النظام السوري يحشد باتجاه درعا، في وقت يجري فيه الحديث عن تفاهمات جديدة بين إسرائيل والنظام السوري وإيران برعاية روسية، كان آخرها المباحثات الطويلة بين ليبرمان ونظيره الروسي، بحيث يُسمح للنظام السيطرة على المنطقة الجنوبية، مقابل الحفاظ على أمن إسرائيل. وهو الموضوع الأهم بالنسبة للكيان الصهيوني، حيث تجد إسرائيل موافقة على أن يمسك النظام السوري بأمنها، وهو الذي عودها على الإمساك بأمنها منذ اتفاق فض الاشتباك عام 1973 وحتى الآن.
حول هذه المسألة المهمة لمصير الثورة وأبنائها في مهد الثورة حوران، سألنا عن مدى إمكانية حصول اتفاق إسرائيلي إيراني سوري، من أجل الحفاظ على أمن حدود إسرائيل؟ وهل تصمت أميركا عن ذلك أم أنها موافقة عليه؟ وما الخيارات المتاحة أمام المعارضة في درعا والقنيطرة لمنع هذا الخطر؟
العميد إبراهيم الجباوي أكد لجيرون أن ” كل ما سمعناه عبر وسائل الإعلام ما هو إلا بروباغاندا روسية تدعم المكنة الإعلامية للنظام التي تسعى من خلالها إلى تحويل المشهد والنيل من الروح المعنوية وإثارة الفتنةً بين الحاضنة الشعبية والثوار من أجل محاولة قضم الأماكن المحررة بأي شكل من الأشكال، سيما بعد التحذير الأميركي شديد اللهجة للنظام الذي وجهته المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الأميركية، ومن ثم تعاطفت أميركا مع روسيا للحفاظ على اتفاق خفض التصعيد في الجنوب”. وأضاف الجباوي ” نحن نعلم أن اتفاق خفض التصعيد الجنوبي يختلف عن كل اتفاقات خفض التصعيد في المناطق الأخرى، وهو الوحيد الذي رعته أميركا من طرف المعارضة إلى جانب الأردن، ومن الطرف الآخر كانت روسيا وبالتالي أميركا تسعى جاهدة لأن تحترم هذه الرعاية من طرفها، ولا تسمح لا لروسيا ولا لغير روسيا أن تضرب بهذه الرعاية عرض الحائط، ومن ثم قد هاتفت روسيا للحفاظ على هذا الاتفاق، ولا أظن روسيا ستتلاعب في هذا الاتفاق دون رأي أميركا، وبالتالي لن تسمح للنظام ولا بأي شكل من الأشكال لمحاولة الهجوم على الجنوب، والاتفاقية التي تحكم الجنوب وخفض التصعيد في الجنوب، لا يمكن لروسيا أن تمسها، وليس هذا حبًا بالجنوب، ولكن خوفًا من أميركا، وأميركا تضغط بهذا الاتجاه، فإذا ما سمحت روسيا للنظام أن يشن هذا الهجوم فسوف تساعده من الجو، وهذا ما لم ترضاه أميركا، وإن لم تسمح للنظام فلا يجرؤ النظام على شن هجوم لوحده، وإن لم يساعده الطيران بشن هذا الهجوم ، فهو خاسر بكل المقاييس، فروسيا لن تدعمه على الأرض ولا بأي شكل من الأشكال، وبالتالي روسيا والنظام اتجها باتجاه محاولة إجراء مصالحات هنا وهناك من خلال أذناب النظام بين حاضنة الثورة في المناطق المحررة”. لكنه عاد الجباوي ليقول ” بكل الأحوال ومهما كانت هذه التحليلات صائبة أم خاطئة فالجيش الحر في الجنوب على أتم الاستعداد، وله في الغوطة والرستن وداريا ووادي بردى والقصير وحلب وباقي المناطق دروسًا مستفادة، لكي يعرف إلى أين يذهب، وكيف يتصرف، وهو لن يسمح لنفسه بأن يهجر أهله ولا بأي شكل من الأشكال، لقد تعاهد مع الحاضنة الشعبية، وسوف يقاتلون حياتًا أو موتًا، لأن هذه الأرض أرضهم ولن يذهبوا إلى خيام لا وطن، هم في هذه الأرض، هم سيدافعون بكل ما أوتوا من قوة، وهم قادرون على ذلك”. أما بما يخص عن معبر نصيب فقال” نحن لنا مصلحة في فتح معبر نصيب كما للأردن مصلحة كما لروسيا نيابة عن النظام مصلحة في فتح المعبر، ولكن ليس بشروط النظام لو كان بشروط النظام لفتح من سنتين، لكن هناك شروط للثوار يجب أن يوافق عليها الروسي والنظام أيضًا والأردن يتفهم هذه الشروط، وكلنا نقول إن الادارة يجب أن تكون للثوار حيث دفعوا ثمن هذا المعبر دماء غالية ونفيسة، وبالتالي لن يكون هناك موطئ قدم للنظام في معبر نصيب سوى ما تم من اتفاق على إرسال فنيين تحت إ دارة للجيش الحر وفقط”.
