خليل البطران
تشهد المناطق السورية مثل الحسكة والرقة ودير الزور (الجزيرة) حالة من الترقب والقلق حيال الاتفاقيات التي تُجرى في الخفاء بشأن استجرار النفط. ففي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وضغوط الجهات الغربية، تتداخل مفاوضات سرية مع صفقات النفط، ما يثير تساؤلات حول مبررات الحكومة وتوجسات الشعب الذي يخشى التهميش وفقدان حقوقه.
أولاً: اتفاقية استجرار النفط
أهمية النفط: يشكل النفط مصدرًا حيويًا للاقتصاد السوري، وتُعتبر الاتفاقيات المتعلقة باستجراره خطوة ضرورية في ظل الأزمة الاقتصادية. تُبرر الحكومة هذه الصفقات بأنها ضرورة لتأمين الاحتياجات الوطنية والوقاية من انهيار اقتصادي شامل.
اتفاقية أو صفقة النفط: يتحدث البعض عن صفقة قد تكون عبارة عن إعادة تفعيل اتفاقية قديمة، يتم بموجبها استغلال النفط من مناطق مثل الحسكة والرقة دون إشراك كافٍ للسكان المحليين في اتخاذ القرار. هذا الأمر يُثير جدلاً حول مدى شفافية تلك الصفقة وشروطها. الشيطان يكمن في التفاصيل، حيث يتساءل الشعب السوري، وخاصة في الحسكة والرقة ودير الزور، عن مآلات هذه الاتفاقيات، فيخشى الكثيرون أن تعطي هذه الصفقة “قسد” شرعية أكبر كقوة ذات ثقل سياسي ووطني، رغم أن الأغلبية العربية في المنطقة ما زالت تشعر بالظلم والتهميش من قبل هذه القوى، كما أن ممارسات “قسد” تشهد على تقييد حقوق الأغلبية العربية وتغييب صوتهم السياسي.
ثانياً: المفاوضات السرية ومبررات الحكومة
مبررات الحكومة:
الحاجة الاقتصادية والسياسية: تُشير الحكومة إلى أن التفاوض مع “قسد” يتيح استغلال النفط بشكل يضمن استمرارية الخدمات وتخفيف الضغوط الاقتصادية، التي تعاني منها الحكومة السورية في ظل الاقتصاد المدمر.
الضغوط الدولية: يأتي الضغط أساسًا من الجهات الغربية، حيث يُعتقد أن الولايات المتحدة وفرنسا ومن خلفهما أوروبا تسعى لإعادة صياغة مواقف المنطقة، ربما بهدف تفكيك نفوذ الفصائل القائمة وتوجيه العملية بما يخدم مصالحها الخاصة.
السرية في المفاوضات: تُجرى العملية في ظل غموض تام، ما يثير تساؤلات حول النقاط الأساسية التي يتم التفاوض عليها، مع “قسد” وكأنها هي التي تم تكليفها من أهل المحافظات الثلاث في هذه المهمة، دون مراعاة أنها سلطة أمر واقع، ولا تمثل إلا نفسها.
الشرعية المستقبلية: يرى البعض أن هذه الاتفاقية، حتى وإن كانت الحكومة مجبرة عليها، قد تعطي “قسد” نوعًا من الشرعية على المدى البعيد، خاصة إذا تم الاعتراف بها من قبل الحكومة. هذا الاعتراف قد يوفر “قسد” نقطة قوة في المفاوضات المستقبلية، ما قد يسهل لها الحصول على مزيد من النفوذ السياسي. من جهة أخرى، قد تمنح هذه الاتفاقيات الحكومة السورية مزيدًا من الفاعلية في المنطقة إذا كانت جزءًا من مسار سياسي أوسع يعترف بمصالح جميع الأطراف.
ثالثاً: توجسات الشعب: أهل الحسكة والرقة ودير الزور
القلق من التهميش: يشعر سكان هذه المناطق بأنهم قد يُحرمون من التمثيل الفعلي في الاتفاقيات التي ستحدد مستقبلهم السياسي والاقتصادي. فالخوف من أن تُبرم صفقة تخدم مصالح شريحة معينة، دون إشراك الأغلبية العربية.
الشك في الشفافية: يُثار تساؤل حول كيفية إجراء المفاوضات دون اطلاع أو مشاركة واضحة من أهالي الحسكة والرقة ودير الزور، وما إذا كانت هذه الاتفاقيات ستكرس واقعًا يُفضي إلى تقسيم سلطة غير متوازنة تُهمش الأصوات العربية.
