المؤامرة نفسها. ولكن الأمر أصبح واضحاً أساساً: لقد قامت إيران بتمويل وتسليح وتدريب “حماس” وتقديم المعلومات الاستخبارية إليها لعقود من الزمن. وعلى الرغم من أن “حماس” لديها مصادر دخل متعددة، إلا أن التمويل من إيران كان له أهمية خاصة بالنسبة للهياكل العسكرية والإرهابية للحركة. وكما خلص مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان عندما سئل عن دور إيران في هجوم “حماس”، “لقد قلنا منذ البداية: إيران متواطئة في هذا الهجوم بالمعنى الواسع لأنها قدمت حصة الأسد من تمويل الذراع العسكري لـ «حماس»”.
صناديق الشركات الناشئة الإيرانية
منذ تشكيلها في أواخر عام 1987، تلقت “حماس” وما زالت تتلقى دعماً مالياً كبيراً وغير ذلك من أشكال الدعم من إيران. وبحلول عام 1994، كتب المؤلف الفلسطيني الذي أصبح مشرّع، زياد أبو عمرو، أن إيران “توفر الدعم اللوجستي لـ «حماس» والتدريب العسكري لعناصرها”، وقدّر المساعدة الإيرانية لـ «حماس» “بعشرات ملايين الدولارات”. وبمرور الوقت، ارتفع هذا الرقم بشكل مطرد. ووفقاً لتقرير كندي “اكتشفت الشرطة الفلسطينية في شباط/فبراير 1999، وفقاً لبعض التقارير، وثائق تثبت تحويل 35 مليون دولار إلى «حماس» من جهاز المخابرات الإيرانية، وهي أموال كانت مخصصة لتمويل أنشطة إرهابية ضد أهداف إسرائيلية، وفقاً لبعض التقارير”. كما قامت إيران بتدريب نشطاء “حماس” على تنفيذ هجمات تستهدف إسرائيل.على سبيل المثال، صرّح حسن سلامة، أحد قادة “حماس” والعقل المدبّر وراء سلسلة تفجيرات الباصات الانتحارية التي نفذتها الحركة في شباط/فبراير وآذار/مارس 1996، قائلاً للشرطة الإسرائيلية – وأكد ذلك لاحقاً في مقابلة في برنامج “60 دقيقة” على شبكة “سي بي إس” – إنه بعد خضوعه للتدريب على التلقين العقائدي في السودان، تم إرساله إلى سوريا ومن هناك إلى إيران. وفي ذلك الوقت، التقى ممثل “حماس” في إيران، أسامة حمدان، بسلامة في طهران، وبعد ذلك خضع سلامة لتدريبات عسكرية لمدة ثلاثة أشهر على يد مدربين إيرانيين.
وفي أيار/مايو 2004، أفاد المراسل المختص بالأمن القومي الإسرائيلي، الراحل زئيف شيف، بأن إيران زادت من تمويلها لحركة “حماس” في الوقت الذي أطاحت فيه قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة بالرئيس العراقي صدام حسين، الأمر الذي أدى إلى نضوب المنح العراقية السخية المقدمة إلى عائلات الفلسطينيين الذين قتلوا أو جرحوا أو سجنوا أثناء مهاجمتهم الإسرائيليين. وكتب شيف: “تشير المعلومات الاستخباراتية أيضاً إلى أن إيران تحوّل ملايين الدولارات إلى الفلسطينيين عبر جهات من «حزب الله».” وأضاف، “في الواقع، تُعتبر إيران بديلاً عن الزعيم العراقي السابق صدام حسين الذي قدم الدعم المالي لعائلات الانتحاريين الفلسطينيين أو المصابين في القتال. وفي الأراضي [الفلسطينية]، تقوم منظمات خيرية إسلامية مختلفة بإدارة الأموال”.
لقد قبلت “حماس” الدعم الإيراني لفترة من الزمن، ولكنها حاولت حماية استقلالية عملياتها. فقد ترددت في سنواتها الأولى بقبول مبالغ مالية كبيرة من إيران خشية من أن تُصبح مُلزمة بتحقيق توقعات طهران والعمل بتعليماتها. ولكن إيران زادت التمويل لحركة “حماس” في أيار/مايو 2004 وذلك عقب اغتيال قائد الحركة، عبد العزيز الرنتيسي. إن وفاة الرنتيسي ـ التي جاءت في أعقاب اغتيال زعيم “حماس” الشيخ أحمد ياسين ـ جعلت “حماس” تبدو ضعيفة وتركت الحركة بلا قيادة واضحة. أما في دمشق، فأفادت بعض التقارير أن قائد “حماس”، خالد مشعل، سعى إلى الحصول على المزيد من التمويل من إيران وإقامة قناة اتصال مباشرة بـ “الحرس الثوري الإسلامي الإيراني” في محاولة لاحتواء تأثير اغتيال ياسين والرنتيسي وإعادة تنشيط خلايا العمليات في “حماس”.
