عاموس هرئيل
منذ الأربعاء الماضي وإسرائيل في حالة استعداد متزايد لامتصاص الضربة. انتقل جهاز الأمن وعلى رأسه سلاح الجو، إلى أقصى حالة استعداد دفاعية، إزاء تهديدات إيران ووكلائها بالانتقام قريباً وبشكل مؤلم على الاغتيالات الأخيرة. إسرائيل والولايات المتحدة تنسقان النشاطات بينهما لصد هجوم محتمل، وحتى إن الأمريكيين أعلنوا عن نقل حاملة طائرات أخرى إلى الشرق الأوسط، “لنكولن”، التي ستنضم إلى “روزفلت” الموجودة في خليج عُمان. إضافة إلى ذلك، ينشرون في المنطقة منظومات دفاع جوي وسفنا وطائرات قتالية. من المرجح أن هناك تنسيقاً يتم مع دول عربية صديقة في المنطقة.
في غضون ذلك، طلبت الولايات المتحدة ودول غربية من مواطنيها الخروج من لبنان. رفضت إيران وحزب الله جهودا دبلوماسية من دول غربية تدعو لتهدئة النفوس وتخفيف الردود. إيران تتهم إسرائيل باغتيال قائد حماس إسماعيل هنية، وترى في العملية على أراضيها تجاوزاً للخطوط الحمراء. في حين أن حزب الله يشك في أن الدبلوماسيين الذين نقلوا الرسائل قبل عملية اغتيال إسرائيلية لرئيس أركان الحزب فؤاد شكر، ضللوهم بشكل متعمد عندما أشاروا إلى أن الهجوم لن يكون في بيروت.
اقتبست “وول ستريت” جورنال أمس، مصادر عربية قالت إنه تم نقل رسائل من إسرائيل إلى إيران، التي بحسبها إسرائيل مستعدة لحرب شاملة، إذا جاء رد إيران في تل أبيب أو مدن أخرى في الجبهة الداخلية قاسياً جداً. في هجوم إيران السابق على إسرائيل في نيسان، عنيت إيران بتوضيح موعد إطلاق الصواريخ والمسيرات، واستعدت إسرائيل والولايات المتحدة لاعتراضها جيداً. لكن إيران تفضل الصمت اللاسلكي هذه المرة.
الانقلاب يرفع رأسه
ما نشاهده حتى الآن هو حوار معين بين الحكومة والجمهور الإسرائيلي. الحكومة تعتبر نفسها معفية من تقديم أي توضيحات للمواطنين على ما هو متوقع أو حول القرارات والأحداث التي أدت بنا إلى نقطة متوترة جداً في المواجهة، التي قد تتطور إلى حرب إقليمية. يبدو أن وسائل الإعلام تعودت على ذلك. لا يظهر رئيس الحكومة، نتنياهو، أمام العدسات إلا وقت التفاخر بإنجازات عسكرية، وحتى عندها يتملص من إعطاء أي إجابات على الأسئلة.
إضافة إلى ذلك، على شفا تصعيد خطير جداً وفي الوقت الذي يخلو من أي تقدم في المفاوضات على صفقة التبادل مع حماس، ينشغل نتنياهو في التشاور والاستعداد والتسريب قبل عزل وزير الدفاع غالنت من منصبه واستبداله بجدعون ساعر. المقربون منه يرمزون إلى أنه لن يكتفي بذلك؛ فهو يحلم بقطع ممنهج لرؤوس في القيادة العليا، الذي يشمل أيضاً عزل رئيس الأركان هرتسي هليفي، ورئيس “الشاباك” رونين بار. عندها سيلقي عليهم مسؤولية الإخفاقات في 7 أكتوبر، التي يرفض تحمل أي مسؤولية عنها.
حساب تويتر “أخبار قبل سنة” يوثق الآن أحداث آب 2023. كل يوم يمكن إيجاد أمثلة على تجاهل نتنياهو المطلق لأي تحذير حول الكارثة الأمنية المتوقعة إذا صمم على تقسيم المجتمع الإسرائيلي حول خطواته التشريعية.
