ماهر حسن شاويش
لم يكن مستغرباً ولا حتى مفاجئاً لأي متابع للشأنين السوري والفلسطيني أن يُثار جدل ونقاش بعد ماجرى في السابع من أكتوبر لاسيما أننا أمام حدث كبير بحجم طوفان الأقصى ، وفي الحقيقة هذا الجدل والنقاش لم يبدأ بعد طوفان الأقصى بل هو نقاش حاضر منذ اللحظات الأولى للثورة السورية لكنه من دون شك تصاعد في وتيرته والصادم فيه هو أنه أخذ أبعاداً أخطر ما فيها هو التصويب على فكرة المقاومة ومفهومها من الطرف السوري والتصويب على قيم الثورة السورية من الجانب الفلسطيني في مستوى مرتفع جداً من المناكفة والتي أفضت في بعض المواقع إلى كم غير مقبول من التشويه لقضيتين عادلتين محقتين ولا نبالغ إذا قلنا أنهما من أهم القضايا العربية .
بالعودة إلى بدايات هذا النقاش والجدل فقد ارتبط بمواقف الفصائل الفلسطينية من الثورة السورية والتي ظهر عليها الارتباك والتخبط فكان السمة العامة لمواقفها باستثناء الفصائل الفلسطينية المحسوبة تاريخياً على النظام السوري والتي اتخذت موقفاً داعماً ومسانداً له ضد طموحات وحقوق الشعب السوري في الحرية والكرامة والعدالة ،في حين حاولت فصائل أخرى اتخاذ موقف أقرب للحياد الايجابي في محاولة لمسك العصا من المنتصف وحتى لعب دور الوسيط في بعض الأحيان إلا أن ذلك لم يعجب النظام السوري وتطور الأمر إلى مغادرتها الساحة السورية ثم عودتها بعد ذلك في ظل ظروف وملابسات تم الكشف عن كثير منها وأرخت بظلالها على كل الوضع الفلسطيني السوري وعلى مجمل العلاقات بين الفصائل الفلسطينية والنظام السوري وكذا قوى الثورة والمعارضة السورية .
ليس المراد الآن فتح هذا الملف في هذه المادة لكن ذلك لا يعني عدم الحاجة إلى المراجعة الكاملة والتقييم الشامل لكل هذه القضية لاسيما أنها انعكست على كل طبيعة التعاطي مع هذا الملف وما نتج عنها هو أحد الأسباب وراء ما جرى ويجري من جدل ونقاش في حيز القضية الفلسطينية والسورية ومع كل مستجد يطرأ عليهما وقد كتبنا كثيراً في ذلك ولا نزال بحاجة لمزيد من البحث في انعكاسات كل هذه المواقف على الشعبين الفلسطيني والسوري.
في التشخيص ومحاولة معرفة الأسباب لا يمكن إلا أن نلمس غياب المرجعيات لدى كلا الطرفين ما يعني غياب للرؤى وبرامج العمل وبالتالي القرارات التي يمكن أن تؤدي إلى الوضوح في التعاطي مع أي مستجد يخص كلا القضيتين ، ويبدو أنه لا فرصة حقيقية في الأفق أقله ربما في المدى القريب والمتوسط لبناء هذه المرجعيات وبالتالي سيبقى يثار الكثير من الجدل والنقاش تحديداً في الأوساط السورية والفلسطينية حول هاتين القضيتين وهنا لابد أن تتصدى النخب لدى الطرفين لوضع آليات عمل واضحة والعمل على إيجاد مقاربات ترسم ملامح ومستقبل علاقة صحيّة بين كليهما وفق محددات تخدم مصالح الشعب السوري والفلسطيني في التحرر من الاستبداد والاستعمار .
وإن تصدي هذه النخب لمثل هذا الأمر هو مهمة نضالية ومسؤولية وطنية تقع على عاتقهما وهي أولوية لدى بعض الشخصيات والأطر التي لديها وعي مشترك لحيثيات وملابسات القضية الفلسطينية والسورية.
ولعل التجمع الفلسطيني السوري “مصير” يمكن أن يشكل رأس حربة في هذه المهمة انطلاقاً من طبيعته وأهدافه وأدبياته التي تأسس عليها فضلاً عن ما راكمه من خبرة في هذا المجال منذ انطلاقته عام ٢٠١٦.
