في بلاد اللجوء تتمظهر وبشكل واضح للعيان الكثير من حالات التفوق لدى الطلاب والطالبات السوريات. ولا ينحصر ذلك في بلد للجوء بعينه، بل يصل إلى كل بلدان اللجوء من الاتحاد الأوروبي إلى كندا إلى مصر، الأردن ، لبنان ، وكذلك تركيا، وكانت آخر هذه الحالات الطالبة السورية (لانا معين الإمام) التي تخرجت من جامعة إسطنبول/ فرع العلوم السياسية متفوقة على جميع زملائها وزميلاتها، وهو ما يستدعي الوقوف مليًا عند هذه الظاهرة الإيجابية، والتي تلقي الضوء على حال السوريين الذين خرجوا للثورة على الطاغية، وهم يملكون حسًا ونبضًا علميًا وإبداعيًا قل مثيله، خاصة في الحالات الفردية، التي لا قدرة للنظام السوري، على تغييبها. جيرون سألت بعض المختصين عن سر ذلك؟ وماهي الأسباب العلمية والمجتمعية التي تساهم في إنتاج هذه الحالات من التفوق عند السوريات والسوريين؟
طلال مصطفى الباحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة قال ” لا شك هناك عوامل ذاتية تتعلق بالقدرات الذهنية للطالب وعوامل موضوعية تتعلق بالسياسة التعليمية ومدى توفر مستلزمات العملية التعليمة للطلبة. وإذا ما حاولنا البحث في هذه العوامل في سورية فيما يتعلق بالعملية التعليمية وتفوق بعض الطلاب، نجد غياب شبه مطلق لتوفر مستلزمات العملية التعليمية الحديثة وخاصة التكنولوجية في معظم المؤسسات التعليمية السورية، بينما في كافة دول اللجوء السوري متوفرة ، وهذا أحد عوامل تميز وتفوق بعض الطلبة السوريين في العديد من دول العالم وخاصة الأوربية، أما العامل الثاني فهو يتعلق بسياسة الوساطات والمحسوبيات في السياسة التعليمية السورية وخاصة فيما يتعلق بعملية الايفاد التعليمي خارج سورية حيث يعتمد شروط الموافقات الأمنية والسياسية والمحسوبيات والتقرب من الأجهزة الأمنية، وبالتالي بعيدًا عن الشروط العلمية للإيفاد العلمي، وعادة هؤلاء الطلبة يمضون وقتهم في السياحة الجنسية والتجارة خلال مدة الايفاد، وخاصة في روسيا وليعودوا فيما بعد إلى سورية ليتم تعيينهم في الجامعات والمفاصل الإدارية في المؤسسات الحكومية بغض النظر عن قدراتهم العلمية، المهم ولاءهم للنظام السياسي المطلق هو المطلوب.” ثم أشار إلى سياسات النظام في ” عدم ظهور المبدعين في سورية لأنهم سيحملون أفكاراً جديدة وابداعية ربما تضر بوجوده كما يعتقد، أو إذا ما حصلت المقارنة بينهم وبين الطلبة المحسوبين عليه. أيضًا توفر البنية التحتية للعملية التعليمية في دول اللجوء فالفرق بين البنية التحتية في سورية والجامعات الأجنبية كبير، الهيئات التعليمية والادارية في تلك الجامعات تقدم الدعم المادي للقيام بالأبحاث وتوفر التجهيزات اللازمة لها، كما تصرف رواتب للطلاب الباحثين، بينما في سورية يتم مراقبة الطلبة المتميزين أمنيًا ويتعرضون للعديد من المضايقات والمعوقات للحد من تفوقهم خاصة إذا كان في دفعتهم أحد أبناء المسؤولين في النظام السوري، وقصص إخفاء الطلبة المتفوقين في مرحلة وجود أبناء الأسد في الجامعات السورية في الثمانينات معروفة للجميع.” وانتهى مصطفى إلى القول ” من الطبيعي أن يتفوق بعض الطلبة السوريين المهجرين من سورية نتيجة توفر التجهيزات والإمكانات والدعم المادي اللازم، والعيش بعيدًا عن الهواجس الأمنية، بالإضافة إلى توفر وجود الطموح الشخصي والقدرات الذهنية الشخصية، التي تلعب دورًا كبيرًا في التفوق والإبداع.”
