عبد اللطيف السعدون
يؤثر عن رئيس لبنان السابق (وليس من لاحق)، ميشال عون، وصفه الوضع في بلاده بأنه يشبه وضع سفينة تيتانك التي كانت تغرق فيما ركّابها يرقصون غير مدركين خطورة الوضع المُحدق بهم إلى أن حلت الكارثة.
ويبدو أن لبنان يقف اليوم على حافَة الكارثة بالفعل، بعد أن أطبقت إسرائيل بعدوانها الهمجي على أرضه وسمائه من دون أن يستطيع لها ردّاً سوى ما يطلقه مقاتلو حزب الله من قذائف وصواريخ، وما يمثلونه من مقاومةٍ تظل غير قادرة على مواجهة الأسلحة القاتلة التي يلقي بها العسكر الإسرائيليون على أية بقعة يختارونها من أرض لبنان، والتي كانت حصيلتها المرّة حتى الساعة استشهاد ما يقرب من ثلاثمائة وجرح ضعفي هذا العدد، وتدمير عشرات المباني والمساكن والمدارس، ونزوح عشرات الألوف من مساكنهم، وعدم قدرة المؤسّسات المعنية على تأمين مأوى لكثيرين منهم، واعتبرت ممثلية الأمم المتحدة في بيروت أن الوضع الماثل يضع لبنان بين حدّين: النهوض أو الانهيار.
والمطلوب اليوم موقف وطني واضح تعتمده الدولة اللبنانية التي يُفترض نظرياً، على الأقل، أنها المعنية بقرار السلم والحرب وحدها، ومن دون أية جهة أخرى، وأن يتركّز موقفها هذا على انتزاع لبنان من مخالب اللعبة الدولية الكبرى الماثلة في المنطقة، والتي طرفاها الأساسيان أميركا وإيران، وأن يتكرّس في جملة إجراءات سريعة وفعّالة تضمن وقف العدوان الإسرائيلي، وإعادة النازحين إلى مساكنهم التي أجبروا على تركها، وضمن خطّة عملية لإعادة الحياة الطبيعية إلى لبنان، وإلى جنوبه على الأخص.
المطلوب اليوم موقف وطني واضح تعتمده الدولة اللبنانية ويعمل على انتزاع لبنان من مخالب اللعبة الدولية الكبرى الماثلة في المنطقة
ويكمن المفتاح لهذا في العمل على تطبيق قرار مجلس الأمن 1701 كاملاً، والذي يقضي بانسحاب القوات الإسرائيلية، وإرسال الجيش اللبناني إلى جنوب نهر الليطاني ووجوده هناك إلى جانب قوات الأمم المتحدة (يونيفيل)، ومن دون أي طرفٍ ثالث، ونزع سلاح حزب الله والمجموعات المسلحة الأخرى.
ومع أن هذه “الوصفة” البراغماتية قد لا تنال رضا بعضِ من يرى فيها نوعاً من الانهزامية، والخوف من المواجهة أو عدم إمكان تطبيقها في الحال الحاضر، لسبب ما، لكنها تظل خطوة أساسية لإنقاذ لبنان. ولحسن حظ اللبنانيين، حظيت هذه “الوصفة” بموافقة لبنان الرسمي، ممثلاً برئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس البرلمان نبيه برّي الذي هو أيضاً رئيس حركة أمل المتحالفة مع حزب الله، واللذيْن أعربا عن التزامهما بتطبيق القرار المذكور.
ضمور دور حزب الله في المعادلة السياسية ربما يفتح الأفق للعمل على انتخاب رئيس للبنان بعد عامين على شغور موقع الرئاسة
ويلاحظ المتابع في ثنايا هذه التداعيات جملة نقاطٍ تستدعي النظر والتأمل، أولاها تراجع دور حزب الله في المعادلة السياسية اللبنانية، خاصة بعد اغتيال نخبة قياداته، وانحسار وجود مقاتليه عملياً على أرض الجنوب إثر العدوان الإسرائيلي، وهو الذي عمل على عرقلة تنفيذ القرار 1701 عندما اشتدّ عوده، وامتلك القدرة على مناكفة الدولة، مستمداً فائض قوته من الدولة الراعية له، إيران، وهو حالياً يخوض حرب وجود، ويعاني انكساراً واضحاً. والنقطة الثانية موقف برّي الذي يعني أنه نفض يديه من تحالفه مع حزب الله، وشرع يسعى إلى أخذ موقع الريادة لدى الطائفة الشيعية بعد رحيل حسن نصر الله، وقد أعطى موافقته على تطبيق القرار الأممي من دون اعتبار لوجهة نظر إيران التي تشترط، كما قال وزير خارجيتها عبّاس عراقجي عند زيارته بيروت أخيراً، موافقة حزب الله، وبالتزامن مع وقف مماثل لإطلاق النار في غزّة. ومع ذلك تظل الخطورة محدقة بلبنان في حال إصرار العدو الصهيوني على طلب المزيد، أو الاستمرار في عدوانه الجنوني حتى الوصول إلى بيروت بحجة “اجتثاث” حزب الله.
يبقى مهماً، في هذه المقالة، الإشارة إلى أن ضمور دور حزب الله في المعادلة السياسية ربما يفتح الأفق للعمل على انتخاب رئيس للبنان بعد عامين على شغور موقع الرئاسة، ما يعزّز من قدرة النظام السياسي اللبناني على تجاوز أزماته، ويرسم خريطة جديدة لأدوار القوى الفاعلة فيه، ويحيي آمال اللبنانيين والعرب في إمكانية تعافي لبنان، وابتعاده عن المشروع الإيراني، واستعادة دوره الريادي المعروف به تاريخياً.
وعملياً، سيعاني المشروع الايراني في البلد الذي كان حزب الله يمثل الفاعل الرئيس فيه حالةَ انتكاس وتراجعاً، وقد ينعكس ذلك أيضاً على أدوار الفاعلين الثانويين، المليشيات الناشطة في العراق وسورية واليمن. وعملياً أيضاً يمكن أن توفر “الوصفة” المطروحة الفرصة لتشكيل رؤية عربية موحّدة تحفظ حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة وغير القابلة للتصرّف، خاصة حقه في إقامة دولته المستقلة على أرضه، والتوافق على صيغة لحكم قطاع غزّة بعد وقف القتال فيها.
المصدر: العربي الجديد