مع بدء جلساتِ اللجنةِ التحضيريةِ لمؤتمر الحوار الوطني المرتقب في المحافظات السورية، مع الفعاليات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعلمية، ومع جولة رئيس المرحلة الانتقالية السيد أحمد الشرع في بعض المحافظات، تزامناً مع حراك مجتمعي مدني بدأ بعضُه يتبلور في تيارات وتجمعات وهيئات، يشعر غالبية السوريين بأن قضيتهم الوطنية دخلت مرحلة جديدة، أو بدأت طوراً مختلفاً، تشعرهم بأهمية تكريس الحوار وتبادل الرأي والمشاركة السياسية بين مختلف القوى والمكونات نهجاً لبناء سورية الجديدة لكل أبنائها في مواجهة التحديات الكبرى التي تواجهها.
فبالرغم من العديد من الملاحظات على أداء السلطة الجديدة ونهجها في التعامل مع الطيف الوطني، وقضايا التمثيل والإنابة، إلا أنه في المقابل هناك ما يمكن تسجيلُه، بكل ثقة وإدراك، والمتمثل في حالة النهوض المجتمعي وعودة الحياة والحيوية على كافة المستويات، ما يجعلنا نكون معه على يقين بأن العودة للماضي أصبحت مستحيلة، وأن عجلة التاريخ دارت باتجاه المستقبل الذي يطمح له كافة السوريين.
نقول ذلك ونحن على دراية كاملة بكافة معوقات المرحلة، وتحدياتها؛ جراء تركة النظام البائد، وتدخل الخارج وإملاءاته وشروطه، التي تجعل السلطة الجديدة مغلولة، أو عاجزة، أمام المطالب الشعبية بخصوص بسط سلطتها على كافة أراضي سورية، وحاجات الداخل المنهك والمتعب مع استمرار بعض العقوبات الاقتصادية، وتعليق بعضها، التي يفترض أنها سقطت كلُّها وزالت مع سقوط النظام، ولكنها يبدو أنها سيفٌ مسلطٌ على رقاب الشعب والسلطة معاً لابتزازهما في قضايا تتعلق بالمكونات والطوائف والمرأة والعلاقة مع “إسرائيل” و…و…
إننا نأمل أن تتكامل الجهود، وفي أسرع ما يمكن، لبلورة مسارات المرحلة الانتقالية وبشكل واضح وبآجال زمنية محددة، تشمل جميع القوى والتيارات السياسية والأطر المدنية المجتمعية دون إقصاء لأي طرف أو مكون أو اتجاه، فتلك سياسات دمرت بنية المجتمع والدولة، وأنهكت الإنسان، ويفترض أنها انتهت بلا عودة.
نقول ذلك أمام بعض المشاهدات التي نحسبها في إطار مخاوف اللحظة الراهنة وصعوبات الانتقال من عهد إلى آخر، ونحسن الظن بأنها لن تكون سياسة متبعة أو نهجاً قادماً لأهل السلطة وأصحاب القرار.
في السياق ذاته نأمل أن تعطى قضايا الحالة المعيشية والاقتصادية المزرية للغالبية العظمى من أبناء سورية ما تستحق من اهتمام وتركيز من خلال خطط اقتصادية ومالية، تقوم أساساً على استثمار الإمكانات الذاتية والموارد المتوفرة قبل انتظار مساعدات الخارج ومعوناته على أهميتها لجهة إعادة الإعمار الشامل، من مثل إنشاء صندوق وطني للتنمية يشارك فيه الملايين من السوريين في المغتربات وبلاد اللجوء بثقة وأمان.
ذلك كله تماشياً مع العدالة الانتقالية المنتظرة، كشرط لابد منه لتحقيق السلم الأهلي وتوفير مقومات النهوض الاقتصادي وإعادة البناء.
إن الاهتمام بإرضاء الخارج ونيل ثقته لا تغني عن شرط الشرعية الشعبية والدستورية التي هي أساس كلِّ الشرعيات الأخرى، ولا غنى لنا عنها في مواجهة جبل الملفات والأزمات التي يجب فتحها ومعالجتها، وصولاً إلى دولة الحق والقانون ومجتمع العدل والمساواة.
نعم انطلق الحوار السوري، الذي هو بذاته إنجاز حقيقي، وفرصة كبيرة ليستمع السوريون بعضُهم لبعض وليقول كلٌّ ما لديه، بشفافية مطلقة ودون رهانات خاسرة، ويبقى الأمل معلقاً في أن تنتهي جلسات الحوار الوطني، الذي يأمل أن يكون شاملاً ومستوفياً لشروطه، بتوصيات ملزمة لأهل السلطة تضع سورية على عتبة المستقبل من خلال عقد اجتماعي جديد، ومبادئ دستورية تنظم الحياة العامة، وتضع أسس بناء دولة حديثة وعصرية، يطمح السوريون معها في أن تكون مستقرة وآمنة ومزدهرة.
إننا، ومن موقعنا الوطني ودورنا التاريخي في مقارعة الاستبداد وكشف الفساد، نأمل أن يكون الحوار بمنتهى الجدية ومفصلاً وشاملاً، وليس جلسات تعارف يُدعى إليها من يُدعى على عجل، ولأخذ الصور التذكارية، كما أشار بعض من حضروا في بعض المحافظات في نقدهم أو ملاحظاتهم، كل ذلك كي يؤسس للخطوة التالية المرتقبة التي عليها وبها يتحدد مستقبل سورية وشعبها.
كل خطوة باتجاه المستقبل محل اهتمام خارجي، وترقب وتفاعل داخلي، نأمل ونعمل مع الآخرين على أن تكون لسورية الجديدة، مغايرة، مختلفة تليق بتضحيات كل السوريين.
المصدر: موقع ملتقى العروبيين