الباحث السوري في علم النفس الدكتور عمر النمر أكد لجيرون أنه ” لوحظ في أغلب الدول التي لجأ إليها الشباب السوري، بروز ظاهرة التفوق عند الشباب السوري وتميزه عن باقي الجنسيات، وهذا يرجع إلى أسباب عدة منها أن الانسان السوري هو نتاج إرث حضاري ضارب في القدم، يختزل حضارات راقية، وهذا يؤثر في التكوين النفسي والاجتماعي للشباب السوري، ويهبه طرق تفكيرٍ مميزة في حل المشكلات والابداع والابتكار، ويؤهله للتفوق والتميز. والسبب الآخر للتميز هو وجود الحاضنة العلمية التي تتيح للمبدع أن يبدع، وتضع بين يديه كل مستلزمات العلم والتجربة، وتقدم الدعم المادي والمعنوي وتهيئ المناخ الاجتماعي لبروز الابداع”. لكنه أكد أن العامل الأهم في ذلك يكمن في ” تفوق السوري هو المعاناة التي عاشها والظروف الصعبة التي تُحتم عليه الجد والمثابرة لتأمين مستقبله، ففي الوطن الأم كان الشاب يعتمد في كثير من الأحيان على العائلة والأقرباء، ولا يشعر بالمسؤولية بوجودهم حوله، أما في بلد اللجوء فقد أصبح وحيدًا أو مسؤولًا عن عائلة، لذلك كان لزامًا عليه بذل أقصى طاقته ليثبت وجوده ويشق طريقه ويؤمن مستقبله، ومعظم النجاحات تأتي من رحم المعاناة، لأن المحن تولد طاقات إضافية للدفاع عن الذات من خلال غريزة البقاء”.
أما الدكتور منذر درويش فاعتبر أن ” هذا يعود لسببين الأول في الطالب نفسه، من حيث اهتمامه وامكانياته الفكرية، والسبب الثاني في الظروف المحيطة من تشجيع ومساعدة أو معاناة وحرمان، وكلنا يعرف أن التميز والتفوق يأتيان من رحم المعاناة والحرمان، وهل هناك أقسى من ظروف اللاجئين والمهجرين؟؟؟”.
الكاتبة السورية ندى الخش أشارت إلى أن ” التفوق علميًا ومهنيًا يحتاج لمساحة تتوفر فيها. الإمكانيات، وهذا ما يحصل في بلاد الغربة واللجوء، حيث ظهرت حالات تفوق وابداع كانت مطمورة في سورية. في الغرب تسود قوانين لا فرق فيها بين ابن البلد واللاجئ، لأسباب متنوعة، وهذه القوانين تساعد من يملك طاقات متميزة أن تظهر، والخوف أن تستمر بلادنا طاردة للإمكانيات، والغرب حاضنًا لها، دون أن يكون هناك احتمال لاستثمارها في الوطن الأم”.
محمد صالح أحمدو المدير السابق في وزارة التعليم للحكومة السورية المؤقتة قال ” رغم كل ما يواجه الطالب السوري من ويلات الحرب في سورية وعدم الأمن والاستقرار بالإضافة للتهجير والنزوح، إلا أنه أثبت للعالم أجمع أنه شعب جبار لا يقهر، وما تكالب الأمم عليه إلا لثنيه عن مسيرة التقدم والإبداع التي بدأها بثورته على نظام الطاغية المجرم بشار الأسد وأذنابه وأعوانه، ولذلك وكي يثبت هذا الجيل للعالم أنه شعب يستحق أن ينال حريته كي يبدع ويخترع ويتفوق كانت تلك البصمات التي رسمها أولئك الطلاب من أشعة الشمس لتنير الطريق لمن خلفهم كي يحتذوا حذوهم ويتفوقوا وليبدعوا وليؤسسوا نواةً حقيقية لدولة سورية المستقبل، التي لن ترضى إلا بحرية يتبعها دولة مستقلة، يسودها التقدم في كل المجالات، وهنا يجب التنويه إلى أن هذا التفوق للسورين في بلاد مهجرهم ولجوئهم كان رغم قلة المدرسين والاختصاصيين وندرة المنشآت التعليمية المناسبة في الداخل السوري، ووجود حاجز اللغة في دول اللجوء، ومع ذلك كسر كل الحواجز التي واجهت مسيرة تفوقه” . ثم قال أحمدو ” معروف أن الطالب السوري وطريقة تعلّمه ومثابرته للتحصيل العلمي والتفوق الدراسي والمهني هو منبعًا للعقول والكوادر، فالتفوق الذي وجدناه من الطالب قابله أيضًا تفوقًا من ولي أمره في مناحي الحياة بدول اللجوء، فكان التفوق الصناعي والتجاري وفي كافة مناحي الحياة، ومن الطبيعي من يكن والداه بهذه المثابرة سيكون أبناءهم على خطاهم سائرون، تاركين وراء ظهورهم كل المعوقات التي تشكل جدارًا في وجههم من القصف والقتل والتدمير والحرب والهجير فقرروا أنهم سيثبتون للعالم أنهم أصحاب قضية، وما القضية الفلسطينية عنهم ببعيد وما الشعب الفلسطيني الذي أبدع وأثبت كذلك للعالم أنه شعب لا تؤثر فيه المؤامرات التي تحاك ضده وكذلك كان برهان المتفوقين السوريين ذكورًا وإناثًا. ولعل ما تم نشره في الاعلام ليس إلا عينة بسيطة استطاع الاعلام إبرازها لتفوق السوريين، إذ يوجد الكثير من الأمثلة على تفوقهم. وفقهم الله وسدد خطاهم لبناء سورية الحرة الأبية المتقدمة علميًا وتكنولوجيًا وتقنيًا وفي كافة المجالات”.
المصدر: جيرون