في أقراص فيديو، مثلثة الأبعاد، تسوِّق لمشروع «ماروتا سيتي» العقاري السوري (ماروتا هي «الأمة» في السريانية) يظن المشاهد وهو يرى الأبراج المضاءة والشاهقة، والحدائق الدائرية، والساحات الصغيرة التي تترقرق فيها المياه، أن مصدر هذه الصور هو دبي، وليس دمشق، على مسافة كيلومترات قليلة من مسرح عمليات عسكرية في مخيم اليرموك الفلسطيني القريب. وتبلغ مساحة المشروع 2.15 مليون متر مربع، إلى الغرب من دمشق، وهو واجهة «سورية الجديدة» التي يحلم بشار الأسد بتشييدها. وسبق أن وضع الرئيس السوري الحجر الأساس في آذار (مارس) 2016. ويرمي المشروع إلى بناء 12 ألف وحدة سكن، إلى المدارس والمطاعم ومرافق العبادة والمراكز التجارية وخط ترام (تراموي). وتنهض المباني على أنقاض حي بساتين الرازي الشعبي. والحي من مسارح تظاهرات 2011 المناهضة النظام. ومنذ صدور المرسوم رقم 66 في 2012، صادرت الحكومة أملاك السكان تدريجاً. فالمرسوم يجيز لمحافظة دمشق «تنظيم» مناطق سكنية بنيت من غير إجازة ولا تصريح في بعض ضواحي دمشق، وإقامة مشروعات عقارية «حديثة» محلها. وكلمة «تنظيم» مجازية، ومعناها العملي والفعلي هو إباحة هدم آلاف المباني بذريعة التجديد المدني. وبساتين الرازي وكفرسوسة، بجواره، مختبران محليان لخطط الإعمار المزمعة. وفي مرحلة ثانية يتوقع أن تبدأ في الأسابيع القليلة المقبلة، يطاول المرسوم رقم 66 دائرة أوسع 4 أضعاف من الدائرة الحالية، تبلغ 10 في المئة من المساحة الإجمالية، وتشمل عدداً من النواحي التي استعيدت من المعارضة إلى الجنوب من دمشق، من داريا إلى حي القدم. واسم القطاع «بازيليا» (ومعناها الجنة في السريانية). وفي 2 نيسان (أبريل) من العام الحالي، خطا بشار الأسد خطوة أخرى في الاتجاه «العقاري». فأصدر في ذروة الهجوم على دوما، القانون رقم 10، بعد أن اقترع عليه مجلس الشعب السوري في منتصف آذار (مارس). وتولى القانون تعديل المرسوم 66 وتوسيعه إلى كل المناطق السورية التي شيد فيها الأهالي منازل غير مجازة. ويوكل القانون السلطات المحلية (البلديات والمحافظات…) بتحديد مناطق التحديث المدني، واستملاك أراضي البناء الخاصة التي ترتأي استملاكها، بواسطة قرارات إجرائية. وفي مستطاع المالكين الذين استملكت أملاكهم إبراز الوثائق التي تثبت حقوقهم في الملكية في مهلة 30 يوماً. وإذا انقضت المهلة حق للسلطة المحلية بيع الأملاك في مزاد علني. ويُوْقع النص 5 ملايين لاجئ سوري في معضلة كأداء. فهو يخوِّل أقارب اللاجئين المقيمين خارج سورية توكيل أقاربهم (أبناء عمومتهم وخؤولتهم إلى الدرجة الرابعة) تعقب المعاملات المطلوبة، ولكن قلة قليلة قد تتوسل بهذا الإجراء خشية القمع. «لن يتجرأ أحد على الذهاب إلى القنصليات في الخارج، فالغالبية ملاحقون. والشروع في إجراء المعاملة يعرض للخطر أقرباءنا في سورية، ويخضعهم لمراقبة أمنية متعسفة»، يقول أرواد، وهو ناشط سابق لجأ إلى السويد، ويملك أهله آلاف الأمتار المربعة من الأرض في ريف دمشق ومحافظة دمشق. وبعض المناطق السورية مستحيل