أسامة القاضي
مر أربعة عشر عاماً منذ بدأت الثورة السورية، ولكن آثار مقتلة نظام الأسد المخلوع والقمع لا تزال محفورة في الوعي التاريخي للشعب السوري، بعد أن فقد أكثر من مليوني سوري حياتهم، ونزح قرابة 14 مليونا عن بيوتهم التي دمرها ونهبها الأسد وأعوانه، وتحولت البنية الأساسية للبلاد إلى أنقاض.
إن سوريا الجريحة تذكر المجتمع الدولي بحجم كارثة تأخر سقوط نظام الأسد الذي كانت إدارة الديمقراطيين وعلى رأسهم الرئيس السابق باراك أوباما الذي يعده معظم الشعب السوري مسؤولاً عن كل دماء السوريين التي باعها لقاء وهم الوصول إلى اتفاق نووي مع الدولة المارقة إيران، وأعجب من تسمية الحزب “ديمقراطي” وهو يبيع أعظم ثورة تحرر شعب على وجه الأرض، وتفوق بأهميتها الثورة الفرنسية، وخاصة بانتصارها سلمياً وسيادة السلم الأهلي والاستقرار وتحسن معيشة السوريين وانخفاض الأسعار وتحسن قيمة الليرة السورية بعد أقل من أسبوع على انتصارها في حين انتظرت فرنسا 70 عاماً حتى تقطف ثمرتها، واشتهر فيها المحامي ماكسيميان روبسبير (1758-1794) الذي لقب بسفاح الثورة فقد قتل أكثر من ستة آلاف شخص منهم في أقل من شهر ونصف، واقتادهم جميعاً إلى “المقصلة” التي فصلت رؤوسهم عن أجسادهم!.
كل السجون المفزعة والمقابر الجماعية ودمار سوريا بمنزلة تذكير صارخ بالكلفة البشرية للاستبداد والدكتاتورية، لقد حولت قبضة نظام الأسد على السلطة سوريا إلى كارثة إنسانية، وهي كارثة تجاوز حجمها الفظائع التي ارتكبتها الأنظمة النازية والفاشية. ويتعين على المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة، أن يسأل الآن: هل يمكن إعادة بناء سوريا، ليس فقط كدولة، بل كديمقراطية واقتصاد مزدهر، على غرار ألمانيا أو كوريا الجنوبية بعد الحرب؟.
إن الدمار في سوريا يوازي الظروف التي واجهتها أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية والحرب الكورية، ويذكر التاريخ أن الزعامة الأميركية أثبتت أنها محورية في التعافي والتنمية فقد قدمت خطة مارشال، التي قدمها وزير الخارجية الأميركي جورج مارشال، أكثر من 13 مليار دولار والتي تعادل 227 مليار دولار عام 2025! وذلك لإعادة بناء الاقتصادات الأوروبية، واستعادة البنية الأساسية، وتعزيز المؤسسات الديمقراطية، وعلى نحو مماثل، ساعدت زعامة الجنرال جيمس أ. فان فليت في أثناء الحرب الكورية بتمهيد الطريق لتحول كوريا الجنوبية من دولة مزقتها الحرب إلى قوة اقتصادية عالمية.
General James A. Van Fleet
إن سوريا تحتاج من الولايات المتحدة إلى التزام مماثل ــ خطة شاملة لا تعالج الاحتياجات الإنسانية الفورية فحسب، بل تضع أيضاً الأساس للتعافي الاقتصادي الطويل الأجل، والاستقرار السياسي، والمصالحة الاجتماعية.
إن الولايات المتحدة لديها الموارد والنفوذ والمسؤولية الأخلاقية اللازمة لقيادة مثل هذه المبادرة بالتعاون مع المملكة العربية السعودية التي تتطلع لبناء شرق أوسط جديد، إن دعم سوريا يتماشى مع القيم الأميركية في تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في حين يخدم المصالح الاستراتيجية في تعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط، إن سوريا المزدهرة والديمقراطية من شأنها أن تساعد على وقف انتشار التطرف الناجم عن اليأس والفقر.
إن مشروع إعادة الإعمار الاقتصادي استثمار ضخم في إعادة بناء البنية الأساسية والزراعة والصناعات في سوريا، وهذا من شأنه أن يخلق فرص العمل ويحفز النمو. إن سوريا تحتاج الولايات المتحدة مع بقية أصدقاء الشعب السوري وأشقائه العرب في التعليم وتنمية القوى العاملة، وبرامج لإعادة بناء المدارس وتدريب جيل من السوريين على المهارات اللازمة للاقتصاد الحديث، على غرار تركيز كوريا الجنوبية على التعليم الفني. كما تحتاج سوريا دعم المؤسسات التي تعزز سيادة القانون والعدالة والمساءلة، وتحتاج للإغاثة الفورية للاجئين والنازحين داخليا، إلى جانب خطة طويلة الأجل لإعادة التوطين والتكامل.
إن سوريا على مدى ستين عاماً من حكم حزب البعث وقيادة الأسد الأب والابن الذين دمروا سوريا وأهملوا استثمارها تعد حقاً بلداً عذراء لم يستثمر منه أكثر من 5% ، ومن خلال تولي زمام المبادرة في إعادة بناء سوريا، ستظهر الولايات المتحدة بالتعاون مع المملكة العربية السعودية الزعامة العالمية في معالجة واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية إلحاحاً في القرن الحادي والعشرين.
إن قصص النجاح التي حققتها ألمانيا وكوريا الجنوبية تثبت أن حتى الدول التي دمرتها الحرب يمكن أن تنهض من جديد بالدعم المناسب، وسوريا، بسكانها الصامدين وتراثها الثقافي الغني، لديها القدرة على السير على خطاهم ولكن هذا لا يمكن أن يحدث إلا من خلال اتخاذ إجراءات حاسمة من جانب المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة، ولعل أهم الخطوات العاجلة هي رفع العقوبات عن الدولة السورية وليس عن الكيانات والأفراد المتورطين في الدم السوري، ودخول الولايات المتحدة بوزنها لتدعم نهضة اقتصادية خارقة، تحاكي معجزة نهر الهانغانغ الكروية الجنوبية، التي ارتفعت صادراتها من 32 مليون دولار أميركي فقط في عام 1960، إلى 10 مليارات دولار أميركي في عام 1977 وبعدها إلى 683 مليار دولار أميركي في عام 2024!
ولولا الشراكة الخرافية للولايات المتحدة الأميركية مع فيتنام لم تحلم فيتنام أن تصدر 335 مليار دولار 2024!
the Miracle on the Hangang River
فهل تمتن الولايات المتحدة الشراكة مع سوريا وتضع يدها بيد المملكة العربية السعودية لينهضا باقتصاد سوريا وتعوض شعبها عما عاناه السوريون خلال ستة عقود من إجرام الأسد بحقهم وتكسب شريكاً جديداً مثل فيتنام أو كوريا الجنوبية؟ وكما حولت قيادة فان فليت كوريا، فإن الولايات المتحدة لديها الفرصة ــ والالتزام ــ لمساعدة سوريا على النهوض من الرماد، الآن هو الوقت التاريخي المناسب لتحرك الولايات المتحدة لتدعم سوريا والنهوض بثرواتها النفطية والغازية والصناعية والتكنولوجية.
المصدر: تلفزيون سوريا