ومع مرور الوقت، استمر الدعم الإيراني لحركة “حماس” بالتنامي لا سيما بعد استيلاء الحركة على قطاع غزة بالقوة وانتزاع السلطة من مواطنيها الفلسطينيين في عام 2007. ووفقاً لتقرير وزارة الدفاع الأمريكية لعام 2010 حول القوة العسكرية الإيرانية، زوّدت إيران “حزب الله” والكثير من الجماعات الإرهابية الفلسطينية، بما فيها “حماس”، “بالتمويل والأسلحة والتدريب لمواجهة إسرائيل وتعطيل عملية السلام في الشرق الأوسط”، مع الإشارة إلى أن مثل هذه المساعدة تم تهريبها في ذلك الوقت إلى غزة عبر الأنفاق تحت “ممر فيلادلفيا” (الذي يمتد على طول الحدود بين غزة ومصر). ولم تتردد وزارة الخارجية الأمريكية بالتوضيح في عام 2012 أن “حماس” استخدمت أنفاق التهريب من مصر وطرق التهريب البحرية لاستيراد الأسلحة من إيران إلى غزة. كما أشارت وزارة الخارجية الأمريكية إلى أن الحركة تقوم منذ عام 2007 “بتكريس غالبية نشاطها في غزة لتعزيز سيطرتها، وتقوية دفاعاتها، وبناء مخابئ أسلحتها، وتشديد الأمن، والقيام بعمليات محدودة ضد القوات العسكرية الإسرائيلية”.
على الرغم من الحرب الأهلية السورية، تستمر الأموال الإيرانية في التدفق
توترت العلاقات بين “حماس” وإيران على خلفية القرار الذي اتخذته الحركة بالانفصال عن نظام الأسد بسبب الحرب الأهلية السورية واستهداف نظام الأسد لـ “إخوانه المسلمين” السنة. فلسنوات عديدة، منذ طرد الأردن لقيادة “حماس” من عمّان، الأردن، في عام 1999، احتفظت “حماس” بمقر قيادتها الخارجية في دمشق. ولكن في كانون الثاني/يناير 2012، تخلى زعيم “حماس”، خالد مشعل، عن قاعدة الحركة في دمشق. وبحلول شباط/فبراير 2012، علق نائب قائد “حماس”، موسى أبو مرزوق، الذي كان متواجداً آنذاك في مصر، قائلاً: الإيرانيون غير راضين عن موقفنا بشأن سوريا، وعندما لا يكونون سعداء، فإنهم لا يعاملوننا بنفس الإسلوب القديم”.
ومع ذلك، لم يتوقف التمويل الإيراني لـ “حماس” بشكل كامل. وفي حين أثر الخلاف بين الحركة وطهران على تمويل الأنشطة السياسية لـ “حماس”، فقد واصلت إيران تمويل أنشطتها العسكرية للحركة. علاوةً على ذلك، بدأت العلاقات بين “حماس” وإيران تعود إلى مسارها الصحيح مع بداية عام 2014.
وعندما خاضت “حماس” حرب صواريخ مع إسرائيل في عام 2014 وأثبتت لإيران أنها قادرة على استهداف إسرائيل بشكل فعال، تنبهت إيران للأمر. ووفقاً لـ “خدمة أبحاث الكونغرس” الأمريكي، “منذ الصراع الذي دار بين «حماس» وإسرائيل عام 2014، تسعى إيران على ما يبدو إلى إعادة بناء العلاقة مع «حماس» من خلال توفير تكنولوجيا الصواريخ التي استخدمتها الحركة لبناء صواريخها الخاصة ومن خلال مساعدتها في إعادة بناء الأنفاق التي دُمّرت في الصراع مع إسرائيل”.
وهذه الاستنتاجات مدعومة بالأدلة التي أصبحت علنية في العديد من الحالات البارزة. على سبيل المثال، في 5 آذار/مارس 2014 اعترضت البحرية الإسرائيلية طائرة “كلوس-سي”، وهي سفينة تجارية ترفع علم بنما، في البحر الأحمر قبالة الساحل الإريتري. ووفقاً لوزارة الخارجية الإسرائيلية، صعدت قوات البحرية الإسرائيلية على متن السفينة وفتشت حمولتها، وعثرت على مجموعة متنوعة من الأسلحة، من بينها 40 صاروخ أرض-أرض من طراز “أم-302” مصنعة في سوريا، يصل مداها إلى 90-200 كيلومتر، و181 قذيفة هاون عيار 122 ملم، و400 ألف قطعة ذخيرة للبنادق الهجومية.
