كاميليا انتخابي فرد
النظام الإيراني نظام عقائدي وطائفي ولا يخاطر ببقائه من خلال خوض حرب ضد إسرائيل أو أميركا.
كان إسماعيل هنية من المسؤولين الذين ترصدتهم إسرائيل طوال الأعوام الماضية وكانت تخطط لاصطياده، لكن لم تكُن لديه حياة سرية، بل كان يعيش في قطر تحت رعايتها، وكان توجه إلى تركيا قبل أشهر عدة وكذلك إلى إيران. لكن اختيار إسرائيل لتوقيت ومكان قتله له دلالات خاصة، فهذه العمليات تسببت في إحراج إيران بعد ساعات من مراسم أداء اليمين للرئيس الجديد وفضحت الشرخ والخلل الأمني الكبير في النظام.
بدت مراسم أداء اليمين لمسعود بزشكيان الثلاثاء مناسبة لتكريم حركة “حماس” و”المقاومة” وإحياء لالتزامات إيران تجاه القضية الفلسطينية أكثر منها مراسم للاحتفال بعلاقة الشعب والحكومة وشرح التزامات الرئيس للشعب الإيراني. وبعد أقل من 10 ساعات على انتهاء المراسم، قتل رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” إسماعيل هنية في قلب عاصمة النظام وأكثر المناطق الأمنية حراسة في طهران. وبعد يوم من انتهاء تلك المراسم، يمكن القول إن النظام الإيراني أقام مراسم لتوديع إسماعيل هنية وليس لأداء اليمين للرئيس الجديد مسعود بزشكيان.
قتل إسماعيل هنية وحارسه الساعة الثانية فجراً في مجموعة سعد آباد بطهران في هجوم لم يكشف عن تفاصيله الحقيقية بعد.
خلال مراسم أداء اليمين، تطرق جميع المتحدثين ومن بينهم رئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف والرئيس الجديد مسعود بزشكيان إلى الدعم المطلق لـ”حماس” و”محور المقاومة” وميثاق فلسطين وحوّلوا المراسم التي ضمت مئات الضيوف الأجانب إلى برنامج دعائي لـ”حماس” و”جبهة المقاومة”. وكانت الشعارات التي أطلقها نواب البرلمان بصورة مدروسة ومن بينها “الموت لإسرائيل” و”الموت لأميركا” في مجلس الشورى كمناورة دعائية من أجل شرح مبادئ النظام للمشاركين في مراسم أداء اليمين وكذلك المشاهدين في أنحاء العالم.
وكان إسماعيل هنية من المسؤولين الذين ترصدتهم إسرائيل طوال الأعوام الماضية وكانت تخطط لاصطياده، لكن لم تكُن لديه حياة سرية، بل كان يعيش في قطر تحت رعايتها، وكان توجه إلى تركيا قبل أشهر عدة وكذلك إلى إيران. لكن اختيار إسرائيل لتوقيت ومكان قتله له دلالات خاصة، فهذه العمليات تسببت في إحراج إيران بعد ساعات من مراسم أداء اليمين للرئيس الجديد وفضحت الشرخ والخلل الأمني الكبير في النظام.
لم تعلن إسرائيل تبنيها للعملية كي لا تدفع إيران إلى انتهاج خيار العمل بالمثل، لكن من يُقدم غير إسرائيل على مثل هذا العمل الدقيق الذي أدى إلى مقتل إسماعيل هنية وحارسه فقط، طبقاً لما ورد في بيان الحرس الثوري الإيراني؟ ما يمكن فهمه من المعلومات القليلة التي تناولتها وكالات أنباء النظام أن الهجوم لم يستهدف أيّاً من الإيرانيين، لذلك يمكن القول إن الهجوم استهدف مكان استراحة إسماعيل هنية الذي قتل وحارسه الشخصي الذي كان يقيم معه.
هذا الهجوم يكشف عن مدى الإشراف الأمني الدقيق والحازم لتل أبيب في التعامل مع التهديدات المعلنة وغير المعلنة التي تستهدف هذا البلد، وكذلك وجود مخبرين داخل النظام الإيراني، إذ إنهم قدموا مثل هذه المعلومات الثمينة لإسرائيل. لهذا الاغتيال رسالة أخرى أيضاً، وهي الاستهزاء باستراتيجية الحوار والتفاوض التي نادت إليها حكومة مسعود بزشكيان وتناولها خامنئي خلال المصادقة على قرار انتخابه رئيساً للبلاد.
لكن البلد الذي ينادي إلى الحوار وبحث سبل الخروج من الأزمات الدولية ورفع العقوبات الدولية عبر التفاوض، كيف يمكن أن يتباهى بقيادة الميليشيات والمجموعات النيابية في المنطقة.
كيف يمكن أن يتجاهل مطالب 70 مليون إيراني، على أقل تقدير، بالتمتع بحياة هادئة وآمنة وكريمة والنشاط الفاعل في الساحة الدولية ويربط مصير الشعب الإيراني بمصير مجموعات ليست لها أية علاقة بالشعب الإيراني ومطالبه السلمية؟. لكن ماذا سيفعل هذا النظام في التعامل مع أكبر تحدٍّ سياسي وأمني في اليوم الأول لبدء عمل الحكومة الجديدة؟.
