متابعات
في محاولة للوصول إلى تقييم سياسي مشترك للأوضاع الدولية والإقليمية والسورية، أجرت قيادات من الحزب الدستوري السوري (حدْس)، والمنظمة الآثورية الديمقراطية، وتجمع مصير، وتيار مستقبل كردستان سوريا، نقاشاً سياسياً لتحليل هذه الأوضاع، وتقديم ما تحمله من تحدّيات ومخاطر وفرص.
ويحمل تقدير الموقف الصادر عنها، أبرز النقاط الرئيسية التي توصلت إليها النقاشات والخلاصات.
أولاً: في الوضع الدولي:
1- تبدو الصورة الكلية للعلاقات الدولية في أسوأ حالاتها، وأشبه ما تكون في حالة انفجار، تجري محاولات ضبطها بصعوبة بالغة، ما يفسّر احتلال التصريحات العسكرية، سواءً على لسان سياسيين وديبلوماسيين أو وزراء دفاع وقادة عسكريين، مكانة بارزة في المشهد السياسي الدولي، في ثلاث مناطق ذات أهمية مركزية، وهي الشرق الأوسط، وأوروبا، وشرق آسيا.
2- في المشهد الميداني الروسي/ الأوكراني، تبدو روسيا في حال أفضل مما كانت عليه منذ عام، فعلى الرغم من العقوبات الدولية التي حاولت حصارها، إلا أنها تمكّنت بفضل علاقاتها مع الصين، أن تغطي حوالي نصف احتياجات بكين من النفط، حيث صدّرت روسيا 107 مليون طن متري من النفط الخام للصين في عام 2023، بمعدل 2.14 مليون برميل يومياً، وتمكّنت من إبرام عدد كبير من الصفقات في الأسواق الموازية، في الوقت الذي أصبحت فيه أوكرانيا أسيرة الدعم الغربي، في الوقت الذي غطّت فيه بيونغ يانغ النقص في الذخائر لدى الجيش الروسي، كما أنه من شأن الانتخابات الرئاسية الروسية في مارس/ آذار المقبل أن تعزز استراتيجيات بوتين في الملفات الخارجية.
3- من الواضح، أن كلّ محاولات التهدئة الأمريكية الصينية، تصبّ في خانة تأجيل الاصطدام، لكن مع حراك واسع من قبل الطرفين وحلفائهما للاستعداد لما هو أسوأ، فقد وصلت التناقضات بين مصالح القوتين الأبرز في العالم إلى لحظة تصعيد غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين الدولتين.
3- المشكلات المتفاقمة في المشهد الدولي، تجد تعبيرها الأقوى في حالة العودة الواضحة للعسكرة، وعودة القوتين الخاسرتين في الحرب العالمية الثانية، ألمانيا واليابان، إلى الاهتمام ببناء الجيش وفق عقيدة قتالية، بعد أن كان الجيشان لعقود، يتبنيان عقيدة دفاعية، وهو ما حملته الخطط المعلنة من قبل قيادات الدولتين، ورُصدت له ميزانيات كبيرة، تزيد من أعباء التحديات الاقتصادية والمالية للدولتين، في ضوء التضخم العالمي.
الأوضاع الإقليمية:
1- التناقضات والصراعات بين الأطراف، تتجلى في وضعية “حرب الجميع ضد الجميع”، فالدول الثلاث الأكثر قدرة عسكرياً ومالياً وتأثيراً، إيران وإسرائيل وتركيا، منخرطة في الصراع، ويظهر الفشل الكارثي في الإقليم في انعدام القدرة على التفاهم على منظومة أمن والاستقرار الإقليمية، ما يعكس، ليس فقط حجم وخطورة التناقضات بين القوى الثلاث وحلفائها، وإنما أيضاً داخل هذه الدول نفسها، والتي تتعلّق ببنية أنظمتها السياسية، وما تعانيه من أزمات، يجري تصديرها إلى الإقليم.