أما الباحث السوري نبيل ملحم فقال لجيرون ” إن مدى إمكانية حصول اتفاق إسرائيلي إيراني سوري (ويجب أن نضيف روسي) من أجل الحفاظ على أمن حدود إسرائيل، هي الإمكانية المرجحة التحقق في الأيام القادمة، فهكذا إمكانية تتساوق وتسير في نفس الاتجاه الذي سارت فيه الأحداث منذ سبع سنوات على الأرض السورية، والتي كان عنوانها مقايضة بقاء الأسد في السلطة مقابل انخراط إيران وروسيا ومعهم النظام في المشروع المعد للمنطقة أميركيًا وإسرائيليًا منذ أمد بعيد. فمن بوابة التسخين العسكري الذي يقوم به النظام وحلفاؤه هذه الأيام في الجنوب، ومن بوابة إعلان الرئيس الأميركي ترامب رفضه للاتفاق النووي مع إيران، من هذه البوابات سيبدأ مجددًا الجلوس على البازار السوري بين إيران والنظام وروسيا من جهة وبين أميركا وإسرائيل من جهة ثانية، وحيث سيكون العنوان والموضوع الرئيسي في هذا البازار هو أمن حدود دولة إسرائيل مع سورية، والوجود العسكري الإيراني مع الميليشيات التابعة لها في سورية بشكل عام وفي الجنوب السوري بشكل خاص”. وأضاف ملحم ” لن يُسمَح بوجود عسكري إيراني أو تابع لها على مقربة من إسرائيل على مسافة أقلها بدءً من جنوب مدينة دمشق وصولًا للحدود الأردنية. كما ستفرض مسألة تثبيت روسيا بناءً على الرغبة الأميركية والإسرائيلية كجهة دولية لها وحدها اليد الطولى عسكريًا في حماية النظام الأسدي، فقد يتم إخراج إيران من سورية عسكريًا بمساومة مع الأميركان والإسرائيليين بعد تحقيق الإيرانيين لكل الشروط الأميركية حول الاتفاق النووي الذي سيتم تعديله أو تغييره، وقد يتم وفق هذه المساومة استبدال الوجود العسكري الإيراني في سورية بوجود مدني إيراني يحل مكان السوريين الذين هُجِّروا من بيوتهم”. ثم عاد مؤكدًا ” لا أتصور أن الفصائل العسكرية في الجنوب لها أي كلمة أو دور بالاتفاق الذي سيحصل حيث ستكون المملكة الأردنية هي الجهة التي ستفاوض باسمهم وهي الجهة التي ستغطي أي اتفاق باسم الجنوب السوري، فجميع الفصائل العسكرية فاقدة لحقها في تقرير مصيرها ومصير الجنوب السوري، كونها لا تستطيع عصيان أوامر الدول الداعمة لها عسكريًا وماليًا.”