يبدو أن نتنياهو في حالة نشوة، وكأنه على قناعة بأن الأحداث الأخيرة، بدءاً بالاغتيالات وحتى تصفيق الكونغرس له في واشنطن، تثبت بأنه محق طوال الطريق. خطواته السياسية تزداد تطرفاً وفقاً لذلك. تستمر الحملة ضد رؤساء جهاز الأمن بكامل القوة، لكنها توجه أيضاً لأهداف أخرى. الهدف الرئيسي هو ضعضعة شرعية حركات الاحتجاج وعلى رأسها “أخوة في السلاح”. المحاولة المركزة لتهديد رؤساء جهاز الأمن والأعضاء فيه لم تكن صدفة. فهناك خطوات تحضيرية قبل إمكانية إزاحة القيادة العليا الأمنية. الهدف هو إبعاد كل من يحاول إزعاج وتكرار ليلة غالنت التي كانت في آذار العام الماضي. إذا تم تنفيذ هذه الخطوة في الوقت الذي تنطلق فيه المدافع، وشرطة بن غفير ساعدت في قمع الاحتجاج، فمن المحتمل أن ينجح. في الخلفية، يطل الانقلاب النظامي برأسه القبيح مرة أخرى. ويكفي أن نتابع تصريحات ياريف لفين الأخيرة.
في الوقت الذي يناوش فيه نتنياهو ولفين مع جهاز الأمن وجهاز القضاء، ثمة منظومة نشطة من المساعدين والأتباع في وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية تتجند لتبرير كل خطيئة. على المخطوفين الذين يتعفنون في أسر حماس الانتظار مرة أخرى. إن سفر وفد المفاوضين إلى القاهرة أمس لإجراء المحادثات مع رؤساء المخابرات المصرية، يبدو رفعاً للعتب من قبل نتنياهو، لا سيما على خلفية الاستعداد لهجوم إيران المضاد.
سلوك رئيس الحكومة يتميز بالتناقضات الكثيرة. في محادثة هاتفية مع الرئيس الأمريكي بايدن، طلب مساعدة أمريكية أخرى، رغم أنه -حسب ادعاءات الإدارة الأمريكية- لم يتم إبلاغهم مسبقاً عن العمليات الإسرائيلية، رغم أن بايدن عاد ووبخه بشكل مؤثر بسبب تأخير صفقة المخطوفين. في نهاية الأسبوع، نشر عن تصادم شديد بين رئيس الحكومة ورؤساء جهاز الأمن عندما رفض توصيتهم بالمضي نحو المفاوضات. ولكن هؤلاء القادة الكبار لا يخرجون علناً ضد نتنياهو، باستثناء تصريحات صغيرة للوزير غالنت. الجمهور في غالبيته لا يبالي. البحث عن رؤساء أحزاب المعارضة مستمر. وإلى حين استيقاظهم من سباتهم، سيكون الوقت متأخراً جداً.
بعد هياج زعران اليمين في الأسبوع الماضي واقتحامهم معسكرين للجيش الإسرائيلي، عني رئيس الحكومة بالمقارنة بينهم وبين الاحتجاج ضد الحكومة (الذي يتظاهر المشاركون فيه أيضاً من أجل إطلاق سراح المخطوفين)، بذريعة أن الأمر يتعلق بمظاهر عنف متشابهة، رغم أنه لا تشابه بين الفعلين. احتجزت الشرطة أمس نشطاء احتجاج تجرأوا على المشاركة في نزهة لحديقة عامة قرب منزل رئيس لجنة الخارجية والأمن، يولي أدلشتاين. بصورة ما، لم يتم اعتقال أحد من المشاركين في أعمال الشغب بقواعد الجيش الإسرائيلي، رغم أن بعضهم معروفون. كانت الشرطة في السابق ضحية الانقلاب النظامي؛ ومصير الأجهزة الأخرى يتعلق بقوة معارضة الجمهور لخطوات نتنياهو القادمة.
المصدر: هآرتس /القدس العربي