مقالات
ذكرى يوم الأرض الفلسطيني الذي يصادف 30 آذار/ مارس من كل عام، يكتسب هذه السنة معاني أخرى إضافية في ملحمة النضال الوطني الفلسطيني، الممتد والمتواصل، في مواجهة الاحتلال الصهيوني وسياساته البغيضة.
فإذا كانت انتفاضة فلسطيني الداخل كما يسمون، أو فلسطيني 1948، في العام 1976 في مواجهة سياسات المصادرة والضم والاقتلاع والتهويد الإسرائيلي، فإن الذي حدث يوم 7 تشرين أول/ أكتوبر بمعنى ما، هو انتفاضة ضد الحصار والتجويع والإذلال والاعتقال وتدنيس المقدسات الدينية، ورفضاً لسياسات التطبيع العربي الآخذة في الزيادة والتوسع مع الكيان الصهيوني، والتنسيق الأمني المستمر من قبل سلطة رام الله مع الاحتلال والعمل بإملاءاته وأوامره.
ولعل ما حدث ويحدث منذ ما بعد عملية طوفان الأقصى وحتى الآن يدعو لأن تتحول كلُّ الأيام، يوماً تلو يوم، لأيام انتفاضة ومواجهة مع التطرف والعنصرية والقتل والإجرام على امتداد الجغرافيا الفلسطينية حتى استرداد كامل حقوقنا.
وإذا كانت العادة قد جرت بإحياء هذا اليوم في مختلف أراضي الشتات بالاحتفالات والمظاهرات والبيانات والأغاني، فإنه آن الأوان لنعطي هذا اليوم أبعاداً أخرى في وعي ووجدان الأجيال الجديدة، ليس من الشعب الفلسطيني وحده، بل من أبناء كافة الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم، بعد أن كشفت الحرب على غزة للعالم كلِّه طبيعة الدولة “الإسرائيلية” وفضحت دورها الوظيفي في المنطقة، إضافة إلى بنيتها وعلاقاتها مع العالم، رغم التضليل الإعلامي والانحياز السياسي المطلق في دول الغرب عموماً.
الأبعاد الأخرى التي نتحدث عنها، هنا، في معاني هذا اليوم الخالد، هي: الإصرار على استرداد حقوقنا كاملة غير منقوصة تحت وهم التسويات المذلة، ورفض التطبيع مطلقاً مع عدو يمارس الإبادة الجماعية، ويرفض منطق السلام وفق قرارات الشرعية الدولية، ولا يُخفي أطماعه التي تجسد منظومة قيم دولية استعمارية، استفزت، واستنهضت كامل قواها لمواجهة تداعيات ما حصل في 7 تشرين أول/ أكتوبر الماضي.
ما بين 30 آذار/ مارس 1976 و30 آذار/ مارس الحالي، هذا العام 2024، فاصلٌ زمنيٌ يقرب من نصف قرن من المواجهات والمعارك، على أكثر من صعيد، وتبدلت فيه الكثيرُ من معطيات الواقع التاريخية والسياسية، كما أدوات النضال وميادين المعارك، والأخطر والأهم هو التحولات في السياسات العربية لجهة التعاطي مع قضية الصراع الوجودي التي تؤكد الأحداث الجارية الآن أن طبيعتها كذلك بالفعل والواقع وليست بدعة أو اصطناعاً منا نحن المؤمنون بأن “ما أُخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة”.
العدوان المستمر على غزة، أو حرب الإبادة الجارية، التي أعادت الوعي الشعبي بقضية فلسطين عالمياً يدعونا -نحن أبناءَ القضية الفلسطينية، بغض النظر عن جنسياتنا التي نحملها- إلى تحرك دولي فعال؛ لاستثمار هذه اللحظات من صحوة الضمير الأممي والبناء عليها سياسياً بما يفيد عدالة قضيتنا وحق أهلها في العيش بأمان وسلام على أرضهم التاريخية من الماء إلى الماء غير منقوصة.
هنا لا بد لنا من القول بواقعية شديدة، ووضوح تام: إن البكاء على عذابات أهل غزة، والقلق على مصيرهم نتيجة الحرب المسعورة الجارية محقة وصحيحة، لكنها لن تفيد شيئاً الآن في ظل العدوان المستمر، وتحميل مسؤولية ما يجري للمقاومة وما فعلته يوم 7 أكتوبر هو قصور في الوعي والإدراك لطبيعة عدونا ومخططاته، ولعل الصمت والحصار العربيين وتجويع أهل غزة يكشف حلقاتِ ما كان مبيتاً ضد غزة وشعبها، وفلسطين وأهلها، ولكنه كان ينتظر اللحظة المواتية.
نحن بالتأكيد نختلف مع حماس وسياساتها خصوصاً لجهة إيران وما يسمى حلف (المقاومة والممانعة)، ولكننا بالتأكيد مع الحق في المقاومة الشاملة المكفولة بالقانون الدولي وكافة الشرائع السماوية والوضعية، ولسنا، في هذه اللحظات التاريخية والمصيرية، من أولئك الذين يتمنون نهاية المقاومة لأسباب أيديولوجية عفنة، أو وأد القضية الفلسطينية راحةً للبال والضمير وتخلياً عن المسؤولية.
أيضاً، نحن لسنا بوارد فتح ملفاتٍ لا فائدة ولا طائل منها، وهذه لا شك لها توقيتها، ومطلوبة، بل وضرورية، لتصحيح مسارات الفعل والعمل ومواصلة النضال في أسطورة الكفاح الوطني الفلسطيني، لكننا لن نكون من أبواق من يتباكون على حقوق الإنسان المستباحة وكأن شعبنا وأهلنا في فلسطين المحتلة كانوا يعيشون في نعيم يحسدون عليه ودولة الكيان أمثولة أممية في احترام حقوق الانسان والقانون الدولي، ولن نكون ممن يظنون أننا باهتمامنا بالقضية الفلسطينية ننسى قضيتنا الوطنية السورية، وبالتالي نتجاوز على واقعنا ومسؤولياتنا، ونقدم خطاباً تعبوياً، غير واقعي قد مضى زمانه.
إننا ندعو، بعد ما يقرب من ستة شهور على حرب الإبادة الصهيونية لتمثل قيم يوم الأرض ذاك، وليس في إطاره الفلسطيني فقط، فما أحوجنا نحن -السوريين- إلى يوم أرضٍ نجدد فيه ثورتنا، ونعيد لها بهاءها ونضارتها بعد أن استلبت بفعل قوى الاحتلال والأمر الواقع التي أجهضت ثورتنا ومازالت تحاول، ومن هنا فإننا مع أي حراك شعبي وطني يُنهي قوى التسلط والهيمنة والاحتلال، سواء في جبل العرب الأشم أو في المناطق “المحررة” في مواجهة من ينفذون أجندات استخبارات إقليمية ودولية، أو في أي مكان آخر على امتداد الجغرافية السورية.
==============
أنا الأرضُ
والأرضُ أنتِ
خديجةُ ! لا تغلقي الباب
لا تدخلي في الغياب
سنطردهم من إناء الزهور وحبل الغسيل
سنطردهم عن حجارة هذا الطريق الطويل
سنطردهم من هواء الجليل.
_
محمود درويش
المصدر: موقع ملتقى العروبيين