2- مجريات ما بعد عملية “طوفان الأقصى” والعدوان الإسرائيلي الواسع، الذي جاء على شكل إبادة جماعية منظمة لأهل غزة، هو تفصيل بالغ الدلالة في لوحة الاحتدام الإقليمي، الذي وصل إلى ذروة غير مسبوقة، كما أن انتقال هذا االاحتدام إلى البحر الأحمر، يبدو أمراً طبيعياً “منطقياً”، للمكانة التي يشكّلها باب المندب للتجارة العالمية، حيث تمرّ منه شحنات النفط والسلع من آسيا إلى أوربا، والتي تشكّل حوالي 12% من التجارة العالمية، وقد ظهرت تأثيرات استهدافات “جماعة الحوثي” للسفن التجارية، بشكل مباشر، حيث انخفضت واردات مصر، حوالي النصف، من أجور الترانزيت، كما تأثّرت سلاسل التوريد العالمية، وقطّاع التجزئة، الأمر الذي يزيد من حالة التضخم القائمة، قبل هذا الحدث، بسبب “جائحة كورونا”، وبعدها الحرب الروسية الأوكرانية.
3- الاستهداف والردّ، بين القوى المنخرطة في الصراع، أصبح متنقلاً في عدد من الساحات، اليمن، فلسطين، لبنان، العراق، سورية، إيران، في حالة تعمل فيها القوى العسكرية جنباً إلى جنب مع القوى غير النظامية، من ميليشيات وفصائل، واغتيالات متبادلة، والهجوم بالمسيّرات على القواعد العسكرية، بما فيها الأمريكية، وهو ما يترافق مع فشل سياسي بالدفع نحو عملية التهدئة، التي أصبحت، من حيث المعطى الواقعي الراهن، بلا أية مقوّمات حقيقية.
4- دول المشرق الثلاث، العراق، وسورية، ولبنان، بالإضافة إلى اليمن، وهي من عداد الدول الفاشلة، بالمعايير الدولية الأربعة (عدم احتكار الدولة للعنف، وعدم السيطرة على الحدود، وأزمة في العلاقات الدولية، وعدم القدرة على تقديم الخدمات العمومية)، تشهد حالة تنسيق فصائلية، عابرة للدول، خصوصاً في محور الفصائل المدعومة من إيران، وهي تستعد لفصول مقبلة من الصراعات في المنطقة، عبر ديناميات قائمة على الإمداد والتنسيق العسكري/ الأمني، وتبادل المعلومات والخبرات، والتخطيط لعمليات مشتركة فيما بينها.
الأوضاع في سورية:
1- وطننا السوري، يصبح أكثر كساحة من ساحات المواجهة الإقليمية، خصوصاً بعد استهداف اسرائيل لقادة استخباراتيين بارزين في “فيلق القدس”، التابع ل”الحرس الثوري الإيراني”، في دمشق، مع استمرار قصف إسرائيل لمواقع تابعة لإيران وحلفائها المحليين في عدد من المدن السورية، وقصف إيران لقاعدة أمنية أمريكية في الحسكة.
2- سلطة الأمر الواقع في دمشق، تظهر من دون أي تأثير في المشهد المحتدم إقليمياً، كما تنأى بنفسها إعلامياً عن أي تصريحات حول العمليات والرسائل المتبادلة بين إيران وإسرائيل في الأراضي الواقعة تحت سيطرتها.
3- تستمر وتتزايد عمليات القمع في الساحل السوري لأي شكل من أشكال الحراك المدني، ولو كان في أبسط تعبيراته، وهو ما تعبر عنه حالات الاستدعاء لأفرع الأمن لناشطين وناشطات، وتحويل بعضهم إلى محكمة الإرهاب.
