خليل البطران
جاءت زيارة أحمد الشرع، رئيس الجمهورية العربية السورية، إلى إدلب، عفرين، حلب، اللاذقية وطرطوس لتُرسل رسائل سياسية هامة داخل سوريا وخارجها.
1. رسائل داخلية: توحيد سوريا من خلال إدلب
اختيار إدلب كمحطة بداية للزيارة كان ذا دلالة قوية. كونها آخر معاقل الثورة السورية، فإن إدلب تمثل نقطة انطلاق الثوار في معركة “ردع العدوان” لتحرير سوريا. تأكيد الشرع على أهمية إدلب يعكس التزام الحكومة السورية الجديدة بحماية جميع الأراضي السورية، ويظهر أن الثورة السورية كانت مكونًا أساسيًا في بناء الدولة الجديدة.
كما كانت زيارة المخيمات في إدلب بمثابة رسالة تطمينية للنازحين، مؤكدة أن إعادة تأهيل المدن وإعادتهم إليها بعد إعادة إعمارها ستكون أولوية بالنسبة للحكومة السورية.
وحدة الشعب السوري:
الزيارة تمثل خطوة هامة في إعادة بناء الثقة بين الحكومة والشعب، مع التأكيد على أن الحكومة السورية ستستمر في محاربة الفساد والانقسامات الطائفية والمناطقية التي خلفها النظام السابق. من خلال هذه الزيارة، تأكد الشعب السوري أن الحكومة ستعمل على تحسين أوضاعه في جميع المناطق دون تفرقة.
إعادة بناء الثقة مع المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة:
الحكومة السورية الجديدة تسعى لاستعادة الثقة في المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة، مثل إدلب وحلب، بما في ذلك تقديم دعم حكومي لتحقيق استقرار داخلي يعزز التنمية والإعمار، مع التركيز على مشاركة جميع مكونات الشعب في هذه العملية.
2. عفرين: رسالة وطنية شاملة
من إدلب، توجه أحمد الشرع إلى عفرين لتوجيه رسالة إلى قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والمجتمع الكردي في شمال سوريا. عفرين ستكون نموذجًا لتحرير مناطق أخرى مثل عين العرب والجزيرة السورية، حيث أكدت الحكومة أن سوريا الجديدة ستكون لكل السوريين دون تمييز.
3. حلب: نقطة التحول في الثورة السورية
حلب كانت نقطة تحول أساسية في تاريخ الثورة السورية. بعد تحريرها، أصبحت رمزًا لانتصار الثورة وساهمت بشكل كبير في رفع أسهمها، وعندما خسرها الثوار، تأثرت الثورة بشكل كبير وبدأت تتراجع. لكن بعد استعادتها في معركة “ردع العدوان”، فتحت الطريق لتحرير حماة، حمص، العاصمة دمشق، والجنوب السوري، لتكون بوابة هامة في استعادة الأراضي السورية.
4. اللاذقية وطرطوس: تفكيك الأساطير الطائفية
الزيارة إلى الساحل السوري كانت رسالة قوية تُدحض الأساطير التي روجها النظام السابق عن أن الساحل منطقة “محمية” للطائفة العلوية. استقبال أحمد الشرع في اللاذقية وطرطوس أكد أن الساحل جزء من سوريا الجديدة التي تضم جميع مكونات الشعب السوري.
5. رسائل خارجية: رسالة للمجتمع الدولي والقوى الإقليمية
الزيارة كانت محملة برسائل إلى القوى الإقليمية والدولية:
إلى تركيا: التأكيد على أن عفرين ستكون نقطة انطلاق لتحرير باقي المناطق الشرقية من سوريا. الحكومة السورية ستسعى لحل القضية الكردية ضمن إطار من الوحدة الوطنية بعيدًا عن التقسيمات العرقية.
إلى إيران: أن الساحل السوري هو أرض سورية ولن يتم التفريط فيه. سوريا الجديدة تحت قيادة الحكومة السورية ستسعى لتحقيق توازن في علاقاتها مع جيرانها وأصدقائها الدوليين، مع الحفاظ على استقلالها في اتخاذ القرارات الداخلية والخارجية.
إلى روسيا: أن القواعد العسكرية الروسية في سوريا تحت إدارة الحكومة السورية الجديدة، وليس تحت حكم النظام السابق. هذه الحكومة مستعدة للتنسيق المستمر مع روسيا في عملية إعادة الإعمار والعودة إلى الوضع الطبيعي، مع التأكيد على أهمية الشراكة الاستراتيجية.
إلى الغرب: تعزيز شرعية الحكومة السورية الجديدة:
زيارة أحمد الشرع تُرسل رسالة إلى الغرب بأن الحكومة السورية الجديدة تمتلك شرعية وطنية مستمدة من الشعب السوري، وتستحق الاعتراف الدولي والمساعدة في عملية الإعمار واستعادة الاستقرار، بعيدًا عن معايير الأنظمة السابقة. الغرب مدعو للتعاون مع هذه الحكومة لتحقيق السلام في المنطقة.
إلى المجتمع الدولي: إعمار سوريا يتطلب تكاتف الجميع:
الزيارة كانت أيضًا دعوة للمجتمع الدولي لتقديم الدعم الاقتصادي والإنساني، حيث أن إعادة إعمار سوريا لا يمكن أن تتحقق دون تعاون إقليمي ودولي. كما أن استقرار سوريا جزء أساسي من استقرار المنطقة بأكملها، والدعم الدولي مطلوب لتحقيق ذلك.
6. ظهور السيد أحمد الشرع في منطقة مفتوحة: تأكيد التحام الحكومة مع الشعب
ظهر السيد أحمد الشرع في منطقة مفتوحة دون أي خوف من محاولات اغتيال، مما يعكس التحام الحكومة السورية الجديدة مع الشعب السوري. هذا الظهور يثبت أن الشرع خرج من وسط الشعب، ومن هنا تأتي قوته وحمايته. كما أن هذه الزيارة تؤكد وفاء الشرع لإدلب وأهلها الذين احتضنوه طوال فترة الثورة السورية، مما يعكس التزام الحكومة السورية الجديدة بإعادة بناء الوطن والحفاظ على أواصر الوحدة الوطنية.
خاتمة: سوريا الجديدة ليست مجرد تسوية سياسية
زيارة أحمد الشرع كانت أكثر من مجرد خطوة دبلوماسية؛ كانت رسالة سياسية شاملة تعكس التزام الحكومة السورية الجديدة بإعادة بناء سوريا كدولة لجميع السوريين، وتحقيق وحدة وطنية بعيدا عن الطائفية والتقسيمات السابقة.