المطالب الشعبية: يطالب السكان بمعرفة المبادئ الثابتة لهذه المفاوضات، وضمان أن تبقى وحدة سوريا محفوظة دون أن تكون هناك تقسيمات فدرالية أو إقليميّة تخدم مصالح الأقليات على حساب الأغلبية.
الواقع الحالي في مناطق سيطرة قسد: انتهاكات حقوق الإنسان والإجراءات المتناقضة
الواقع في مناطق سيطرة “قسد” يشهد انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، أبرزها ما يتعلق بالتجنيد القسري للأطفال وتغييب العديد من القاصرين عن أسرهم. من بين الحالات المؤلمة، هناك شاب اسمه “عدي عدنان العلي”، الذي تم توقيفه في الحسكة بعد رفعه علم الجمهورية العربية السورية. وقد تم إطلاق النار عليه من قبل قوات “قسد” ثم احتجازه بشكل غير قانوني، ومنذ ذلك الحين، لا يعرف أحد مصيره، سواء كان حيًا أم تم تصفيته. هذه الحادثة تُمثل جزءًا من سلسلة الانتهاكات المتواصلة بحق المواطنين، ويظل مصير المعتقلين والمختفين قسريًا غامضًا.
رابعاً: الدور التركي والضغوط الغربية
موقف تركيا المتردد: بينما تُعرف تركيا بصراخها ومواقفها الحادة، فإن سكوتها في هذه المرحلة يشير إلى احتمال انتظاره لتعليمات عليا أو حتى تفاهمات سرية مع الولايات المتحدة حول مستقبل الصفقة. هذا السكوت يُثير تساؤلات حول مدى رضا تركيا عن ما يجري، وهل ستتدخل بشكل مباشر لتوجيه النتائج بما يخدم مصالحها.
الضغوط الغربية: تأتي الضغوط من جهات مثل الولايات المتحدة وفرنسا وأوروبا، مما يجعل العملية التفاوضية تتداخل مع مصالح جيوسياسية لا تعكس دائمًا إرادة الشعوب المحلية. هذا الواقع يُزيد من مخاوف السكان من أن تُفرض عليهم حلولاً لا تأخذ بعين الاعتبار واقعهم الديموغرافي والسياسي.
خامساً: دعوة إلى الشفافية والمشاركة الشعبية
ضرورة المصارحة: يجب على الحكومة السورية أن تصارح الشعب بكل تفاصيل هذه المفاوضات، وأن توضح المبادئ الثابتة التي تقوم عليها الاتفاقيات، لضمان عدم تحييد مصالح الأغلبية العربية.
التمثيل الحقيقي: من الضروري إشراك كافة الأطراف، خاصة سكان الحسكة والرقة ودير الزور، في صياغة الاتفاقيات التي ستحدد مستقبل المنطقة. إن التمثيل السياسي العادل هو الضمان الأساسي لاستمرار وحدة سوريا وتحقيق مطالب الشعب.
سادساً: مخاوف أهل الجزيرة من التهميش
في ظل الضبابية التي تسيطر على المفاوضات بين حكومة دمشق و”قسد” والسكوت التركي، يبقى هناك حالة من القلق المستمر بين أهل الجزيرة السورية. هذا القلق مبرر، حيث يخشى المواطنون من أن يصبحوا ضحية تفاهمات سياسية تؤدي بشكل أو بآخر إلى إنشاء حكم ذاتي أو إدارة ذاتية أو حتى لامركزية تكون “قسد” المسيطرة فيها. هذه السيناريوهات تؤدي إلى تهميش جديد لمناطق مثل الحسكة ودير الزور والرقة، ما يفاقم الشعور بالغبن ويزيد من التوترات المحلية.
التهميش السياسي والديموغرافي: تُظهر هذه المخاوف أن سكان الجزيرة ليسوا فقط في مواجهة سيطرة “قسد”، ولكنهم يخشون من أن تصبح المنطقة مركزًا لإدارة تقودها قوى خارجية أو فصائل محلية لا تعكس الواقع الديموغرافي والتاريخي. إذا تحقق هذا، قد يُعزز ذلك وضعًا يتسبب في مزيد من الفجوات السياسية ويزيد من التوترات بين المكونات السورية المختلفة.
الخاتمة
في ظل التقاطعات بين استجرار النفط والمفاوضات السرية، يبرز التحدي الأكبر في كيفية ضمان أن تكون هذه الاتفاقيات شفافة وعادلة، وتخدم مصالح جميع السوريين دون استثناء. يبقى السؤال المطروح: هل ستُجبر الضغوط الدولية والسياسات السرية على تهميش الأغلبية العربية، أم أن الحوار المفتوح والتمثيل العادل سيصنعان مستقبلاً مشتركاً يحافظ على وحدة سوريا وكرامة شعبها؟