جمال الشوفي
تجاوزت السويداء تسعة أشهر في ماراثون مظاهراتها اليومية السلمية، حتى باتت تستحق أن تدخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية كأطول مدة تظاهر يومي سلمي.
وتحديات الاستمرار وجدوى التظاهر السلمي والسؤال المتكرر: ما أثر وفعالية ماراثونية التظاهر السلمي في التغيير السياسي؟ فها هي القمة العربية تكرر دعوتها للنظام السوري للحضور في المنامة بدورتها الـ 33، وكأن شيئاً لم يحدث في سوريا طوال السنوات الماضية من حرب ودمار وتهجير قام به هذا النظام، كما أن مظاهرات السويداء وكأنها غير مرئية عربياً كتعبير جدي عن أحقية هذا الشعب بالتغيير السياسي المفترض واستحقاق عيشه في دولة المواطنة والقانون كما نصت عليها القرارات الدولية ومبادرات الجامعة العربية ذات نفسها!
السباق المختلف
يعيش النظام السوري اليوم سباقاً مختلفاً عن سياقات المرحلة السابقة، سواء مرحلة الحرب المحلية التي خاضها بالتحالف مع روسيا وإيران وميليشياتها الطائفية ضد الشعب السوري، أو مرحلة الصراع السياسي حول كيفية التعامل مع القرارات الدولية، خاصة 2254 وجنيف 1/2012. فمنذ القمة العربية السابقة قبل عام من اليوم، والنظام السوري يحاول العمل على خطوط متوازية تحت عنوان ملاقاة شروط القمة لإعادة تدويل شرعيته عربياً والادعاء بأنه ينفذ القرارات الدولية وشروط الجامعة العربية فهل ينجح؟
ورغم اشتداد الصراعات العسكرية وتعدد محاورها دولياً وإقليمياً، ورغم وجود احتمالات كبيرة لاندلاع حروب جديدة على الساحة السورية ستكون كلفتها البشرية باهظة، والنظام السوري يحاول النأي بنفسه، سواء مجريات الحدث الإسرائيلي في غزة أو جنوبي لبنان أو استمرار استهداف المواقع الإيرانية داخل سوريا.
وتبدو كأنها رسالة أولى يؤشر فيها لإمكانية تخليه عن إيران وترك ميليشياتها تواجه مصيرها دون تدخل منه، ليبقى سؤال الفرقة الرابعة المدعومة إيرانياً وقادة الجيش والأمن الموالية لإيران سؤال يواجه تحديات أمام قدرة قيادة النظام السوري على مواجهته دون حدوث شروخ بينية في بنيته نفسها.
في الجانب الآخر، تعمل سلطة النظام على خطوط متوازية اقتصادية وسياسية وأمنية وإحداث تغييرات في بنيتها الحكومية وتلاعبها بمفهوم تحسين الوضع المعيشي للسوريين. فقد بادرت برفع الأجور مرتين منذ عام، بالمقابل ضاعفت الأسعار مرات، والتي كانت السبب المباشر لاشتعال انتفاضة السويداء واستمرارها لليوم مطالبة بربط التغيير السياسي بأي إصلاح اقتصادي. فسلطة النظام تعمل على تعميق هيمنتها على كل الموارد السورية، وتحرير الأسعار ورفع الدعم المتتالي عن المواد التموينية وسياسات الاستيلاء على مقدرات السوريين المالية والعقارية، ما يثبت فسادها المستشري والذي لا يوقفه رادع.
وأيضاً، ومنذ بدء هذا العام ثمة تغيرات على مستوى قادة أجهزة المخابرات ودمج بعض منها كالأمن العسكري والجوي، والعمل على تجنب المواجهة المباشرة مع المتظاهرين السلميين في محافظة السويداء، وكأن النظام يدعي احترامه التظاهر السلمي كسلطة ديمقراطية! وهنا العجب العجاب، فحملته الأمنية طالت كل متظاهري السويداء بالتشهير وإثارة الفتن الداخلية وتقوية العصابات المحلية التابعة له، وتحويل ملفات المتظاهرين لملفات جنائية، واستمرار التهديدات المتكررة بالتصفيات الفردية للبعض منهم والتلويح بإمكانية حدوث أعمال عنفية تقوم بها خلايا داعش النائمة، بحسب زعمه، في السويداء، والمترافقة مع حملة تعزيزات عسكرية وصلت للسويداء تثير القلق والخوف.
مجريات الواقع تشير إلى أن الأجهزة الأمنية هدفها إنهاء حراك السويداء السلمي بشتى الوسائل دون أن يظهر هذا النظام أنه مارس القمع الأمني والعسكري ضده كما جرى مع باقي الجغرافيا السورية سابقاً. ما يجعله أمام تحدٍ جديد عنوانه هل سيتمكن من تنفيذ مخططاته دون رد من السويداء!
في سياق آخر، وقبيل الدعوة للقمة العربية، ورغم عقد النظام انتخابات لحزب البعث وانتخاب أمانته العامة وقيادته، أصدر مرسوماً يقول فيه بفصل حزب البعث عن أجهزة الدولة والتحضير لانتخابات مجلس الشعب منتصف الشهر القادم، ليذهب لحضور القمة وفي جعبته الكثير من عمليات التحسين والتجميل التي قام بها!
أحقية السلمية
سياق أحقية السلمية في الحل السوري والتغيير السياسي، والمطالبة به من السويداء والسوريين جميعاً، يقف أمام سباقات مع الزمن من نمط آخر:
– سباق المسافات القصيرة على المصالح المحلية بالاستحواذ على مقدرات سوريا.
– سباق تلميع صورة النظام أمام جامعة الدول العربية والنظام العالمي.
– سباق الخروج من الاستعصاء السوري ودوائر الصراعات العنيفة وإمكانية تجددها.
– فيما السباق الأطول والذي يمثل جوهر الصراع السوري، صراع حق السوريين بالحياة الكريمة في جولة تحقق الحرية والكرامة لكل السوريين.
وحيث إن التطبيع مع سلطة النظام القائم وعدم الدخول في المرحلة الانتقالية سيبقي سوريا محطة للنزاعات الدولية والإقليمية المتعددة الجهات، وستبقى سوريا مزرعة لتجارة المخدرات لدول الخليج العربي والعالم، والسويداء ممر لها. كما أن شباب وشابات السويداء سيبقون عرضة للاعتقال والملاحقات الأمنية، وسيبقى الوضع الاقتصادي والحريات والتعليم يزداد كارثة، وسيبقى التغيير الديموغرافي وهجرة السوريين بكل الطرق الشرعية وغير الشرعية عنواناً لكارثة إنسانية كبرى في القرن الواحد والعشرين.
فيما إن الحل الجذري السوري والدخول في مرحلة انتقالية سيحقق الاستقرار والسلام والأمان للسوريين، وسيسهم بشكل فعال بتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة ودول العمق العربي ويمنع بقاء السويداء وسوريا مزرعة لتجارة وتهريب المخدرات وتمدد الميليشيات الطائفية الإيرانية أو المتطرفة في الجهة الأخرى.
اليوم، إن كان أمام جامعة الدول العربية تحديات كبرى في ملفات فلسطين والمنطقة العربية خاصة سوريا، فإن دول العالم المتقدم وقيم حقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة تواجه تحديات كبرى لإثبات قدرتها على أن تكون إرثاً إنسانياً لكل شعوب الأرض عبر المساهمة الفعالة في إحداث التغيير السياسي على أرضية السلم والتظاهر السلمي وإيقاف المقتلة السورية والانتصار للقيم المدنية العصرية ولحق الشعب السوري في السلام والاستقرار.
وتستحق مظاهرات السويداء الماراثونية والتي تجاوزت تسعة أشهر أن تدخل موسوعة غينس للأرقام القياسية، والتي تثبتت بسلميتها ومدنية حراكها الديمقراطي أنها تمثل الوجه الحضاري لأكثر شعوب العالم تحضراً، لم تشهد أية أعمال عنفية أو تخريب من قبل المتظاهرين.
ويمكنها أن تكون عنواناً للحل السياسي في سوريا إذا ما توافرت النوايا العربية، خاصة العمق العربي الخليجي، ودول العالم الراعية للحل السوري، للعمل الجدي على إيقاف المقتلة السورية وإنهاء معضلتها الدولية والعنفية. المقتلة التي راح ضحيتها مليون سوري وهُجر 14 مليوناً منهم، وستبقى مستمرة بأماكن أخرى، فلا يمكن الركون لأي إصلاحات شكلية دعائية يقوم بها النظام فيما هو يجهز ويرتب لما لا تحمد عقباه في آخر معاقل السلمية في سوريا!
يروى أن فيديبيدس في القرن الخامس قبل الميلاد، قد مات حين وصل لأثينا بعد أن جرى مسافة 40 كلم من مدينة ماراثون إلى أثينا ليخبر أهلها أن اليونان انتصروا على الفرس في تلك المعركة. وكلي خشية ألا تصل رسالة السلام والحل السياسي السوري والانتصار لحقوق السوري المظلوم الذي ترفع رايته السويداء اليوم لصانعي القرار العربي والعالمي إلا بعد أن تحدث مجزرة أخرى في سوريا، وتصبح مسابقة التظاهر السلمي مجرد رقم في الكتب ليس إلا وحدثاً عالمياً لاستذكاره وحسب!
المصدر: تلفزيون سوريا