بلوغه، بصك ملكية أو من دونه. وهي حال الأراضي الحدودية القريبة من لبنان، والتي جعلها «حزب الله»، الميليشيات الشيعية حليفة الأسد، قواعد عسكرية، شأن القصير. «فالمدينة أخليت من كل سكانها منذ 4 سنوات، ويعمل فيها شيعة من الهرمل القريبة. وقبل شهرين أرادت إحدى جاراتنا تفقد منزلها هناك، فأوقفها حاجز لحزب الله خارج المدينة، وقالوا لها أن عليها نسيان القصير، وألا تعاود الكرة في المستقبل»، يروي محمد الضهوري، أحد سكان المدينة السابقين، وصحافي سابق راسل قناة «أورينت نيوز»، ويقيم بزغرب في كرواتيا. وينص القانون الجديد على أن من في مستطاعه إثبات حقه في عقاره يحق له تملك عقار في إطار خطط الإعمار المقبلة أو تملك أسهم في الشركة العقارية. ولكن أعداداً من السوريين أضاعوا صكوكهم وأوراقهم في هربهم من مساكنهم. وتقدر دراسة أجرتها المفوضية العليا للاجئين في الأمم المتحدة، في 2017، أن 9 في المئة من اللاجئين السوريين احتفظوا بصكوك ملكية. ومعظمهم لم يملك يوماً صكاً. والإحصاءات الرسمية السورية تدل على أن 40 في المئة من أعمال البناء، في 2004، حصلت من غير ترخيص. وانتشرت الأحياء العشوائية منذ أعوام 1970 مع النزوح من الأرياف، وتعاظمت ظاهرتها في أعوام 1990. ولم تعالج الدولة المشكلة يومذاك. «عمد حزب البعث إلى إضفاء المشروعية على السكن العشوائي وغير المرخص لقاء ولاء السكان، إن عجز عن توزيع المساكن والوظائف الإدارية على هؤلاء. وهو لم يتصدَّ في يوم من الأيام لمعالجة المسألة»، يشرح فابريس بالانش، الباحث في «واشنطن إنستيتيوت فور نير إيست بوليسي». ويصح الرأي هذا أول ما صح في العاصمة السورية، منذ تسلم بشار الأسد في العام 2000 السلطة. فهو «ترك تنظيم الضواحي المدني إلى تطوير خطط عقارية كبيرة في قلب دمشق، سعياً في اجتذاب مستثمري الخليج». فكان أن انتشرت العشوائيات، قبل النزاع، وغطت نصف مساحة المدينة ومحافظتها. وألغى نحو نصف سكان الغوطة الشرقية، بضاحية دمشق، أنفسهم من غير صك ملكية رسمي. وجمعوا، على مدار الأعوام فواتير ماء وكهرباء، في انتظار إقرارهم، قانونياً، على تملكهم. والأرجح ألا تقر الدولة بقيمة هذه القسائم القانونية. وغياب الهيئات العامة عن القطاعات العشوائية مهد الطريق إلى بلورة حركات معارضة. فكان أهل هذه القطاعات سباقين إلى القيام على النظام في ربيع 2011. «القانون رقم 10 قرينة على إرادة إنزال العقاب في هؤلاء السكان، وعرقلة حقهم في العودة»، يرى جوزيف ضاهر، مدير بحوث في جامعة لوفان. ولا تشك المعارضة السورية في أن القانون الجديد مرادف لـ «تطهير عرقي»، ويرمي إلى طرد السكان السنّة من البلد وإسكان أقليات مذهبية وأجانب (إيرانيين وأفغان) محل أهل البلد. وكان السنّة قبل الحرب نحو 70 في المئة من جملة سكان سورية، نظير 20 في المئة من الأقليات (علويين ومسيحيين ودروز وإسماعيليين…)، و10 إلى 15 في المئة من الكرد. «الخوف من تغيير موازين السكان حقيقي، فمعظم المهجرين والنازحين من السكان السنّة المفقّرين. ولكن القانون الجديد