رائد جبر
أوساط روسية ترفض فرضية تورط «داعش»… وتوسيع التدابير الأمنية في المدن
سيطر التوتر وحالة الترقب في روسيا بعد 3 أيام على أسوأ هجوم مسلح في روسيا منذ عقود، وترافق انطلاق محاكمة 4 أشخاص وُجهت إليهم اتهامات بتنفيذ الهجوم على أكبر مركز تجاري وترفيهي في البلاد، مع تصاعد الدعوات لإعادة العمل بعقوبة الإعدام ضد المتورطين بقضايا تتعلق بقتل المواطنين، بينما بدأت السلطات باتخاذ تدابير واسعة لفرض إجراءات أمنية مشددة في المناطق التي تشهد تجمعات كبرى. في هذه الأثناء، بدا أن فرضية وقوف تنظيم «داعش» الذي أعلن مسؤوليته عن الهجوم، تلقى اعتراضات واسعة في موسكو، ورأت أوساط سياسية وبرلمانية أن الغرب «يعمل على ترويج هذه الفرضية» للفت الأنظار عن «الخيط الأوكراني».
وقُتل 137 شخصاً على الأقل عندما اقتحم مسلحون بزي مموّه قاعة «كروكوس سيتي»، فأطلقوا النار على الحاضرين قبل أن يضرموا النار في المبنى، في أكثر الهجمات فتكاً بالأرواح في أوروبا، وتبناها تنظيم «داعش».
وأصدرت محكمة روسية قراراً أولياً باعتقال المتهمين الأربعة كلهم الذين يحملون، كما أكدت السلطات، جنسيات أجنبية مدة شهرين، في إجراء أولي يطلق عملياً جلسات المحاكمة التي بنت قرارها على «اعترافات كاملة ومباشرة» قدمها المتهمون خلال الاستجواب.
وجرى توجيه تهمة الإرهاب للشبان الأربعة الذين يحملون جنسيات بلدان في منطقة آسيا الوسطى، وفقاً للمادة 205 من قانون العقوبات الجنائية الروسي الذي ينص على إيقاع عقوبة قد تصل في حالاتها القصوى إلى السجن مدى الحياة.
«دعوات لإعادة عقوبة الإعدام»
لكن هذا المسار بدا أنه يتأثر بتصاعد الدعوات لتطبيق عقوبة الإعدام ضد المتهمين، وهذه المرة الثانية التي يثار فيها هذا الجدال بعدما كان خلال الأسابيع الماضية قد أثير بقوة على خلفية نقاش حول تشديد العقوبة على من يثبت تورطه بجريمة الخيانة العظمى.
وأعرب نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف عن اقتناع بأن «جميع مرتكبي ومنظمي الهجوم الإرهابي في مركز كروكوس يستحقون الموت». وكتب مدفيديف: «يسألني الجميع ما الذي يجب القيام به؟ لقد قُبض على الجناة. التقدير لكل من شارك في القبض عليهم». وزاد: «هل ينبغي أن يُقْتل المجرمون؟ طبعاً يجب أن يُقتلوا. وحتماً سيحدث ذلك. لكن الأهم هو قتل جميع المتورطين والضالعين في الجريمة. يجب قتل الجميع. بمن في ذلك من قام بالتمويل، ودفع المال، وكل من تعاطف، وكل من ساعد. يجب قتلهم جميعاً».
كما دعا رئيس حزب «روسيا العادلة» سيرغي ميرونوف إلى استئناف العمل بعقوبة الإعدام، وقال إن اقتراحات بهذا الشأن قُدمت إلى مجلس «الدوما» (النواب).
تعاون دولي
سياسياً، شدد الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف على أن الحرب على الإرهاب «عملية مستمرة، وتتطلب تعاوناً واسع النطاق بين الأطراف المختلفة». ورفض بيسكوف في حديث مع الصحافيين، الاثنين، وصف «هجوم كروكوس» بالإرهابي بأنه عكس «فشلاً لأجهزة المخابرات». وقال إنه «للأسف، يظهر عالمنا أنه لا توجد مدينة أو دولة يمكن أن تكون محصنة بشكل كامل من تهديدات الإرهاب».
وقلّل من أهمية السجالات الدائرة على مواقع التواصل الاجتماعي حول إخفاق الأجهزة الأمنية في منع وقوع هجوم كبير في موسكو «المدينة الأكثر حماية في روسيا»، مشيراً إلى أن «هناك الآن كثيراً من الأشياء العاطفية والهستيرية والاستفزازية على الإنترنت». وأضاف: «من الواضح أن هذه المأساة الرهيبة تثير كثيراً من المشاعر».
