يدخل الحراكُ الشعبي المستمر والمتصاعد، في أكثر من منطقة من المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد المجرم، مرحلةً حرجة ومقلقة مع حملة الاعتقالات ضد الناشطين المدنيين ورموز الحراك، خصوصاً في محافظة إدلب التي تسيطر عليها جبهة النصرة المحدثة تحت مسمى (هيئة تحرير الشام) وزعيمها -أبو محمد الجولاني-.
بالطبع هناك حراك آخر مستمر، واحتجاجات ومطالبات لم تتوقف، في مناطق سيطرة المعارضة ممثلة بالائتلاف والحكومة المؤقتة وذراعها العسكري (الجيش الوطني السوري).
يطرح الحراك الحالي، ومساراته المحتملة في المرحلة المقبلة، عشرات الأسئلة المتعلقة به، وبأسبابه، ومآلاته في ظل تطورات عديدة وكبيرة تطال المنطقة كلَّها، أهمُّها إعادة تأهيل نظام الطغيان الكوني في دمشق والتعامل معه إيجابياً، إقليمياً ودولياً.
لا شك أن هناك أسباباً عميقة وجذرية تقف وراء المطالب الشعبية المحقة؛ تتعلق بالحريات العامة والكرامة الإنسانية والفساد المستشري ونمط الحياة المفروض، وهي مطالب وُوجهت دوماً بالرفض والقمع تحت حجج واهية أهمُّها الفوضى، بما يعني أحد خيارين، بحسب زعم قوى الأمر الواقع، إما الاستبداد أو الفوضى، وهي ذات مقولاتِ النظام ومنطقه الذي ثار عليه شعبُنا في 2011 بعد أن ضاق ذرعاً بتلك السياسات ولم يعد قادرًا على تحملها.
كلُّ المؤشرات الحالية تؤكد أن الحراك الحالي تجاوز صفة الهبة اللحظية على قرار خاطئ، أو جزئية محددة في سياسات القوى الغاشمة، وأنه لا رجعة فيه دون تحقيق كامل مطالب المحتجين، فالإصلاحات الجزئية والوعود لم تقنعهم أو تخمد حراكهم؛ لأن المناطق الخارجة عن سيطرة نظام دمشق في محافظة إدلب ومناطق ريف محافظة حلب، والخاضعة لقوى الأمر الواقع تضم الملايين من السوريين، ومن مناطق مختلفة، دفعوا أثماناً باهظة لأجل حريتهم وعيشهم بكرامة تليق بهم، وليس من السهل تطويعُهم وتركيعُهم وإذلالُهم، أو خداعهم بكلام وجمل براقة، تجعلهم إلى ما شاء الله على حالهم السيِّئ، الذي يزداد سوءاً، ونعتقد جازمين أن المحتجين وعموم السوريين لا يبتغون الفوضى وزعزعة الأمن والاستقرار، لانتزاع مطالبهم المحقة، والمشروعة، التي نقف إلى جانبها وندعمها بكل ما نستطيع.
بالطبع، كما قال وفعل النظام قبل سنوات تنتهج قوى الأمر الواقع ذات السياسات في كم الأفواه واعتقال المحتجين، واتهامهم بالارتباط بدول خارجية وأجهزة استخبارات لزعزعة الاستقرار وإثارة الاضطراب وفقدان الأمن، ومن جهتنا نعتقد أن أصل البلاء والمشكلة، ومعاناة السوريين تكمن في طبيعة القوى المتسلطة والمتحكمة بمفاصل الحياة هناك، فهي من جهة تستمد شرعيتها من الخارج الإقليمي، ومن ارتباطها بأجندات غير وطنية، ومن جهة أخرى فقدانُها القدرة والمؤهلات لتكون نموذجاً للحكم الصالح والرشيد الذي يعبر عن السوريين ومطامحهم في الحرية والعدالة والمساواة، وبحكم بنيتها الشمولية التسلطية التي لا تقبل الآخر مطلقاً.
والسؤال الآن وهو الأخطر: هل يمكن لهذه القوى أن تستمر في سياساتها القائمة؟ وهل ستبقى القسمة على حالها بين حكومة الإنقاذ والحكومة المؤقتة؟ بين الجيش الوطني وهيئة تحرير الشام، في ظل احتمالية تبدل المواقف لدى الجار الإقليمي الداعم لهؤلاء، والذي يوفر لهم الغطاء الأمني والسياسي…؟!
إن فشل هؤلاء في تقديم نموذج وطني صالح يحقق الحد الأدنى من المطالب الشعبية لعموم السوريين، يسهل، ويعطي المبرر للقوى الإقليمية والدولية، لرؤية الصراع القائم بشكل مختلف، والتعامل معه في تسويات قادمة الغلبة فيها للنظام، وللمشاريع العديدة التي تجعل من سورية دولة فاشلة مقسمة، ضعيفة، فاقدة للإرادة، وهي بالأصل لعبت على إبقاء الصيغة الحالية، لا غالب ولا مغلوب.
الزمن لا يسير في مصلحة السوريين إطلاقاً، وفرصُ الإنقاذ تقلُّ وتضعف، وهو ما يدعونا مرة أخرى للدعوة لتشكيل رافعة وطنية حقيقية تعبر عن كافة السوريين باعتبارهم مجتمعاً واحداً، بأطياف مختلفة ومتنوعة، تغنيه ولا تضعفه، تقويه ولا تهزمه، وليس باعتباره مناطق جغرافية متجاورة تمثل كلُّ منطقة فيه كينونة خاصة لها ذاتها على أسس قانونية وسياسية.
لسنا ضد أي اتفاق، أو تفاهم، بين السوريين، وعلى أي أساس وطني أتى أو استند، لكن بظننا أن ما تجترحه بعض نخبنا الوطنية من حلول، ونحن نحسن الظنَّ بهم، وما يقدمونه من رؤى على أساس مناطقي، إنما تشتت أذهان السوريين وتجعلهم قلقين ومضطربين، أما السؤال الخطير، أو الأسئلة الخطيرة، من نحن؟ وما معنى “سوريتنا”؟ وماهي هوية مجتمعنا الذي نريد؟ وكيف نبني دولتنا التي نطمح ونريد؟؟!!
الحراك الشعبي في أكثر من منطقة سورية، من الجنوب إلى الشمال، دخل مرحلة اللا عودة؛ الأمر الذي يفرض علينا جميعاً إعادة ترتيب أوراقنا لمواجهة حالنا المذري والمستعصي في ظل تراجع الاهتمام الدولي أمام عديد القضايا الساخنة، أو الملتهبة، في أوكرانيا وغزة وغيرهما، ولا أدل على ذلك من نتائج مؤتمر بروكسل الثامن، حول مستقبل سورية، الذي عقد قبل أيام، الذي خفض دعمه -قروضاً وهباتٍ- من 9.6 مليار يورو في العام 2023 إلى 7.5 مليار هذا العام تشمل كلَّ سورية، بما فيها مناطق النظام ومناطق سيطرة (قسد) ودعم دول الجوار المستضيفة للاجئين، رغم زيادة الحاجة للدعم في ظل التردي الكبير في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، دون اجتراح حلول عملية جديدة، أو إيجاد آليات لتطبيق القرارات الدولية، خاصة القرار 2254، الذي كرر مطالبته بتطبيقه كصيغة وديباجة مكررة، أصبحت لازمة في كل ما يتعلق بالقضية السورية، في مختلف المحافل الدولية والاقليمية.
سورية في خطر!! سورية تنادينا جميعاً.!!
المصدر: موقع ملتقى العروبيين