وفي إشارة إلى عودة التمويل الإيراني لـ”حماس” على قدم وساق، صنّفت وزارة الخزانة الأمريكية في أيلول/سبتمبر 2015 على القائمة السوداء مواطناً يحمل الجنسيتين البريطانية والأردنية ويقيم في المملكة العربية السعودية كان ينسق عملية تحويل عشرات ملايين الدولارات من إيران إلى السعودية لتمويل “كتائب القسام” التابعة لحركة “حماس” وأنشطة “حماس” في غزة.
وساعد نشطاء “حماس” في لبنان المختصون بالشأن المالي في تسهيل تدفق الأموال من “الحرس الثوري الإسلامي الإيراني” إلى “حماس” عن طريق “حزب الله اللبناني” وذلك بين العامين 2012 و 2016. ولا بد هنا من النظر في حالة محمد سرور المقيم في بيروت، والمرتبط بكل من “حزب الله” و”حماس”. فوفقاً لوزارة الخزانة الأمريكية “شغل محمد سرور كوسيط بين «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري الإسلامي الإيراني» و«حماس» وعمل مع عناصر «حزب الله» لضمان توفير الأموال لـ «كتائب عز الدين القسام» [التابعة للحركة]”.
وبحلول آب/أغسطس 2017، صرح قائد “حماس” الذي كان قد انتُخب حديثاً في غزة، يحيى السنوار، أن إيران أصبحت مجدداً “الداعم المالي والعسكري الأول” للجناح العسكري لحركة “حماس”.
وبعد ذلك بوقت قصير، لاحظت السلطات تزايد الجهود الإيرانية بشكل كبير لتمويل الحركة. على سبيل المثال، في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، كشفت وزارة الخزانة الأمريكية عن شبكة معقدة تعمل بمبدأ “النفط مقابل الإرهاب” كانت تستفيد منها “حماس”، من بين جماعات أخرى. وكانت خطتها تقوم على شحن النفط الإيراني، بمساعدة عملاء إيرانيين وشركات روسية، إلى نظام الأسد في سوريا، الذي سيقوم بعد ذلك بتسليم أرباح بمئات الملايين من الدولارات الأمريكية إلى “الحرس الثوري الإسلامي الإيراني” الذي سيقوم بدوره بتوزيع الأموال على وكيلين من أهم وكلاء إيران، هما “حزب الله” و “حماس”.
وفي حزيران/يونيو 2022، أعلنت “حماس” وسوريا قرارهما باستئناف العلاقات بينهما.
دعم إيران المستمر لـ “حماس”
اليوم، يقدّر مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون بأن إيران تقدم لـ “حماس” ما لا يقل عن 70 مليون إلى 100 مليون دولار سنوياً. وزعم قائد “حماس”، إسماعيل هنية، في مقابلة مع “قناة الجزيرة” في عام 2022 أن حركته تتلقى 70 مليون دولار سنوياً من إيران.
وفي أعقاب غزو “حماس” لجنوب إسرائيل في تشرين الأول/أكتوبر 2023، وضعت وزارة الخزانة الأمريكية على القائمة السوداء محمد نصر الله، وهو ناشط مخضرم في “حماس” مقيم في قطر وله علاقات وثيقة مع إيران وشارك في تحويل عشرات ملايين دولارات إلى “حماس”، بما في ذلك إلى “كتائب القسام”.
ومع مرور الوقت، أدى التمويل الإيراني لـ “حماس” إلى دعم الحركة وبناء قدراتها الإرهابية. وتُعتبر برامج التدريب الإرهابية الإيرانية، وجهود إيران المتواصلة لتسليح “حماس” على مر السنين، السبب الذي جعل “حماس” قادرة على تنفيذ هجمات تستهدف إسرائيل، من ضمنها مجزرة 7 تشرين الأول/أكتوبر.
على مدار عقود من الزمن، استمرت إيران، التي صنفتها الولايات المتحدة كدولة راعية للإرهاب، في تقديم نطاق واسع من الدعم المادي لـ “حماس”، والذي من دونه لم يكن من الممكن أن تصبح الحركة المنظمة الإرهابية القادرة والفتاكة التي هي عليها اليوم. إن جيك سوليفان على حق. “لقد وفّروا التدريب، ووفروا القدرات”. وقد لعبت طهران دوراً محورياً في خلق الوحش المدعو “حماس”، ولهذا السبب تشارك إيران اللوم والمسؤولية عن الهجوم الوحشي.
ماثيو ليفيت هو “زميل فرومر-ويكسلر” ومدير “برنامج راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب” في معهد واشنطن.
المصدر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى