العيد في دمشق ما أحواله هذه الأيام؟ كيف يعيش الناس في دمشق؟ وكيف هي الأسعار؟ وهل من توفر للسلع؟ وماذا عن شح الدخل لدى الناس وضعف القوة الشرائية لليرة السورية؟ وهل من مظاهر بهجة عيد في أسواق العاصمة الجميلة والشارع الدمشقي؟ حيث يعيش الناس شظف العيش وارتفاع الأسعار مع انخفاض القيمة الشرائية لليرة السورية بشكل كبير، ناهيك عن معاناة آثار الدمار والحرب، والاعتقال السياسي التي طالت كل الأسر السورية وليس الدمشقية فقط. جيرون أرادت أن تلقي نظرة على دمشق الفيحاء في عيد الفطر، لترى مع بعض الدمشقيين كيف تعيش دمشق العاصمة، في ظل القمع الأسدي والاحتلالين الفارسي والروسي.
الكاتب الدمشقي مروان غازي ينظر إلى أن ” العيد في دمشق هذا العام مختلف من حيث الشكل والمضمون، فمن حيث الشكل الأسواق يوجد فيها حركة مشاة، بعدما شعر الناس بالأمان نتيجة خروج مقاتلي الفصائل من أطراف المدينة وتنفس الناس الصعداء بأنهم لن تأتيهم قذائف من هنا أو هناك، بدعوى أنها غير معروفة المصدر ولا معروفة الاتجاه فهي تكاد تكون عشوائية، أما من حيث المضمون فالعين بصيرة واليد قصيرة، وتنحصر المشتريات فقط لدى طبقة الأغنياء، الذين لم يتأثروا بكل الأحداث حتى إن بعضهم زاد غنىً، وآخرون زادوا فقرًا فهؤلاء الناس يغزون الأسواق والمطاعم، ولم يبتعدوا عنها لحظة، وطوال السنوات السبع الماضية” ويتحدث عن الناس الغلابة فيقول ” بالمقابل الغالبية من سكان دمشق يبحثون عن حاجاتهم في أسواق البالة، والأسباب بالطبع هي ضعف الدخل، وضعف القوة الشرائية لليرة السورية، والغلاء المترافق مع ضعف الليرة السورية”.
لكن عبد الرحمن دقو الاختصاصي الاجتماعي وابن دمشق يقول ” أن عيد دمشق هو أفضل من الأعياد السابقة نظرًا للتغيرات العسكرية على الأرض خصوصًا بعد غياب أصوات القصف والطيران والرصاص والرعب من قذائف الهاون التي كانت تتساقط عشوائيًا على مدينة دمشق مجهولة المصدر، مسببة خوفًا يسود حياة الناس. إلا أن الأبرز في التأثير هو الشعور بفقدان الأحبة ممن قُتلوا نتيجة الحرب سواء بالاعتقال أو بالخطف أو التهجير أو الهجرة، وتشتت شمل العائلات في أصقاع العالم، ولا ننسى أوجاع وخيبة أمل المعاقين وذويهم والجرحى وآلامهم، إضافة إلى حالات الطلاق والخلافات الزوجية التي انتشرت في مجتمع منكوب ناهيك عن مظاهر السلوك الغريب عن المجتمع السوري في ظل غياب الضوابط ومصادر الالزام الأخلاقي الذي كان يحمي المجتمع ولو في حدوده المقبولة بفعل الضغوط النفسية والمادية والأمنية المختلفة”. وحول كيف يعيش الناس في دمشق؟ قال ” إن معظم الناس في مدينة دمشق تخشى استئناف الصراع المسلح والاعتقال وأعمال الارهاب التي تقوم بها لجان مسلحة مجهولة النسب والهدف، والتي تعمل حسب مصالحها في نهب خيرات الناس فرادى أو مجتمعين. أما القلة من الناس في مدينة دمشق فهي التي نأت بنفسها أو اصطفت بشكل يرعى مصالحها فتعيش راضية مرضية مبتهجة وفرحة وتنعم بما يتوفر لها من أمن وأمان ومصالح. وبالمقابل ينقسم ريف دمشق الى قسمين: الأول: قد أنهى مرحلة المصالحة من أكثر من سنة أو يزيد، ويعيش حالة من الفقر بانتظار حل يخرجه مما هو فيه في ظل غياب شبابه، بسبب السوق للخدمة الاحتياطية، أو بسبب تهجير من كان ضمن فصائل مسلحة إلى الشمال السوري (إدلب) إضافة للشعور بالعجز عن إعادة إعمار ما خسروه من ممتلكات. الثاني: من أنهى المصالحة منذ شهور قليلة فهؤلاء لا يزالون تحت