منير الربيع
تنقسم الجماعات الاجتماعية في القضايا السياسية أو المشاريع الثورية والنضالية إلى مجموعات متعددة. بعضها يبقى مناصراً للضعيف والمنكّل به والمهزوم والذي يتعرض دوماً للفوقية والاستقواء. وبعضها الآخر يذهب إلى مناصرة المنتصر أو الرابح أو الفاجر القادر على تقديم قوالب خطابية أو سياسية تبرز انتصار روايته المعنوية ورمزيتها. وبعض ثالث يفضل الانزواء والانتظار لتنجلي الصورة فيبني موقفه. أما البعض الرابع فهو من المحتكمين إلى هوامش الفراغ الذي يعيشه ويعانيه فتطفو لديه كل خفّة على شكل حقد تجاه كل المسحوقين. وهذه العناصر الأربعة أكثر من اختبرها السوريون والفلسطينيون.
في ميادين متعددة، وجد السوريون والفلسطينيون من يناصرهم لأحقية وعدالة قضاياهم. كما وجدوا من يستثمر قضاياهم من القوى الكبرى أو المؤثرة في إطار استخدامهم لمشاريع متعددة. وهم دوماً قد وجدوا من يناصر المنتصر عليهم كما حال مناصري النظام السوري الذي انتصر على شعبه، ومناصري إيران الذين يؤيدونها في مواجهة خصومها من دون مناصرة جدية أو حقيقية أو فعلية للقضية الفلسطينية أو حتى لحركة حماس. كما أن الشعبين السوري والفلسطيني اختبرا من تطفو لديه أحقاد التاريخ والنزعات الفوقية في مجانبة مناصرة قضاياهما والتعاطي معهما بعنصرية. وللمفارقة إن جانباً من هذا النموذج مورس تجاه الشعبين في لبنان، وهذا ما يبقى ثابتاً في الممارسة الإسرائيلية العنصرية تجاه القضية الفلسطينية أولاً والعرب ثانياً.
شاء القدر أن نكون في صفوف مناصرة الشعبين السوري والفلسطيني على مظلوميتهما وسحقهما بتآمر الأمم، خصوصاً عندما كان يتم وسم الشعب السوري الثائر بأنه إرهابي وينتمي إلى تنظيمات متطرفة كداعش أو النصرة. في حين كان الآخرون يعملون على التنكيل بهذا الشعب وتهجيره. في حين كّنا نحن نقول إن ممارسة العنف والاقتلاع والتهجير والقتل وبعدها التعاطي بعنصرية مع اللاجئين سيؤدي إلى إنتاج آلاف المقهورين بفعل التنكيل وهؤلاء سيكون خيارهم العنف أو التطرف. هذه المعادلة تتكرر اليوم مع الشعب الفلسطيني المقهور والمسحوق والمهجر من منازله في غزة. ومن كان يعترض على توصيفنا لوضع الشعب السوري، يستند إلى القراءة نفسها في توصيف واقع الشعب الفلسطيني.
مع بدايات الثورة السورية، واتساع رقعتها نشأ ما يسمى “أصدقاء الشعب السوري”. وهو الذي لم ينل من الصداقة أي دعم أو إسناد أو دفاع عن حقه بالوجود على قيد الحياة والاستمرار على أرضه وفي منزله، تخلى الأصدقاء والذين كان يقصد بهم الدول الداعمة للثورة السورية في مواجهة النظام. فشلت رهانات الشعب على من ناصره بقوة، وما بقي له سوى أحلام ضائعة وأصدقاء متعاطفين وعاجزين. الواقع نفسه يتكرر في قطاع غزة ومع الشعب الفلسطيني ككل. فقد خسر الشعب حلفاءه وأصدقاءه أمام آلة القتل الإسرائيلية، المستمرة في عمليات التجزير والتهجير. وكأن حماس تركت وحيدة، بلا أصدقاء ولا حلفاء، بعضهم يحملها مسؤولية ما جرى، وبعضهم الآخر يستند إلى أنها لم تنسق معه ولم تضعه في الأجواء. فيما الصحيح أن جميع الحلفاء يريدون تجنّب أن يلقوا المصير نفسه أو الدخول والانخراط في حرب ستكون آثارها سلبية عليهم، وهو ما ينطبق على جبهات مساندة أو حلفاء إقليميين، كما هو الحال بالنسبة إلى إيران التي تبرأت مما قامت به حماس، فسقط مبدأ وحدة الجبهات، وترك الفلسطينيون إلى مصيرهم.
سقط مبدأ وحدة الجبهات بمعناه الفعلي، وانتقل الفلسطينيون إلى حالة من تجزئة الجبهات، ففي أعقاب الهدنة التي سرت في غزة، استمرت العمليات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وهذه التجزئة الأولية، وصولاً إلى تجزئة قطاع غزة شماله عن جنوبه وشرقه عن غربه. أما قوى المحور فلكل منها حساباتها، والتي كانت أخيراً في تصريح الخامنئي بأنه من غير الصحيح أن لدى إيران مشروعاً لرمي اليهود في البحر، وبالتالي التراجع عن مقولة إزالة إسرائيل بـسبع دقائق ونصف. إنها معادلة الصراع الأزلي، بين من يناصر قضية دعماً لها، ومن يناصرها كسباً لموقف وسعياً وراء ما هو أبعد.
المصدر: تلفزيون سوريا