المعارض السوري أسامة المسالمة قال لجيرون ” لا شك أن جغرافية درعا والقنيطرة صغيره من حيث المساحة لكن التوازنات الدولية والإقليمية كلها حاضرة الآن وتتقاطع وتتنافر في تلك البقعة الصغيرة والحساسة، وألاحظ أن كل الدول مازالت تضع مفهوم أمن إسرائيل في صلب أمنها القومي وخاصة أميركا وروسيا، والملاحظ مازالت التوافقات الإيرانية والإسرائيلية مع النظام السوري قابلة للتوافق والتحقيق، وكذلك الأردن تبحث عن توازنات دولية تحقق لها مصالحها الاقتصادية من جهة، وخوفها من وصول داعش أو إيران إلى حدودها ، ويبقى حجر الزاوية في تلك التناقضات هو الداخل العسكر ي والخارج السياسي فالداخل العسكري لم يستطع التوحد الحقيقي بسبب ارتهان البعض للتمويل الخارجي أو الأيدولوجيات الضيقة ومشاريعها، وضعف من يدعون التمثيل السياسي للجنوب خاصة ، وسورية عامة، في إنجاز مؤسسات المجتمع المدني الخدمي في الداخل واستمرار العسكرة المجتمعية الأيدلوجية الحزبية والمناطقية، والتي أضعفت الجيش الحر، كمنظومة تعبر عن وعي وارتباط بالمجتمع المدني”. ثم أشار المسالمة إلى أن” كل تلك المفاعيل مازالت تعمل وتؤثر بالجنوب، ويبقى قرار الداخل ووحدته ووضوح الرؤيا لديه مهم جدًا كي لا تتجاوزه المشاريع الدولية والإقليمية، فإن لم يملكوا مشروعًا سيكونون جزء من مشاريع الآخرين”.
أما المحامي والكاتب السوري ثامر الجهماني فقال ” لم تمض أسابيع قليلة على آخر مشاهد لركام البيوت المدمرة فوق رؤوس أصحابها في مخيم اليرموك، حتى تم استدعاء بشار الأسد من قبل روسيا المحتلة، وتم نقله بطائرة اليوشن الروسية، المخصصة لشحن البضائع. جاء هذا الاستدعاء بعد زيارة سريعة قام بها وزير خارجية الكيان الصهيوني بنيامين نتانياهو إلى روسيا. حيث تتوالى الأخبار المتداولة عن عقد مجموعة من الاجتماعات المكوكية ليس أولها الاجتماع الثلاثي الذي انعقد في عمان بين أميركا وروسيا والأردن للوصول الى تفاهمات حول المنطقة الجنوبية لسورية، ووجود الميليشيات الايرانية وغيرها. ولن يكون آخرها زيارة وزير دفاع الكيان الصهيوني. ترافق كل ذلك بتصريحات لافروف وزير الخارجية الروسي عن ضرورة مغادرة إيران للأراضي السورية. من كل ما تقدم يظهر للعيان استبعاد حصول اتفاق علني بين اسرائيل وإيران والنظام السوري، خصوصًا بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي. لكن ومن خلال القراءة الدقيقة للمشهد لا بد من الإقرار بوجود مصالح أمنية للكيان الصهيوني بتأمين حدودها الشمالية الشرقية مع سورية، وذات الشيء ينطبق على الأردن، مما يشي بوجود مساع حثيثة لوجود تفاهمات عسكرية وأمنية لتأمين المنطقة، وأكاد أجزم بأن سيناريو تسليم المنطقة للنظام السوري ليس له أولوية باعتبار ذلك يفاقم المشكلة الاقتصادية الأردنية بوجود أكثر من مليون لاجئ سوري سيرفضون العودة إلى سورية في ظل سيطرة النظام السوري على درعا والقنيطرة، مما يدفع سيناريو فرض السيطرة بقوات مشتركة بقيادة روسية. وإلا فالفرضية التي تدفع بنفسها إلى الواجهة وبقوة هو الخيار العسكري الذي يهدد به النظام السوري الجنوب المحرر”. وعن إمكانية المواجهة أكد ” هذه المواجهة العسكرية التي تقرع طبولها المناشير الورقية التي ترميها طائرات النظام فوق درعا والقنيطرة. تقابلها مناشير يرميها عناصر الجيش الحر في سماء المربع الأمني في مناطق سيطرة النظام في درعا. يطول الكلام كثيرة إذا ما أردنا الحديث عن كل الاحتمالات، أو الاستعدادات التي يجري التحضير لها إلا أنني أستطيع أن أؤكد وأنا على دراية بأهلنا الصامدين في حوران والقنيطرة، وعلى معرفة باستعداد أبطال الجيش الحر، أن أي قرار سيتخذ من قبل الروس والنظام السوري بفتح أي عمل عسكري في درعا والقنيطرة، لن يكون بمقدورهم اتخاذ قرار بالانسحاب أو التوقف فالقرار سيكون للجيش الحر في درعا والقنيطرة. حوران والقنيطرة لن تكون لقمة سائغة، وستبقى الشوكة التي تقض مضاجع القتلة. ففي اجتماع لي مع بعض قادة الفصائل في درعا اليوم، أكدوا لي بأنهم ليسوا دعاة حرب لكنهم لا يهابونها…وأنها حرية أو شهادة”.