عبد اللطيف السعدون
ينقل الكاتب الأميركي بوب وودورد في كتابه الصادر أخيراً “الحرب” عن الرئيس المنتخب دونالد ترامب أنه شاهد مرّة ملاكمة فاز بها من لم يكن متوقعاً له الفوز، وبعد المباراة سئل الفائز: كيف فزت؟ أجاب: لقد جئت للتوّ على وقع اللكمات… علق ترامب: “أعتقد أنه كان تعبيراً رائعاً لأنه يتعلق بالحياة بقدر ما يتعلق بالملاكمة أو بأي شيء آخر، (…)، العالم يتغيّر، ستكون هناك أزمات، ستكون هناك فترات ركود، ستكون هناك حروب، وفي معظم الحالات، سيكون الأمر خارج السيطرة. ولذلك عليك أن تمضي على وقْع الضربات كي تصل”.
هكذا عاد ترامب محمّلاً بالضربات، ليصبح الرئيس السابع والأربعين للإمبراطورية الأميركية في واحدة من الوقائع النادرة في التاريخ الأميركي، جمعت له المجد من أطرافه، تفوّقاً على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس في الأصوات الشعبية التي نالها، وتفوّقاً عليها أيضاً في أصوات المجمع الانتخابي، وسيطرة حاسمة على مجلس الشيوخ. وكذا على مجلس النواب، كل هذا سوف يتيح له التحكّم في اللعبة السياسية كما يهوى ويشاء، رافعاً شعاره المفضّل “سأجعل من أميركا أمة عظيمة مرّة أخرى”، ومطبّقاً نصيحته التي أفضى بها إلى وودورد: “بالنسبة لبعض الناس (الذين تتعامل معهم) كن قاتلاً، وبالنسبة للبعض الآخر كن كالحلوى، وبالنسبة لآخرين كن مختلفاً، ولآخرين كن قاتلاً ولطيفاً معاً”.
نصيحة ترامب، وقد أتقن التعامل بها في رئاسته الأولى، ستغيّر أحوال العالم إن خيراً وإنْ شرّاً. ولذلك، شرعت قارّات ودولٌ وحكومات تراجع حساباتها، وتتأمل أحوالها، إذْ ما هو قادم لها غير معروف، وما تريده قد لا يتحقّق. وكانت كل تلك الأطراف قد تابعت حملته الانتخابية بسخرية محفوفة بالقلق، عروضه الشعبوية اللافتة، وكأنه في واحدةٍ من حلقات برنامجه “تلفزيون الواقع”، إذ ظهر سائقاً في عربة قمامة، وعاملاً في مطعم ماكدونالدز للوجبات السريعة، وراقصاً، وخطيباً، وماضياً على وقْع الضربات التي تشبه ضربات الملاكمة التي شاهدها من قبل. وبعكس ما كان يتوقع كثيرون، ضمنت له كل هذه العروض فوزاً استثنائياً ومثيراً. وأخيراً، عاد ليجلس على الكرسي الذهبي الأول في العالم أربع سنين تالية. وفي جعبته مشاريع وقرارات كثيرة، وكثير من الأجندات، وبعضها قد لا يمكن لأقرب مستشاريه التنبؤ بها أو الحديث عنها.
يبقى ترامب رقماً صعباً في المعادلات الدولية، ومعرفة ما يخبئه في جعبته ليس بالأمر السهل
ليس هناك ما يمكن الجزم بتحقيق ترامب من خططه خارج بلاده، حتى التي نوّه بها في حملته الانتخابية، ربما باستثناء ما يتعلق بالعلاقة الحميمية الثابتة مع إسرائيل التي لا تقبل النقاش، فثمّة توقّع أن يعطي ترامب لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو شيكاً على بياض، لفعل ما يريده، حتى لو أدّى ذلك إلى حرب شاملة. وبحسب ما نقله المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية، ليون بانيتا، كان ترامب قد أبلغ نتنياهو قبل الانتخابات: “مهما فعلت (في الشرق الأوسط)، ومهما أردت أن تفعل، ومهما أردت أن تلاحق، فلديك مباركتي”.
عربياً، ليس ثمّة ضمان أن يلتزم ترامب بتعهده الخطي الذي قدّمه في أثناء حملته الانتخابية لعرب ولاية ميشيغن الذي يتضمن عزمه على تحقيق السلام للبنانيين والفلسطينيين، “لأنهم يستحقون العيش بسلام وازدهار ووئام مع جيرانهم”، خاصة أن العبارات الواردة فيه فضفاضة، وتحتمل أكثر من تأويل، ولا تعدو أن تكون نسخة من تصريحات المسؤولين الأميركيين في أية إدارة سابقة أو لاحقة، ولا تعني بالضرورة العمل على تحقيقها.
عراقياً، ثمّة حالة غموض في ما ينوي ترامب فعله، ويبدو أن المخاوف التي عصفت بزعماء المليشيات وقادة “الإطار التنسيقي” من احتمال أن تطاولهم ضرباته دفعت بهم لتكليف رئيس الحكومة محمد شياع السوداني إلى الاتصال به، وتطييب خاطره، بعد أن كان العراق قد أصدر مذكّرة إلقاء قبض عليه، لمسؤوليته في واقعة اغتيال قائد فيلق القدس السابق في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني. وبحسب البيان الرسمي العراقي، أبدى ترامب استعداده للتعامل مع السوداني في مختلف الملفات، خاصة الوجود العسكري الأميركي في العراق، وقضايا المنطقة.
وبعيداً عن البيان الرسمي، انتشرت في مجالس بغداد نكتة ساخرة أن السوداني اعتذر عن مذكّرة القبض، وأن ترامب قبل الاعتذار، شرط أن تقدّم بغداد التسهيلات المطلوبة له، كي يجري اللازم مع قادة المليشيات والمسؤولين الذين أمروا بالقبض عليه، وأن السوداني وعده بذلك.
بالمختصر المفيد، يبقى ترامب رقماً صعباً في المعادلات الدولية، ومعرفة ما يخبئه في جعبته ليس بالأمر السهل، وقد قال عنه صهره وكبير مستشاريه في الإدارة السابقة، جاريد كوشنر، إنه عندما يقول لا فإنه لا يعنيها بالضرورة، وعندما يقول نعم فهو لا يعنيها بالضرورة أيضاً.
المصدر: العربي الجديد