معقل زهور عدي
يمكن مقاربة مفهوم الثورة بمقارنته بمفهوم الإصلاح , فالإصلاح يهدف لتطوير وتعديل نظام سياسي ظل لفترة ما مناسبا للدولة والمجتمع سوى أن بعض ملامحه لم تعد مسايرة لمتطلبات المرحلة أو أن عيوبا محددة بدأت تظهر فيه وتتطلب المعالجة والتغيير, أما مفهوم الثورة فيحيلنا إلى نظام سياسي للدولة أثبت فشله بصورة كلية , وأصبح عقبة كأداء بوجه المجتمع في حين أن هذا النظام يفتقد لإمكانية الإصلاح من داخله ويقاوم أي محاولة في هذا السياق , بالتالي لابد من هدمه واستبداله بنظام جديد يوافق حاجة المجتمع ويسمح بإطلاق قواه الحية .
تتجلى ممانعة النظام الفاسد باللجوء للعنف والاستبداد وقمع الحريات في سبيل بقائه رغما عن إرادة الشعب , وهنا تصبح الثورة ضرورة لابد منها للتغيير .
حامل الثورة وصانعها ليس سوى الشعب , الشعب الذي ينزل للشوارع ليعبربالطرق السلمية عن إرادته في التغيير راسما الأهداف النهائية لذلك التغيير بطريقته الخاصة مستندا إلى طلائعه المثقفة الواعية .
وحين يلجأ الشعب للعنف في مواجهة عنف النظام المستبد الفاسد فهو لايفعل ذلك سوى مضطرا وفي أضيق نطاق , فالإنزلاق نحو العنف يكون في أغلب الأحيان فخا للحركة الشعبية لسحبها نحو الميدان الذي يفضله النظام للمواجهة حيث يتمكن من استخدام أدواته الأمنية على أوسع نطاق ووفق أعلى درجات العنف .
تتميز الثورة بكونها فعلا جماهيريا بدلالة المستقبل , بالتالي فهي ليست ثورة سياسية فقط لكنها ثورة فكرية وثقافية وإنسانية , وافتقادها لهذا الطابع يخرجها عن مفهوم الثورة نحو مفهوم تمرد يقتصر على استبدال نظام سياسي بنظام آخر قد يكون مشابها للنظام القديم أو أسوأ منه في النهاية .
والشعب في خضم الثورة لايغير فقط الحاكم لكن يغير طابع الدولة ذاتها , كما يغير القيم المهترئة في المجتمع مثل الطائفية والعصبيات التي لاتتوافق مع الروح الوطنية الجامعة .
فالثورة هنا ليست عملية تغيير في حقل السياسة فقط لكنها عملية تغيير شاملة تطال المجتمع وتعيد تشكيل مفاهيمه حتى يوافق المحتوى الاجتماعي النظام السياسي الوطني الديمقراطي الجديد.
العقلانية الثورية
ليست الثورة عملا عشوائيا أو مجرد تعبيرات حماسية , فإذا اقتصرت على ذلك وافتقدت الوعي فسوف تتحول سريعا لفورة من الحماس تنطفىء بالسرعة التي تفجرت بها .
صحيح أنها بحاجة للحماس والعاطفة لكن كوقود للفعل الواعي وليس بعيدا عنه . وكونها تواجه ممانعة القوى التي تسيطر على الدولة والمجتمع وتملك مفاصله الأمنية والادارية فهي تحتاج لأعلى درجات التنظيم والتخطيط والانضباط ولايمكن حيازة ذلك سوى عبر العقلانية الثورية .
وتعني العقلانية الثورية الابتعاد تماما عن العفوية , فكل فعل وكل حركة تتطلب وضعها ضمن سياق مفهوم وواع يجعلها خطوة نحو الأمام وليس مجرد تعبير عن المشاعر .
والأهم من ذلك دراسة موازين القوى وما هو متاح للفعل السياسي , وكيفية الاستثمار الأمثل له لبناء القوى الثورية وتوسيعها وتعميق نفاذها في كل الفعاليات الاجتماعية لتأمين النهوض الشامل للمجتمع والاستفادة من قواه الحية .
وحده التكتيك السياسي الصائب يستطيع تجنيب الثورة الأفخاخ والمطبات , وتقليل الخسائر ودفع الحركة الثورية نحو الأمام باتجاه النصر .
تشتد الحاجة للعقلانية الثورية عند وجود الحركة الثورية ضمن بيئة سياسية واجتماعية تتسم بالتعقيد وتداخل القوى , حيث الخطأ في التكتيك السياسي يمكن أن يفتح ثغرة تحتمل شتى المخاطر على مستقبل الحركة .
كما أن تحقيق الانضباط الثوري واستمرار التفاف الجماهير حول الثورة مرتبط ارتباطا وثيقا بنجاح تكتيكها السياسي كما هو مرتبط بإخلاص وأخلاق وتصميم الطليعة الثورية .
وفي النهاية فإن تحليل الأوضاع السياسية بصورة عقلانية واقعية يصبح مقدمة لابد منها للخروج باستراتيجية العمل الثوري , فمثل ذلك التحليل يحدد في مرحلة معينة من هو العدو ومن هو الصديق وكيف يمكن للحركة الثورية الاستناد إلى الأصدقاء وكيفية مواجهة مخططات الأعداء .