أظن أن إسماعيل هنية وجميع المجموعات التي يطلق عليها “محور المقاومة” هي أدوات لاستدامة عمر النظام الإيراني.
الحكومة التي ليس لها رصيد شعبي وأدار أكثر من 60 في المئة من الناخبين ظهورهم خلال الانتخابات السابقة إلى صناديق الاقتراع، ليست لها أية صلة بمبادئ الشعب وفي نظرهم هذا النظام ليست له شرعية.
النظام الإيراني نظام عقائدي وطائفي ولا يختبر بقاءه في المخاطرة بالحرب مع إسرائيل وأميركا. قبل ذلك قتل قاسم سليماني أكبر مسؤول عسكري في النظام وقائد “قوات القدس” في بغداد، وكان التهديد الإيراني بـ”الانتقام الصعب” اقتصر على الهجوم على قاعدة عين الأسد في العراق.
وكان دونالد ترمب أكد في أحد خطاباته أن الإيرانيين كانوا أبلغوا الإدارة الأميركية قبل وقوع الهجوم بنيتهم بدء العملية، وإسماعيل هنية ليس أهم من قاسم سليماني ولا يخاطر النظام ببقائه بسبب اغتياله في العاصمة.
الهجوم الإيراني الأخير على إسرائيل وقع في ظروف مشابهة، إذ نفذ الحرس الثوري عمليته بعد استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق ومقتل الجنرال محمد رضا زاهدي وعدد من قادة الحرس الثوري بعد فترة كافية حتى يتم رصد الصواريخ الإيرانية قبل دخولها أجواء إسرائيل.
وعلى رغم أن إسرائيل استهدفت قاعدة عسكرية في أصفهان، لكن لم تنشر تفاصيل دقيقة عن الهجوم. والفلسطينيون وقضيتهم يشكلان ذريعة للنظام الإيراني من أجل إيجاد درع يحميه.
أتت حرب غزة خلال الأشهر التسعة الماضية لتضيف إلى مصائب هذا الشعب الذي كان يعاني بالأساس وقد يدعي هذا النظام حمايته، في حين أنه لا يرحم الأطفال والنساء في الشوارع وأطلق الرصاص صوب صدور أبناء هذا الوطن وسالت دماؤهم في الشوارع.
وفي إسرائيل هناك حكومة متطرفة تريد استمرار حرب غزة مهما كلف الثمن ولا يهمها مقتل 40 ألف فلسطيني وجرح الآلاف وتشريد مليونين من سكان غزة. ورافق تطرف بنيامين نتنياهو عدم ثبات الوضع الصحي لبايدن والجمود في صنع القرار السياسي في الولايات المتحدة الأميركية، مما مهد إلى إيجاد أجواء من شأنها إشعال نار الحرب في الشرق الأوسط.
يبدو أن نتنياهو حاول خلال العام الماضي التمهيد لمواجهة بين إيران وأميركا ورأى أن الأجواء الحالية في إدارة بايدن مناسبة للوصول إلى هدفه. أما أنصار “حماس”، فتمسكوا بحبل إيران المهترئ ونزلوا إلى بئر عميقة، فهم لا يمكنهم تغيير أي شيء في المناطق المحيطة بهم على رغم مقتل إسماعيل هنية في طهران وفؤاد شكر في لبنان.
العلاقة بين الشعب والحكومة لها قيمة خاصة تكمن في التزام الحكومة بالمسؤولية في الحفاظ على أرواح وأموال الشعب، فالحكومة التي تصل إلى الحكم عبر الرصيد الشعبي تولي اهتماماً بالغاً بالحفاظ على حقوق المواطنين، لذلك تمنح مثل هذه الحكومات حقوقاً أكثر من اتباع البلدان الأخرى. تحول لبنان وسوريا والعراق واليمن والمناطق الفلسطينية إلى بلدان يستغلها النظام الإيراني بسبب الخلافات القائمة داخلها وبسبب الفقر المتفشي فيها من أجل التحكم بمصيرها.
وهذه الحكومة قسمت الشعب الإيراني إلى جزءين، الأول تنتمي إليه مجموعة مناصرة للنظام ويعتبرها النظام من الخواص وهناك عشرات ملايين المواطنين لا يملكون أيّاً من الحقوق الطبيعية للمواطنة والاحترام والمساواة مقارنة بمنتسبي النظام. لذلك لا يصل التفاوض مع هذا النظام إلى أي نتيجة لأن أهدافه ليست تقديم خدمات للشعب وإيجاد الرفاه في المجتمع والخروج من العزلة الحالية. أما الأزمات والحروب في مناطق مثل غزة فتساعد على استمرار النظام.
لقد طوي ملف إسماعيل هنية في طهران و”انتقامهم الصعب” سيقتصر على هجمات محدودة ومدروسة، أو سيطلب النظام من الميليشيات العميلة له تنفيذ هجمات ضد إسرائيل ليدفع مواطنو بلد آخر ثمناً للحفاظ على النظام، مثلما دفع إسماعيل هنية أمام أعينهم ثمن الشعارات الخاوية التي أطلقها نواب البرلمان خلال مراسم أداء اليمين للرئيس الجديد.
المصدر: اندبندنت عربية