ولقد أحسن تجمع مصير في دعوته لشخصيات سورية وفلسطينية تجمعهم رؤية موحدة على عدالة وتكامل القضيتين الفلسطينية والسورية وفق مقاربة تركز على حق الشعبين بالتحرر من الاحتلال والاستبداد، والتأكيد على مشروعية كفاح الشعبين، والعلاقة الاخوية التي جمعتهما، في محطات التاريخ والحاضر، من أجل مناقشة خطورة الأصوات التي تحاول زرع الشقاق والتباعد بين الشعبين، وأهمية تقديم مقاربة عقلانية تنطلق من إدراك خصوصية كلا القضيتين واختلاف ظروف كل منهما، بهدف النظر بإنصاف وحكمة في التعامل مع تحولات وأحداث القضيتين، وبما يعزز السياق التحرري المشترك.
والأهم لمناقشة كيفية العمل المشترك للدفاع عن عدالة القضيتين وكفاح الشعبين على طريق التحرر من قوى الاستبداد والاحتلال.
وبالفعل كان اللقاء مميزاً في تنوع الحضور وفي المضامين وإن كان هناك شبه توافق على تأخره في توقيت انعقاده بعد قرابة عام على طوفان الأقصى، وكذا الحاجة إلى استمرار مثل هذه اللقاءات وإغنائها وإثرائها بشخصيات وممثلي أطر لتوسعتها والأهم التركيز على ما يجب أن يصدر عنها من برامج وآليات عمل تصب في خدمة أهدافها المنشودة.
ولخدمة هذه الأهداف المنشودة وفي الإجابة على سؤال ما العمل؟
نعتقد أن هناك ثمّة حاجة لمقاربة لآليات عمل مبنية على مفهومي التوعية والتعرية فالتوعية للشريحة التي تفتقد إلى الحقائق والمعلومات والمعطيات المتعلقة بكل مستجدات القضيتين والتعرية لأصحاب الأجندات المشبوهة الذين يعملون على فصل عرى العلاقة عبر التشويه والتضليل والتدليس وركوب موجة أي اختلاف تجاه أي جزئية تواجههما.
وهذا يحتاج إلى اعتماد مفردات خطاب إعلامي يعالج أي خلل مفقود ويتصدى لأي فعل مقصود لزعزعة علاقة الشعبين والإضرار بمصالحهما وعلى قاعدة يمنع فيها الإساءة لفكرة التحرر والخلاص من الاستعمار والحرية والانعتاق من الاستبداد والتحلي بروحية مفهوم التكامل في التعاطي مع هاتين القضيتين فما يجمعهما تاريخياً وحاضراً وفي المستقبل أكثر مما يفرقهما لاسيما أن العدو الأساسي واحد فهو الذي يحتل الجولان كما يحتل فلسطين وأن الخلاص مشترك والمصير واحد فلابد أن يكون المسار مترابط.
هذه ليست سوى أفكار بين يدي هذا اللقاء تحتاج إلى مزيد من التنسيق والتواصل والحوار والتشبيك بين كل من يقدم نفسه على أنه حريص سواء كان شخص أو إطار معني بأفضل صورة للعلاقة بين الشعبين وهاجسه الأساس الخلاص والحرية لكليهما.
مع التأكيد على قناعتنا بأن دعم الثورة السورية ومساندتها اصطفاف مبدئي إلى جانب الحق في قيم الحرية والعدالة، بصرف النظر عن أخطائها وتجاوزاتها ،فهذه سلوكيات تخضع للنقد والمراجعة، الأهم أنه لا نقاش في ضرورتها والحاجة إليها وهو ما ينطبق على كل ثورات الشعوب التي تنشد حقوقها، ولا ينبغي لثائر وحر أن يحيد عن نصرة الحق في القضايا العادلة، و فلسطين واحدة منها ولا أفضلية لها على غيرها ، والتركيز على التمسك بقيم القضايا يسمو على الهفوات والخطايا لحامليها ، وكي لا تختلط الأوراق وتضيع الحقوق دوروا مع الحق حيث دار فالحق أحق أن يُتّبع.
وباختصار لا يحتاج المرء سوى أن يقف مع قيم الثورة السورية التي هي ذاتها قيم الثورة الفلسطينية والمتمثلة بالعدالة و الحرية والتحرر من الاستبداد والاستعمار فكلاهما من مشكاة واحدة؟! حينها سيجد نفسه في المكان والموقع الصحيح ذاته لأن القيم والمبادئ لا تتجزأ. ولا داعي لكل هذه المقارنات من الطرفين لا في التوقيت ولا في المضمون لاسيما عند كل حدث مفصلي يصيب كل منهما؟!
*كاتب صحفي فلسطيني سوري مقيم في هولندا