تأثير الصدمة التي عانوا منها طيلة سنوات من ظلم فصائل كانت تسيطر عليهم، ومن تأثير صدمة القصف والتدمير التي تعرضوا لها وأفقدتهم كل شيء من أطفال ونساء وأهل وأحبة وممتلكات وأرزاق. هؤلاء لا يزالون يحاولون لملمة جراحهم ليستعيدوا توازنهم في إعادة حياتهم الطبيعية من جديد يساهم في ذلك أهل الحكمة والرأي من أهالي تلك المناطق في الإعمار والاصلاح والتعليم وجبر الخواطر، وهذا يتطلب جهدًا ووقتًا ومالًا، وبالتالي فعيدهم هو عيد المنكوبين المتأملين الفرج من الله لهم ولعيالهم.” وعن الأسعار قال دقو” يبدو لي أنه في ظل انخفاض قيمة الليرة السورية وشح الموارد الاقتصادية للناس، يعاني الكثير من السوريين البطالة والفقر على خلاف أولئك المستفيدين من امتيازات عملهم الوظيفي والأمني وحالة الحرب التي أغدقت عليهم المال والثروات. ويبدو أن مدينة دمشق يتوفر فيها كل احتياجات الناس لكن المشكلة في الافتقار إلى المال في ظل غلاء الأسعار، أما في ريف دمشق فقد أصبحت المواد متوفرة فيه نسبيًا بعد حصاره المزدوج لسنوات طويلة لكن البطالة والفقر سيدا الموقف.” ثم أكد أن ” شح الدخل ينعكس على حياة الناس في تدني مستواهم الصحي والغذائي، ومن ثم التعليمي، وعلى سلوكهم الاجتماعي وأمنهم الشخصي، وهذا من مخلفات الحرب، وتداعياتها المؤلمة التي تطال الفرد والأسرة والمجتمع.” وحول مظاهر البهجة في العيد تحدث بقوله ” أعتقد أن مظاهر البهجة ستعود إلى دمشق عندما تكون سورية بخير، وينتهي الصراع الدائر فيها، وبخروج كل القوى الأجنبية منها من إيران وتوابعها إلى أميركا وحلفاؤها، وصولًا إلى روسيا وانتدابها على كل سورية، فبهجة دمشق لا تكتمل إلا ببهجة سورية، وكف يد العابثين فيها من دول عربية وإقليمية تحاول فرض أجنداتها على من يرتهنون لها بالمال والسلاح، وبمعالجة كل الجراح المفتوحة بين الناس عبر عقد اجتماعي يكون أساسه العدالة وحرية الكلمة والمواطنة بكل ما تعنيه من خصائص “.
مهند معتوقي من ريف دمشق يعتقد أن ” العيد بدمشق وريفها ممزوج بالألم والحرقة، خصوصًا في الريف الدمشقي المهجر، كذلك فإن المواد متوفرة، ولكن ليست بمتناول السواد الأعظم من السكان، أكانوا مهجرين أو حتى من أبناء مدينة دمشق، بسبب الغلاء الفاحش، فالمواد الأساسية لا يمكن الحصول عليها إلا بشق الأنفس، وعلى سبيل المثال فإن تكلفة كليو (المعمول) وهي حلوى دمشقية شهيرة، تصل إلى ٥٠٠٠ ليرة سورية في أقلها جودة، الغلاء لا يتناسب أبدًا مع دخل الفرد، في ظل انعدام فرص العمل، بسبب التضخم السكاني في مدينة دمشق، ونتيجة هجرة شريحة كبيرة من الريف لمدينة دمشق، وبسبب موجات التهجير القسري، والكثير من الناس تعول على مساعدات أبنائها خارج سورية، ومن ليس له أي معين خارج سورية كان الله في عونه”.
وسمية عكاش ابنة دمشق تقول ” بالنسبة للأسواق فهي مزدحمة، لكن الأسعار غالية جدًا حتى لو كانت السلع متوفرة، وخاصة للمنتج الجيد، نعم هناك غلاء في المنتج الذي يحوي صفات ممتازة، ومن ثم لا يستطيع الشراء إلا من هم من ذوي الأموال وأصحاب النفوذ، فالأسواق مزدحمة لكن لا يستطيع أحد الشراء، والبهجة تغيب عن الناس بعد كل ما حصل”.
بينما تجد فردوس النجار من دمشق أن ” الأمور بخير وهناك ازدحام لكن الأوضاع جيدة
والحمد لله، وإن القوة الشرائية معقولة، تشبه ظروفنا قبل الأزمة (حسب قولها) ولكن لا يخلو البلد من الفقراء، فالظروف التي مررنا بها تصهر الحديد”.
المصدر: جيرون