مصطفى حجازي (1936 – 2024)
في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي، التقت “العربي الجديد” بـ مصطفى حجازي، الذي رحل عن عالمنا مساء أمس الأحد، وحينها تحدّث الأكاديمي وعالم النفس اللبناني مستشرفاً مستقبل المنطقة على ضوء الإبادة الصهيونية، مُوضحاً أنّ “المطلوب تجاوُز ردّات الفعل التي اعتدنا عليها عربياً عند كلّ اعتداء على فلسطين وشعبها والتي سرعان ما تخبو. إننا بصدد الحفاظ على المصير وصناعة المستقبل. وهو ما يتطلّب تمكين إنساننا وشعوبنا في عملية نقلة حضارية توفّر مقوّمات القوّة على اختلافها وعلى رأسها القوة المعرفية”.
بعد مرور قرابة عام على هذه الكلمات، وفي ذروة العدوان الإسرائيلي على لبنان، يرحل صاحب كتاب “حصار الثقافة” (1998)، تاركاً وراءه إرثاً مديداً من الاشتغال بحقل التحليل النفسي، والتزاماً لم ينقطع عن هموم المجتمعات العربية وقضاياها، وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي ظلّت بالنسبة إليه القضية المركزية التي يتوجّب على الباحث أن ينطلق منها في تحليل الظواهر الاجتماعية.
وُلد الراحل في مدينة صيدا عام 1936، وتدرّج في تحصيله العِلمي حتى حاز إجازة جامعية في عِلم النفس من “جامعة عين شمس” المصرية عام 1960. وبعد ذلك التاريخ بأربع سنوات سافَر إلى بريطانيا للاطّلاع على مؤسسات رعاية الطفولة والناشئة وعلى تجارب عِلمية مختلفة، قبل أن يحصل على دبلوم علم الجريمة العيادي من “جامعة ليون” الفرنسية عام 1965، ثمّ دكتوراه في علم النفس من الجامعة ذاتها عام 1967.
شكّلت الستينيات منطلقاً لمسيرة حجازي الأكاديمية والمهنية، حيث اعتُمد منذ عام 1968 خبيراً نفسانياً في محاكم ومراكز رعاية الأحداث في لبنان، وبعدها تنقّل خلال فترة نشاطه المهني، التي استمرّت حتى نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة، بين مؤسسات محلّية وعربية معنيّة بتدريب العاملين برعاية الطفولة في لبنان وسورية والبحرين والكويت والعراق وقطر، كما شغل حتى رحيله الرئاسة الفخرية لتجمُّع “نفسانيون”.
أمّا أكاديمياً فأبرز محطّاته كانت مع “الجامعة اللبنانية” التي عمل فيها أستاذاً لعلم النفس منذ 1983، ثم عمل أستاذاً للصحة الذهنية في “جامعة البحرين” بين عامَي 1990 و2006، وبعدها بعام عُيّن أستاذاً زائراً في كلية طبّ “جامعة الخليج العربي”، قبل أن يتفرّغ للبحث والكتابة بداية من عام 2008.
أسّست مؤلّفات مصطفى حجازي لتيار جديد في قراءة أحوال المجتمعات العربية منذ النصف الثاني من القرن العشرين، وقد شملت في إطارها موضوعات عديدة مثل الطائفية والتخلّف والمجتمع المدني وانتظام السلطة الحاكمة وعلاقتها بالمحكومين والعولمة، وفي هذا السياق قدّم كتابين مفتاحيّين لمقاربة أحوال الإنسان العربي، وهُما: “التخلّف الاجتماعي: مدخل إلى دراسة سيكولوجية الإنسان المقهور” (1981)، و”الإنسان المهدور: دراسة تحليلية نفسية اجتماعية” (2006).
ومن مؤلفاته أيضاً: “ثقافة الطفل العربي بين التغريب والأصالة” (1993)، و”المسؤولية المدنية للخبير القضائي:
دراسة مقارنة بين القانون الفرنسي والمصري والكويتي في ضوء آراء الفقه وأحداث أحكام القضاء” (1998)، و”علم النفس والعولمة: رؤى مستقبلية في التربية والتنمية” (2001)، و”الشباب الخليجي والمستقبل: دراسة تحليلية نفسية اجتماعية” (2008)، و”علم النفس والعولمة: رؤى مستقبلية في التربية والتنمية” (2010)، و”إطلاق طاقات الحياة: قراءات في علم النفس الإيجابي” (2011)، و”العصبيات وآفاتها: هدر الأوطان واستلاب الإنسان” (2019)، و”اللقاء: كيف يكشفنا لأنفسنا ويفتحنا على العالم” (2021). ومن أبرز ترجماته: “الكلام أو الموت” لمصطفى صفوان، و”معجم مصطلحات التحليل النفسي” لجان لابلانش وج.بونتاليس.
المصدر: العربي الجديد