أمير مخول
مرت إسرائيل يوم الاثنين 29 يوليو في ساعات وصفت بانها الاقسى في تاريخ صراعاتها الداخلية، وبانها المقدمة الطبيعية للحرب الاهلية. تبدأ الاحداث بارتكاب جنود متطرفون من حراس سجن سديه تيمان اعتداء جنسيا خطيرا على أحد معتقلي قطاع غزة، ينقل الى المستشفى، يفتضح الامر، تتدخل الشرطة العسكرية لاعتقال الفاعلين المشتبه في ارتكابهم أعمال اللواط مع المعتقلين وتحويلهم الى المحكمة في احدى القواعد العسكرية. مع انتشار الخبر، يقتحم ملثمون من بلطجية تيارات صهيونية متطرفة القاعدة العسكرية لإطلاق سراح الجنود المشتبه بتورطهم في الجريمة ، يستدعي الجيش ثلاث فرق عسكرية لتعزيز القاعدة ولفرض النظام وتطبيق القانون، ويعلن أن الاقتحام حادث خطير يمس بأمن الدولة.
قال الجيش، إن المناقشات التي أجراها بشأن الاستعدادات للحرب في الشمال توقفت مساء (الاثنين) بعد اقتحام المدنيين وجنود الاحتياط لمعسكر بيت ليد حيث مقرات المحكمة العسكرية، وتم تحويل القوات المتمركزة في الضفة الغربية إلى مكان الحادث وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي سيتصرف بطريقة تجعل من يواجه المواطنين المحتجين هم ضباط شرطة وليس جنودًا. كما طلب وزير الامن غالنت من نتنياهو التحقيق فيما اذا كان الوزير بن غفير بذاته هو من اصدر الاوامر للشرطة بالامتناع عن منع الاقتحام وحماية الجنود.
ردود الأفعال تراوحت بين وصف الحادث بانه شبيه باقتحام بلطجية ترامب لمبنى الكابيتول، وبين ظاهرة التحريض ضد الجيش وقت الحرب وضد حكم القانون “هو تقويض صريح لأسس “الدمقراطية الاسرائيلية” ومقدمة للحرب الاهلية والفوضى الداخلية” ، وان المسافة باتت قصيرة حتى تتمكن شرطة الوزير بن غفير من إعلان حالة الطوارئ واعتقال كبار المسؤولين في الجيش والحكومة، وتنصيب الحاخام تاو ملكًا للديكتاتورية الجديدة.
التحليل:
ثمة مؤشرات قوية على تحوّل اسرائيل وبتسارع من دولة مرتكزة على المنظومات القوية ضمن الفصل والتكامل بين السلطات، الى دولة ميليشيات دموية متضاربة. ليشكل الاقتحام في معتقل سديه تيمان وفي المحكمة العسكرية في بيت-ليد حدثا مفصليا يشير الى انفلات هذه الميليشيات وانطلاقها دونما اي رادع، مستهدفة الفلسطينيين اينما كانوا.
- هذه المليشيات كانت في بداية تبلورها في ايار 2021 وخلال هبّة الكرامة، وحصريا في المدن الساحلية المختلطة داخل الخط الاخضر، وهي التي قامت بالاعتداءات الدموية على الوجود العربي الفلسطيني في هذه المدن سعيا للتطهير العرقي.
- نمط عمل هذه المليشيات هو انها لا تعمل الا بحماية الشرطة وحرس الحدود او الجيش هكذا كان في العام 2021 وشاهدناه اليوم في اقتحام معسكر الاعتقال سديه تيمان وللمحكمة العسكرية في بيت ليد.
- يسعى الجيش والمؤسسة الرسمية الى اعتماد اجراء التحقيق مع جنود متهمين بشبهة الاعتداءات الجنسية على الاسرى من غزة اضافة الى التعذيب حتى الموت، وذلك في اجراء احترازي كما رشح اعلاميا للحؤول دون اصدار مذكرات اعتقال من محكمة الجنايات الدولية ضد الضباط المتورطين، ودون ان يتم اعتماد ذلك في ابحاث محكمة العدل الدولية بصدد اعمال الابادة.
