مصطفى ابراهيم
الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة والذي أكدت فيه أن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية يتناقض مع القانون الدولي وعلى إسرائيل إنهاء الاحتلال في أقرب وقت.
القرار ليس ملزماً، لكنه يأتي في هذا التوقيت بالتحديد واستمرار اسرائيل بارتكاب جرائمها والإبادة الجماعية في غزة وهي أكثر إلحاحاً وفظاعة بكثير.
على عدم شرعية الاحتلال وتعريفه والمشروع الاستيطاني الاستعماري العنصري، وعدم شرعيته برمته، وان ممارسات اسرائيل وسلوكها الاجرامي وانتهاكات للقانون الدولي، و إنه إدانة شاملة، لاسرائيل بصفتها دولة إجرامية.
يدعي عدد من الحقوقيين الاسرائيليين والناشطين اليساريين، أن هذا الرأي الإستشاري للمحكمة قد يشكل أهم إدانة صدرت بحق إسرائيل على الإطلاق.
وإن محاولة التقليل من قيمة هذا الحكم هي مهمة محكوم عليها بالفشل، وتقارن اللحظة الحالية بوضع نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا.
وفي الواقع قد يأثر القرار بشكل تدريجي، وفي القريب سيكون لدى الجميع شعور بأنه لم يتغير شيء في الأساس. ولكن هذا سيكون شعورا مضللا.
وسيتم الشعور بتأثير الرأي من خلال المستشارين والفاعلين في تنفيذ القانون الدولي في مختلف الدول.
وهذا ما ينتظر اسرائيل في الأشهر المقبلة وحالات كثيرة ستعيد فيها مختلف الدول النظر في طبيعة علاقاتها مع إسرائيل، العلاقات التجارية والعسكرية والاقتصادية والدبلوماسية.
لكن على العكس من ذلك ومن الجانب الإسرائيلي الرسمي وغير الرسمي، هو التطرف وحالة الإنكار الإسرائيلية وتكرار السخافة وتوجيه الاتهامات، واتهام العالم كله بأنه “معادي للسامية”.
إن التأكيد على أن لإسرائيل الحق في حرمان الفلسطينيين من حرياتهم وحقوقهم الأساسية والاستبداد، وهي تواصل التأكيد على تفوقها الأخلاقي.
وهذا ما اظهرته الردود من الاحزاب الاسرائيلية المختلفة وهذا ما يؤكده القرار الذي أقره الكنيست الأسبوع الماضي بأغلبية كبيرة ومعارضته لإقامة دولة فلسطينية.
هذا هو الواقع في اسرائيل ومشاريع الضم وتوسيع المشروع الاستيطاني الاستعماري، وكذلك الموافقة على البؤر الاستيطانية.
إسرائيل لم تتوقف عن ارتكاب الجرائم وتقتل الفلسطينيين بشكل منتظم منذ عقود في القدس والضفة الغربية وغزة، فإن الطبيعة المنهجية للهيمنة الإسرائيلية والقمع هي التي نظرت فيها المحكمة. الرأي الإستشاري ليس حكما، هو وصف للواقع.
باختصار ما زالت اسرائيل تمارس عملية الانكار وانها قوة احتلال وهي أصل كل الشرور ضد الفلسطينيين.
لقد تشكلت اسرائيل منذ قيامها كقوة احتلال وهي صورة إسرائيل الحقيقية، التي شرعت القوانين وفرضت الأحكام العرفية على الفلسطينيين في عام 1948. بعد أن نفذت جرائمها بالقتل والمحو والتهجير القسري للفلسطينيين.
ولم تكتفي اسرائيل بذلك لقد توسعت بشكل كبير من خلال احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، وعلى افتراض أنه مؤقت أدى إلى إنشاء حكم عسكري للقمع وفرض ادوات السيطرة والسطو على الأراضي الفلسطينية وموارد الفلسطينين وبناء المستوطنات وطرق الفصل العنصري التي تم بناؤها، ونشر اعداد كبيرة من الجنود لمراقبة الاحتلال وفرض السيادة والفوقية اليهودية والعدوان المستمر صدّ الفلسطينيين كضحايا.
كالعادة رحبت منطمة التحرير الفلسطينية والفصائل بقرار المحكمة، وان هذا القرار يُشكّل تطوراً مهماً في مواقف المنظمات الدولية؛ حيث يُعد من النادر أن تصدر منظمة دولية قراراً بهذا الشمول والدقة في توصيف انتهاكات وجرائم الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة. حول التبعات القانونية للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ورحبت السلطة الفلسطينية بهذا الرأي. ووصف الرئيس محمود عباس القرار بأنه “انتصار للعدالة” ودعا المجتمع الدولي إلى “إلزام إسرائيل كقوة احتلال بإنهاء الاحتلال والانسحاب من الأراضي دون أي شروط”.
