مقدمة
تؤثّر الهجرة، بوصفها واحدة من أهم القضايا المدرجة على جدول الأعمال العالمي اليوم، في كل جانب من جوانب الحياة في بلدان العالم كافة؛ فالحروب والنزاعات والاقتتالات الأهلية والمجازر والاحتلالات وحالات النزوح المرتبطة بالاضطرابات السياسية تلفظ الناس في لحظةٍ ما إلى ما وراء الحدود، على شكل جماعات كبيرة تنشد النجاة والسلامة.
ولا شك في أن عمليات النزوح الجماعي المفاجئة تخلّف سلسلة من الآثار الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية متعددة الأبعاد، في بلدان المصدر التي تنشأ منها الهجرة، وفي بلدان العبور التي تعدّ محطات في الطريق إلى بقعة جغرافية أخرى، وفي بلدان المقصد.
بدأت تركيا بداية موفقة مع الهجرة الجماعية للاجئين التي بدأت عام 2011، إذ فتحت أبوابها للأشخاص الذين قدموا إلى الحدود مع عائلاتهم، في مرحلة مأساوية من التاريخ، وعدّت ذلك واجبًا أو مسؤولية أخلاقية وقانونية على حد سواء، وسلكت الطريق السليم من أجل اجتياز المرحلة الأولى بطريقة صحيحة، أخلاقيًا وقانونيًا، لكي يتمكن هؤلاء الناس من مواصلة حياتهم في بيئةٍ من الطمأنينة والأمان والاستقرار.
غير أن هذه الخطوة الصحيحة لا يمكن أن تستمر بسياسة هجرة صحيحة وشاملة مع مرور السنين؛ إذ باتت السياسات (التي ساهمت في زيادة صعوبة حياة اللاجئين، ولا سيما خلال الانتخابات) أكثر وضوحًا، ابتداء من تلك المرحلة، وفي السنوات التالية، وبصورة أكثر تحديدًا من عام 2015 فصاعدًا، عندما بدأ التخلي عن “سياسة الباب المفتوح”، ثم الدخول في مرحلة ستظهر آثارها السلبية في اللاجئين، من حيث حقوق الإنسان والعدالة والقانون أكثر فأكثر، وخصوصًا مع تأثير الدعاية المعادية للاجئين والتضليل الإعلامي في داخل البلاد.
وفي بيئةٍ مثل هذه، أصبحت وظيفة القضاء أكثر أهمية بالنسبة إلى الأفراد والمنظمات التي تجتهد في التوعية في ما يتعلق باللاجئين والدفاع عن حقوقهم. وبات القضاء في تركيا سلطة تتمتع بأهمية كبرى لجهة صون الحقوق وحمايتها في بيئةٍ انخفض فيها أوكسجين الجو الاجتماعي والسياسي الخاص باللاجئين؛ فلم تكتف المحكمة الدستورية (AYM) بالقرارات التي أصدرتها للحيلولة دون حدوث بعض الانتهاكات الفردية الجسيمة فحسب، بل رسمت في الوقت ذاته المسار القانوني الذي يتعين على الإدارة أن تتبعه في هذه المرحلة. خصوصًا في المرحلة الممتدة من عام 2015 إلى عام 2024، التي اكتسبت أهمية خاصة مع البدء بتحول النظرة إلى اللاجئين إلى نظرة سلبية.
إن تناول مفهوم اللاجئ في هذه الدراسة لا يقتصر على معنى الوضع القانوني فحسب، ولكنه يشمل المعنى الواسع الذي يتضمن التعريف الاجتماعي للمفهوم، وعندما تقتضي الضرورة الإشارة إلى اختلاف محدد، ستراجع مفاهيم أخرى، كالمهاجر أو طالب اللجوء أو الشخص الخاضع للحماية المؤقتة أو اللاجئ المشروط أيضًا.
تعالج هذه الدراسة مسألة حقوق طالبي اللجوء، في إطار العلاقة المتوترة بين الدينامية السلبية التي برزت من تحليل الوضع الاجتماعي السياسي في تركيا منذ عام 2013، التي تطرح مشكلة حقوق الإنسان، والدينامية الإيجابية التي تجسدت في القرارات القائمة على الحقوق الصادرة من المحكمة الدستورية.
إن تحليل بعض من الأحكام الكثيرة التي أصدرتها المحكمة في هذه المرحلة مع التركيز عليها يمكن أن يوفر فهمًا لحماية حقوق اللاجئين، من خلال مظلة القضاء الأعلى، ومستوى هذه الحماية والاتجاه الذي تتغير فيه، في مناخ اتضح عبر مثلث القانون والسياسة والمجتمع. وفي هذا السياق، نأمل أن تسهم هذه الدراسة في تعزيز جهد التوعية والتضامن، في ما يتعلق بالفئات الأكثر ضعفًا وهشاشة على وجه الأرض.
يمكنكم قراءة المادة كاملة من خلال الضغط على علامة التحميل أدناه:
المصدر: مركز حرمون للدراسات المعاصرة