وامتنع بيسكوف عن توضيح موقف الكرملين حيال الفرضيات المطروحة حول الجهات التي تقف وراء تنفيذ الهجوم، وقال إنه «لا توجد حتى اللحظة صيغة نهائية لمسار التحقيق في أسباب وملابسات وقوع هجوم كروكوس الإرهابي في ضواحي موسكو»، وحض على «انتظار المعلومات التي تصدر عن وكالات إنفاذ القانون الرسمية». وأوضح أن الفرضيات المطروحة بما في ذلك احتمال تورط تنظيم «داعش» الإرهابي مطروحة على طاولة جهات التحقيق.
لكن اللافت أنه رغم تلك الإشارات من الناطق الرئاسي، فإن الجزء الأعظم من النخب السياسية الروسية بدا رافضاً فرضية تورط تنظيم «داعش» في الهجوم، وبرزت مقالات عدة على صفحات وسائل الإعلام الحكومية تتحدث عن «مزاعم التنظيم الإرهابي»، وتقلل من أهمية بيان «داعش»، معللة ذلك بأن «الغرب يروج لفرضية تورط (داعش)؛ حتى يبعد الأنظار عن أوكرانيا».
«واشنطن تتستر على كييف»
واكتسب هذا النقاش بعداً رسمياً من خلال تصريحات أطلقتها الناطقة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا التي رأت أن «واشنطن تختلق الأعذار لكييف، وتحاول أن تتستر على نفسها وعلى نظام الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بإلصاق التهمة بـ(داعش)». وقالت زاخاروفا في مقال نُشر في صحيفة «كومسمولسكايا برافدا» الروسية واسعة الانتشار: «لقد أوقع المهندسون السياسيون الأميركيون أنفسهم في ورطة باختلاق القصص حول حقيقة أن هجوم (كروكوس) الإرهابي نفذه تنظيم (داعش) الإرهابي. ومن هنا يأتي (العذر) اليومي الذي تقدمه واشنطن لأتباعها في كييف، ومحاولة للتستر على نفسها، إلى جانب نظام زيلينسكي الذي أنشأوه».
وأشارت زاخاروفا إلى أن «عوامل عدة تشير بشكل مباشر وغير مباشر إلى تورط السلطات الأميركية الحالية في رعاية الإرهاب الأوكراني». كما أكدت أن «التدخل الأميركي في شؤون الشرق الأوسط أدى إلى ظهور وتعزيز كثير من الجماعات المتطرفة والإرهابية المنتشرة في المنطقة حتى الآن».
تعزيز التدابير الأمنية
وفي غضون ذلك، أطلقت موسكو نشاطاً واسعاً لتعزيز التدابير الأمنية في المرافق العامة؛ خشية تكرار وقوع هجمات دموية مماثلة.
وقال مسؤولون في مجلس «الدوما» (النواب) إن المجلس يعمل على تقديم مبادرة لتوفير حماية مسلحة كاملة للمرافق العامة في البلاد، بما في ذلك مراكز التسوق، وأماكن تجمُع المواطنين. وتنص المبادرة التي يجري وضع اللمسات الأخيرة عليها قبل تقديمها بوصفها مشروع قانون على إلزام الشركات الأمنية الخاصة التي تتولى عادة حماية المنشآت العامة والمدنية بناءً على عقود عمل بتوفير حماية مسلحة كاملة للمواقع التي تقوم بحمايتها.
موقف الغرب
ونفّذ تنظيم الدولة «داعش» الذي تحاربه روسيا في سوريا، والذي ينشط أيضاً في القوقاز، هجمات على الأراضي الروسية منذ نهاية عام 2010، لكنه لم يتبنّ أي هجوم بهذا الحجم في البلاد. وقالت أدريان واتسون المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، الأحد، إنّ تنظيم «داعش» «هو المسؤول الوحيد عن هذا الهجوم. أوكرانيا غير ضالعة إطلاقاً». كذلك، شكك وزير المال البريطاني جيريمي هانت في رواية بوتين، قائلاً إنه «ليست لديه ثقة كبيرة» بما قالته الحكومة الروسية.
والأحد، شدّد وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا على أن الرئيس الروسي يعاني من «الكذب المرضي». وقال إن بوتين «يحاول حالياً ربط أوكرانيا أو بلدان غربية بالمجزرة التي وقعت في موسكو، من دون أي دليل (…) هدفه تحفيز الروس على الموت في حربهم الإجرامية والعبثية ضد أوكرانيا». وقبل أيام من الهجوم، وصف الرئيس الروسي التحذيرات الأميركية بشأن هجوم يجري الإعداد له في روسيا بأنها «استفزازية».
المصدر: الشرق الاوسط