أحمد مظهر سعدو
بالرغم من استمرار حالات التأجيل المتتابعة لمؤتمر الحوار الوطني السوري، والذي بات انفاده ضرورة جدية لإنقاذ الوضع السوري، وإعادة إحياء روح الثورة السورية، ثورة الحرية والكرامة، التي انطلقت منتصف آذار/ مارس 2011 حيث ضحى السوريون من أجلها وعلى مذبح الحرية والكرامة، بما ينوف عن مليون شهيد، وأكثر من 600 ألف معوق حرب، وأزيد من 900 ألف معتقل سوري في زنازين القهر الفاشيستي الأسدي، تم اعتقالهم منذ 2011 وحتى لحظة سقوط نظام الاستبداد المشرقي في يوم 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.
ثم تحمل الشعب السوري عبء تدمير البنية التحتية السورية على يد نظام الإجرام الأسدي، بما يصل إلى نسبة 65 بالمئة من جل البنية التحتية في سوريا، حيث وصلت تقديرات أممية إلى أن تكاليف إعادة الإعمار في الجغرافيا السورية، باتت تتجاوز عتبة الـ500 مليار دولار في حدها الأدنى.
أمام هذا المشهد وكل هذه التضحيات، وفي مواجهة مجمل هذه التحديات، كان لا بد من الدفع باتجاه انعقاد المؤتمر الوطني السوري الحواري الجامع، لكل أطياف الشعب السوري، بلا أي استثناء لطيف أو أيديولوجيا أو أثنية أو طائفة أو دين، لأن السوريين جميعاً ما عدا أدوات الاستبداد وشبيحته، معنيون بانعقاد مؤتمر الحوار الوطني، وهم مهتمون أيضاً في مسألة إعادة بناء سوريا الواحدة الموحدة، التي دمرها نظام المجرم السفاح، الفار تحت جنح الظلام إلى بلاد الروس.
لم يعد مقبولاً ولا معقولاً بعد اليوم، تجاوز أو استثناء أي أحد من المشاركة في هذا المؤتمر المزمع والضروري، وإذا كان التأجيل اليوم يتم بسبب حرص المشرفين عليه من أجل الوصول إلى تغطية جدية وحقيقية ورصينة لكل أطياف المجتمع السوري، فإن هذا السبب يصبح مقبولاً وممكناً وضرورياً.
لا غرابة في القول اليوم إن من (يحرر يقرر)، لكن على أساس أن الجميع قد حرر وشارك بالتحرير، وليس من دخل دمشق بسلاحه الثوري فقط، وأزاح الطغاة..
فالجميع بلا استنثناء قد شارك سابقاً في بقاء الثورة السورية قائمة ومستمرة وحيوية، وهو ما سبق أن أشار إليه السيد أحمد الشرع رئيس الإدارة الجديدة في سوريا، في أكثر من لقاء أو مناسبة، إذ إنه ليس النصر على الطغيان يكون بأداة عسكرية فحسب، بل لعل كل مفاصل العمل الحركي، ونضالات الشعب السوري على مدى عمر ثورة الحرية والكرامة، قد أسهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في إنجاز حالة النصر وكنس الطغيان، واقتلاع الاستبداد من جذوره المعششة في الواقع السوري.
ومن ثم فإنه لا غرابة في القول اليوم إن من (يحرر يقرر)، لكن على أساس أن الجميع قد حرر وشارك بالتحرير، وليس من دخل دمشق بسلاحه الثوري فقط، وأزاح الطغاة، بل لعل من الإنصاف القول: إن تراكم العمل الوطني السوري، واشتغال السوريين بالعمل السياسي، ومقارعة الطغاة ومناهضتهم، منذ صباح 16 نوفمبر/تشرين الثاني 1970 يوم خطف المجرم الوطن السوري، ومناهضة الطاغية الأكبر حافظ الأسد، وتعرض الناس المناهضين له بكل ألوانهم السياسية للاعتقال والقتل وتقييد الحريات، ثم محاصرة المعارضين له وملاحقتهم حتى في لقمة عيش أطفالهم، لعل كل هؤلاء، ومعهم كثير من أبناء الشعب السوري، هم من شاركوا وأسسوا لصنع نصر 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 وهذه حقيقة لاينكرها إلا كل جاحد.
وفي المجمل فإن أمامنا جميعاً اليوم كسوريين أحرار مهام كثيرة على أبواب انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، ولعل من أهمها:
- إشراك جميع السوريين بلا استثناء، في إعادة صنع مستقبل سوريا الحرة المستقلة.
- العمل ما أمكن على إنتاج الجمعية التأسيسية السورية المنتخبة لصياغة الدستور السوري أو الإشراف على ذلك.
- إنتاج حكومة انتقالية شاملة من الكفاءات السورية والتكنوقراط، وهي كثيرة، لتسيير المرحلىة الانتقالية وتحقيق المجتمع المستقر، تهيئة للبدء بالعملية الانتخابية الديمقراطية المفترضة في قادم الأيام.
- استمرار الحوار مع كل الفصائل العسكرية السورية في شمال شرقي سوريا، كما في الجنوب، للانضواء تحت مظلة المؤسسة العسكرية السورية، التي تتبع وزارة الدفاع السورية، حيث لم يعد مقبولًا أن تبقى أية فصائل عسكرية خارج تبعية وزارة الدفاع السورية.
- العمل وبالتوازي مع إنجاز مشروع الدستور السوري، لصياغة العقد الوطني السوري الجامع، الذي يضم ضمن رؤيته جميع المشتركات السورية، ويسهم في وحدة الوطن السوري، المنتمي إلى الوطنية السورية أولاً من دون تجاوز الانتماءات الأخرى الأشمل والأبعد.
- إتاحة المجال لإثارة حوار دائم عبر مأسسة ذلك وجديته، ليستمر هذا الحوار بعد وقبل وبين ظهراني انعقاد المؤتمر الوطني السوري للحوار المزمع انعقاده.
- الوصول إلى قناعة مفادها أن لا قدسية بعد الآن للأفراد، أي أفراد مهما علا شأنهم، وأن صندوق الانتخابات، هو الوحيد الذي يخول الحاكم أن يحكم السوريين، وعلى الجميع أن يقبل بنتاىج صندوق الإنتخاب، حتى لو لم تكن نتائجه متوافقة مع أفكاره أو رؤيته.
إن ضرورة عقد مؤتمر وطني للحوار السوري اليوم في هذا المفصل المهم من حيوات السوريين، ملح للغاية، حيث لا بد أن يشارك فيه وبين جنباته وعلى أساسه الجميع، أي جميع السوريين، بكل تلاوينهم السياسية والأيديولوجية، حتى لا نصل إلى حالة تشبه حالات أخرى مشابهة، كانت قد حصلت ثم انتكست، في أتون مسارات الربيع العربي المنجزة في بعض الساحالت العربية، وهو ما لا يتمناه أو يريده أي عاقل سوري اليوم في الواقع السوري الصعب، لأن السوريين جميعاً باتوا حريصون كل الحرص على أن يستمروا ضمن حالة العض بالنواجز على كل انتصارات ثورتهم، ثورة الحرية والكرامة.
وهم بالضرورة معنيون جميعاً بالتكاتف والعمل الجاد من أجل بناء سوريا الوطن الديمقراطي الحر الواحد الموحد، الذي يحتضنه الجميع، ومن ثم يفتح الأبواب على مصراعيها لكل من يريد المشاركة من السوريين، لأن سوريا دولة المواطنة، هي ملك للجميع، وتحتمل وتستوعب مشاركة الجميع.
المصدر: تلفزيون سوريا