والسؤال هل أدرك عباس، بعد هذه السنوات، أنه لا جدوى من مخاطبة المجتمع الاسرائيلي والحكومة الاسرائيلية واكثر من نصف الوزراء فيها يتهمون السلطة انها “داعمة للإرهاب” ويسعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للقضاء على السلطة الفلسطينية.
رغم أهمية هذا القرار، يبقى السؤال الجوهري هو مدى إمكانية فرض هذه القرارات على الاحتلال في ظل عدم التزام الاحتلال بقرارات المحكمة وعدم الالتزام لتنفيذ اي من القرارات السابقة المتراكمة منذ عقود وتدين الاحتلال بارتكاب جرائم حرب، وانتهاك القوانين الدولية، دون أن تُترجم إلى خطوات تنفيذية.
يعتبر قرار محكمة العدل الدولية قراراً هاماً ويجب المراكمة عليه فلسطيناً وعربياً ودوليًا، وهو ما لا يمكن أن يكون دون انهاء الانقسام الفلسطيني وبناء استراتيجية وطنية فلسطينية وتوفير الامكانات لاحداث تغيير حقيقي.
وترجمة هذا التغيير والدعم الدولي الكبير الذي تستعيد فيه القضية الفلسطينية مكانتها العالمية وتجعل إسرائيل منبوذة في العالم في ظل استمرار جرائمها في غزة والضفة من حرب الإبادة وسياسات الضم والسيطرة في الأراضي الفلسطينية.
يجب على المجتمع الدولي اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان إنهاء إسرائيل للاحتلال غير القانوني، على المجتمع الدولي تفكيك نظام الأبارتهايد الوحشي ضد الفلسطينيين.
وهذا ضمن اجراءات سريعة من السلطة وعلى كل سفير من السفراء الفلسطينين المنتشرين في انحاء العالم القيام بحملة ترويجية للفرار، وتسليمه شخصيا لوزراء الخارجية الاوربيين وغيرهم، وعقد مؤتمرات صحافية حول قرار محكمة العدل الدولية لتحويله إلى إجراءات ملزمة ضد الاحتلال.
وحث المحكمة تبني توصيات، والعمل على اتخاذ تدابير جادة لوضع حد للوجود غير الشرعي للاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة، رغم القناعة أن الإدارة الأمريكية ستُشكّل عقبة حقيقية أمام إصدار مثل هذه القرارات.
الاحتلال لن ينتهي من خلال المحاكم والآليات القانونية، بل سينتهي عندما تدفع إسرائيل الثمن، وفرض عقوبات ضدها ومقاطعتها وتشعر بانها منبوذة بشكل حقيقي، وان استمرار الصراع سببه إفلات اسرائيل من العقاب، ومحاسبة المجرمين والمعتدين على القانون الدولي والانساني.
فإسرائيل ما زالت تتصرف بعنجهية ووحشية كبيرة ضد الفلسطينيين دون اي اعتبار للتغيير الدولي والعالمي الذي يدين إسرائيل ويعترف بالحق الفلسطيني وحقه في الحربة وتقرير المصير وعودة اللاجئين.
قرار المحكمة لن يغير من عدالة القضية الفلسطينية وحقه في مقاومة الاحتلال وتحوز على اكبر شرعية ودعم دولي شعبي كببر، قد يساهم في انهاء الاحتلال ونظام الفصل العنصري.
تجربة الشعب الفلسطيني مريرة
وتعرضه للخذلان وللتواطؤ المستمر من قبل المؤسسات الدولية، خاصة مع استمرار حرب الابادة منذ حوالي عشرة أشهر.
ما يحتاجه الفلسطينيون تحويل هذا القرار وعشرات القرارات السابقة الصادرة عن الامم المتحدة إلى قرارات قابلة للتنفيذ الفوري. وسؤال الفلسطينيين الدائم ما فائدة وقيمة هذه القرارات إذا لم تُفرض على الاحتلال وتنفيذها؟ خاصةً وأنه لم يتم تنفيذ أيٍ من القرارات السابقة الصادرة عن الامم المتحدة بوقف حرب الابادة ضد قطاع غزة وعدم التزام الاحتلال بكل قرارات محكمة العدل الدولية السابقة، بما فيها القرار الإستشاري بشأن جدار الفصل العنصري.
من دون ذلك، سيبقى الرأي الاستشاري مجرد قرار ودليل اضافي. على أن اسرائيل فوق القانون وان ازدواجية المعايير وان الشرعة والشرعية الدولية والعدالة والقانون الدولي والقانون الدولي الانساني هي مجرد مصطلحات.
المصدر: وكالة معًا الاخبارية