منير الربيع
الخطأ الذي اقترفته حركة حماس في لبنان، بإعلانها تأسيس “طلائع طوفان الأقصى” ودعوة الفلسطينيين واللبنانيين للانضمام إليها، سيكون له أبعاد خطرة على المستوى اللبناني. قد يكون الإعلان منطوياً على فعل جدّي، وقد لا يكون، وربما يبقى محصوراً في الإطار النظري والدعائي فقط. لكن مخاطره مؤكدة على أكثر من صعيد.
أعباء كثيرة
إذ أن الخطوة جاءت في ظل تكثيف الضغوط الخارجية لتطبيق القرار 1701. وهو أمر لا يمكن تطبيقه. فحتى المجتمع الدولي يعلم ذلك، وهو يفاوض سياسياً للعودة إلى إرساء استقرار في الجنوب، غايته العودة إلى ما قبل 7 تشرين الأول، بناء على اتفاق سياسي كما حصل بعد العام 2006. لكن تأسيس “الطلائع”، إلى جانب النشاط العسكري الذي قامت به حركة حماس بإطلاق الصواريخ من الجنوب، سيحمل لبنان أعباءً كثيرة.
أولاً، سيعطي ذلك المزيد من الذرائع للإسرائيليين من أجل الضغط على لبنان، وتسخير جهودهم الديبلوماسية في سبيل ذلك. كما أنه سيسهم في تكثيف التهديدات العسكرية الإسرائيلية لتنفيذ عمليات في الداخل اللبناني، سواءً كانت عمليات عسكرية أو أمنية. ربطاً بالسعي إلى تحقيق “منطقة آمنة في جنوب لبنان”. وهذا سيفتح الباب أمام الكثير من السجالات العسكرية والسياسية، ومن شأنه إحراج الموقف الرسمي اللبناني.
إغراق حزب الله
ثانياً، الأثر السياسي لهذه الخطوة سيؤدي إلى مزيد من الانقسامات السياسية اللبنانية، والتي في مكان ما ستأخذ طابعاً طائفياً ومذهبياً، على الرغم من تأكيد قوى إسلامية كثيرة رفضها لما أقدمت عليه حماس، ووصفته بأنه خطأ كبير، ويكاد يكون خطيئة، لأنه سيؤدي إلى تراجع منسوب التضامن مع الحركة ومع القضية الفلسطينية ككل. هذا حتماً سيؤدي إلى مشاكل سياسية متعددة تضاف إلى المشاكل القائمة حالياً. وهنا سيصبح لبنان مطوقاً بنوعين من المعارك والضغوط. المعارك والضغوط الداخلية، والمعارك والضغوط الخارجية الإسرئيلية والأميركية وغيرهما من الدول الغربية.
ثالثاً، يمكن لجهات عديدة أن تستثمر بهذه الصراعات الداخلية اللبنانية والخلافات السياسية، لرفع منسوب الاشتباك الداخلي، وربما الذهاب إلى افتعال إشكالات أمنية وعسكرية كردّ على رفض ما يقوم به الحزب في الجنوب، وبذريعة الرفض لما تقوم به حركة حماس. وهذا سيؤسس مجدداً لحالة متوترة على المستويين الأمني والسياسي.. فتعمل إسرائيل إلى الاستفادة مما يجري لإلهاء حزب الله في الداخل ومشاكله، وإشغاله عن خوض المعارك العسكرية على الجبهة الجنوبية. وبذلك يمكن لإسرائيل أن تعتبر نفسها أنها استعاضت عن أي عمل عسكري برّي في الجنوب اللبناني، بتشجيع إشكالات أمنية وعسكرية داخل لبنان، لإشغال الحزب وإضعافه من الداخل، والقول إنه لم يعد يمتلك حاضنة سياسية وشعبية لما يقوم به، على نحو تكون حماس هي واجهة هذا الرفض الداخلي للسلاح الفلسطيني، بينما المضمون يرتكز على حزب الله وسلاحه. وهذا أقرب ما يكون إلى الحرب الأهلية وتكراراً لها.
صراع على المخيمات
رابعاً، أخطر ما في تلك الخطوة أنها تعيد الأذهان إلى المعارك التي كان يشهدها مخيم عين الحلوة قبل أسابيع من عملية طوفان الأقصى، من خلال المعارك التي اندلعت فيه بين حركة فتح وقوى إسلامية. وفي تلك الفترة، سرت اتهامات مفادها أن الهدف هو إضعاف حركة فتح ودفعها إلى التآكل في سبيل سيطرة القوى الإسلامية وحماس وغيرهما على الأرض داخل المخيمات. لذا، فإن الدعوة إلى تأسيس طلائع طوفان الأقصى، والتي تقول حماس إنها تسعى من خلالها إلى استقطاب الفلسطينيين وتعبئتهم، تؤكد تلك النظرية حول سعي الحركة لتعزيز حضورها واتساع رقعة نفوذها داخل المخيمات. وهذا قد يعيد تجديد الإشكالات الأمنية داخل المخيمات الفلسطينية، كما أنه قد يدفع الإسرائيليين إلى زيادة منسوب اختراقاتهم لتنفيذ عمليات اغتيال.. وما هو أفدح.
المصدر: المدن