3- في الجزيرة السورية، وعلى مدار أكثر من أسبوع، قصفت القوات التركية عشرات المواقع العسكرية والخدمية، الواقعة تحت سيطرة “قوات قسد”، وطال القصف محطات توليد الطاقة ومعمل الغاز ومحطات المياه، وأخرجها عن العمل، ما أثّر أيضاً على انقطاع مياه الشرب والكهرباء والغاز وكلّ مستلزمات الحياة، ، ومن الواضح، أن هذا القصف، يحدث بضوء أخضر أمريكي، الأمر الذي أشارت إليه تصريحات لقيادات في “مسد”، ما يجعل من منطقة ما يسمى “الإدارة الذاتية” تحت وطأة حالة من الارتباك السياسي والعسكري.
4- حراك السويداء المستمر منذ أشهر، يشكّل حالة نشطة ومضيئة في الحراك السوري، لما يتمتّع به من ديناميات مجتمعية، ذات طابع مدني ديمقراطي، لكنه يعاني من حالة عزلة عن بقية المشهد السوري من جهة، وعرضة لبروز مشاريع محلية من جهة أخرى، يمكن فهمها، من دون القول بتبنيها، على ضوء حالة المراوحة في المكان، كما أن انفتاح السويداء على احتمالات التسلّح، قد يبدو أمراً وارداً، نظراً لحالة الفوضى الداخلية، وعدم التنظيم، ودعم إيران لتجّار المخدرات، ودخول الأردن على الخطّ، وقصف مواقع في المحافظة، طالت مدنيين عزّل.
5- توقّف أعمال اللجنة الدستورية، وغياب الحديث الدولي عن القرارات الأممية، وتراجع مكانة الكيانات التمثيلية المعارضة في التداول السياسي حول سوريا، كل مؤشرات العطالة هذه، وغيرها الكثير، تظهر مدى خروج المسألة السورية، وما تتطلبّه من حلول، من دائرة التداول الإقليمي والدولي.
6- الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للسوريين تزداد سوءاً، حيث بلغت نسبة التضخم حوالي 800%، كما أن التراجع المستمر لقيمة العملة الوطنية لن يتوقف، ومن المحتمل أن يشهد قفزات جديدة، كالتي حدثت في شهر يونيو/ حزيران من العام الماضي.
خلاصة وموقف:
بعد تقييمنا المشترك للأوضاع الدولية والإقليمية والسورية، نجد أنه من الأهمية بمكان، التركيز على عدد من النقاط المتعلّقة بالمسألة الوطنية الديمقراطية السورية، وإبداء الرأي فيها:
1-على الرغم من اللوحة القاتمة دولياً وإقليمياً، بما تتضمنه من صراعات تنذر بتصاعد الأزمات الدولية، وربما زيادة البعد العسكري فيها، إلا أننا نجد أن هذه الأوضاع، بما تنطوي عليه من تناقضات، قد تشكّل فرصة لإعادة موضعة المسألة السورية، بشكل مختلف عما جرى خلال السنوات الماضية.
2- سلطات الأمر الواقع في دمشق، وإدلب، والجزيرة، كلها تعيش في حالة أزمة واستعصاء، وهي تعتاش على حالة التناقض الشكلي فيما بينها، وتتناغم فيما بينها، لديمومة سيطرتها على ما تحوزه من سلطات وموارد.
3- من الضرورة بمكان أن يكون هناك تلاقي وعمل وتشبيك بين القوى الوطنية الديمقراطية، لضرورات استراتيجية، وليس فقط لضرورات آنية وتكتيكية.
4- إن إبقاء الزخم القائم في حراك السويداء، والعمل على تصعيده واقعياً ورمزياً، ليكون أحد روافع المشروع الوطني الديمقراطي، يحتاج إلى انفتاح وتشبيك وعمل بين ما أفرزه الحراك من فعاليات وبين القوى الوطنية الديمقراطية.
5- أكثر من أي وقت مضى، يبدو الحلّ السياسي للمسألة السورية، مرتبطاً بمصير التطوّرات في المحيط الجيوسياسي، خصوصاً في فلسطين.
31-01-2024