- مقتحمو سديه تيمان هم ذاتهم مقتحمو شاحنات الاغاثة الاردنية المتوجهة الى غزة قبل بضعة أشهر واتلاف محتوياتها الغذائية والطبية.
- فرض وزير الامن القومي بن غفير سلطته شبه المطلقة على الشرطة ومصلحة السجون وقام بتطويع المنظومتين لخدمة عقيدته العنصرية الدموية ، وفرض وزير المالية سموتريتش وهو الوزير في وزارة الامن وصاحب الصلاحيات الاوسع في كل ما يتعلق بالضفة الغربية والاستيطان والضم والتطهير العرقي، وبعد ان سيطر على الادارة المدنية الاحتلالية ونقلها الى مقرات مجلس المستوطنات وبذلك فرض تغييرا في بنية الجيش باعتباره الحاكم للضفة الغربية وباعتباره الضفة ليست تحت الاحتلال.
- يحصل حاليا اطلاق حملة متناسقة بين سموتريتش وبن غفير وبرضى نتنياهو لتقويض اركان الجيش، سعيا لتغيير طابعه وهويته باتجاه عقيدة الصهيونية الدينية والاذعان لمرجعياتها الدينية الاستيطانية الدموية. الصراع الاسرائيلي بين المنظومات والمستوى السياسي بات خارج السيطرة والضبط.
- استراتيجياً، تفكك المنظومات قد يشكل الخطر على اسرائيل وتماسكها الداخلي وعلى العقد الاجتماعي الصهيوني وكل عقيدة “بوتقة الصهر”، ليكون في نظر العديد من الاسرائيليين “اكثر خطرا من كل الجبهات الخارجية”.
- وكي لا تكون اوهام بصدد مفهوم تفكك منظومات الدولة فإنه لا يؤدي الى تفكك الدولة داخليا، بل تتحول الى دولة ميليشيات دموية كل شيء فيها مستباح، وحصريا الوجود الفلسطيني في كل المناطق التي تسيطر عليها اسرائيل.
- البيانات الصادرة عن قائد اركان ووزير الامن وعن نتنياهو وعن رئيس المعارضة لبيد، هي تصريحات هدفها تجميل الواقع الرهيب للممارسات الاسرائيلية في المعتقلات وحصريا في معسكر الاعتقال سديه تيمان، والتظاهر بأن المشكلة هي في الاقتحام فحسب وليس في انتهاكات حقوق الاسرى حتى القتل والاعتداءات الجنسية وبتر الاطراف والتجويع والموت.
الخلاصة:
– الفلسطينيون في معسكر الاعتقال سديه تيمان او السجون الاخرى، كما في غزة والضفة والقدس وفلسطينيو48 مواطني اسرائيل، هم مجموعة فلسطينية في خطر محدق، ودعوة السلطة الفلسطينية وكل مؤسسات الشعب الفلسطيني الى إعادة قراءة المخاطر وبلورة اليات حماية ذاتية ودولية.
– من الجدير المطالبة بلجنة تقصي حقائق دولية تجمع الشهادات من أسرى سديه تيمان ومعظم السجون الاسرائيلية. ليس هذا وحسب وانما المطالبة بشكل فعال بحماية دولية تشمل كل الشعب الفلسطيني.
– التوجه الى المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية والى محكمة العدل الدولية والى لجنة التحقيق الاممية الدائمة التي أعلن عنها في ايار 2021 للقيام كلٌّ بدورها في هذا الصدد، واعتماد رواية الضحايا لا الاحتلال.
– ما يحدث في اسرائيل ليس تفكك الدولة وإنما تحولها الى دولة ميليشيات تشكل خطرا على مجمل الوجود الفلسطيني، تصبح فيها الميليشيات العنصرية المسلحة هي القانون تجاه الفلسطينيين.
المصدر: مركز تقدم للسياسات