يرمي إلى تغيير التركيب الاجتماعي في مراكز المدن الكبيرة وضواحيها، وإلى إحلال طبقات ميسورة ونخب سنية مساندة للنظام محل الطبقات الشعبية، يلاحظ جوزيف ضاهر. ويقترح فابريس بالانش، الاختصاصي في الجغرافيا، تعليلاً سكانياً لسياسة النظام: «لا يرغب النظام في عودة شطر كبير من اللاجئين. ففي 2011، بلغ عدد السكان 21 مليوناً، سن نصفهم تحت العشرين. وهذا العدد أرهق موارد سورية التي لا تزيد مساحتها القابلة للسكن والإقامة على 60 ألف كلم مربع، أي ثلث مساحتها». وفي 1980، كانت مرتبة سورية على سلم الولادات العالمية، الثالثة، بعد اليمن ورواندا. وعلى رغم تقلص ولادات المرأة الواحدة، في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، إلى 4 ولادات، قصَّر سوق العمل عن استيعاب جيل المولودين في أعوام 1980 (وتقضي سياسة النظام بالتخلص من هذا الجيل، وهو «جيل الثورة» في الوقت نفسه). ويتيح القانون للنظام نقل أصول إلى شركات خاصة ورجال أعمال مؤيدين له، على وجه السرعة وبحسب منطق تراكم رأسمالي. وهؤلاء «يستفيدون من أسواق لا ينافسهم أحد عليها، ومن غير تسديد ضرائب تقريباً، ويستثمرون في القطاع العقاري، وهو أكثر القطاعات عوائد وأسرعها»، يرى جوزيف ضاهر. ومنذ 2015، سنّت تشريعات تناسب هذه المعايير. فالمرسوم رقم 19 أجاز للبلدات والمدن إنشاء شركاتها القابضة، والاشتراك مع القطاع الخاص في إدارتها، وفي إدارة فروعها، وتطوير خطط عقارية على أراضيها. و «ماروتا سيتي» من هذه الخطط. وحال إجلاء السكان، يُجرى استدراج عروض عن يد الشركة القابضة «دماسكوس شام»، المسجلة في 2016 بمحافظة دمشق. وأبرمت الشركة إلى اليوم 6 عقود مع مجموعات رجال أعمال تربطهم بالنظام روابط قوية. وأولهم سامر فوز، وهو وسيط نافذ في سوق الحبوب، ويقال أنه قريب من طهران. وبعض آخر، من أمثال أنس طلاس ومازن طرزي، أثرى في بلدان الخليج. «كلهم سنّة، وهذا دليل على تعمد النظام انتهاج سياسات موازية، وإرساء قاعدة مؤيدين كثيرة المشارب والمصالح». وعلى بساط البحث المفاوضة في حمص، عاصمة الثورة»، خطط إعمار في 3 أحياء دمرت، هي بابا عمرو والسلطانية وجوبر. وكانت البلدية أقرت في 2015، تصميماً إعمارياً، وأنشأت في 2017، شركة قابضة تتولى بناء 465 مجمعاً، يسعها إسكان 75 ألف شخص، على تقدير طلال البرازي، محافظ حمص. ويبعث التصميم خطة تعود إلى 2007، وافترضت هدم بعض أجزاء وسط المدينة، وتشييد «حمص دريم» محلها. ورفض السكان يومها الخطة، ولا يتوقع اليوم ألا تقوم في وجهها أضعف معارضة. ويريد بشار الأسد الإيحاء، من طريق هذه الخطط وبينما الحرب مستعرة، بأنه يمهد للمستقبل، ويعالج مشكلات سورية من هذا المنظور. وهو يتوجه بهذا الإيحاء إلى الغرب، حيث يستميل احتمال عقود كبيرة شركات تتردد اليوم في التعامل مع الديكتاتور السوري، وقد تطوي ترددها بعد وقت.
حسين عبد العزيز أن تقرّر هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري وحدهما إسقاط النظام السوري، فهذا خارج منطق العقل والواقعين...
Read more