تعتبر مسألة المقاتلين الأجانب في سوريا واحدة من أكبر العقبات أمام حل “عقدة إدلب” باعتبارها إحدى دعامات “جبهة “النصرة” وسبب تماسكها.
وإذ يكشف مصدر في التحالف الدولي للقضاء على ““داعش””, أن عدد المقاتلين الأسرى من التنظيم وعوائلهم في منطقة سيطرة التحالف في سوريا دون العراق يبلغ نحو 600 شخص, تبقى الأرقام غير واضحة في منطقة سيطرة فصائل المعارضة في درع الفرات. ذلك أنه بالإضافة إلى تكتم كل فصيل عن أعداد الأسرى لديه، فإن غياب مركزية أمنية وعسكرية حقيقة تمتلك إحصاءات وبيانات شاملة يجعل المهمة شبه مستحيلة. ولكن تذهب بعض التقديرات المحلية إلى القول إن إجمالي الأسرى وذويهم يعدون قرابة 300 شخص، وهم موزعون على مراكز الاحتجاز الأمنية ومراكز إقامة وإيواء العوائل التابعة لفصائل “درع الفرات”.
وبحسب المصدر نفسه, تقدر أعداد العائدين إلى بلدانهم من مقاتلي ““داعش”” بقرابة أربعة آلاف شخص، وهو الرقم الأقرب لما يمكن مقاطعته مع بعض التقارير الأمنية والتصريحات الرسمية للبلدان المصدرة للمقاتلين.
وحالياً ترفض 86 دولة ينحدر منها ما صار يعرف بـ”شعوب تنظيم “داعش” عودة أبنائها الذين قاتلوا في بؤر التوتر كـ سوريا والعراق وبشكل أقل في ليبيا. فتلك يكاد ينحصر المقاتلون الأجانب فيها على دول الجوار وخصوصاً تونس ومصر ولا يتجاوز عددهم العشرات.
واعتقلت الدول الأساسية المصدرة لمقاتلي التنظيم مئات العائدين فيما يخضع آلاف آخرون إلى مراقبة شديدة، لكن الخوف الأكبر يظل من الأطفال الذين تتلمذوا لدى جيش “أشبال الخلافة” وغسلت عقولهم وتربوا على تكفير كل مجتمع ليس مجتمع الخلافة.
غالبية المقاتلين الأجانب من الجمهوريات الروسية من شيشان وطاجيك وأوزبك يشكلون قرابة الثلث، والحال أنه في إدلب لا يوجد إحصاء دقيق لعدد لهؤلاء، لكن يقدر وجود أكثر من سبعة آلاف مع عوائلهم، وهو رقم ليس بالقليل. وبعكس الشائع، بأن التركستان (الإيغور الصينيون) هم أكبر كتل” المهاجرين”, تتحدر غالبية المقاتلين الأجانب من الجمهوريات الروسية من شيشان وطاجيك وأوزبك يشكلون قرابة ثلث المقاتلين الأجانب لكن ذلك الانطباع تشكل بسبب هجرة “الإيغور” منذ البداية كـ عوائل كاملة، وتمركزهم في مناطق محددة شكلت حالة مجتمعية واضحة منغلقة على نفسها وتحديداً في قرى جسر الشغور بريف إدلب الغربي.
وبعد انشقاق بعض المبايعين لتنظيم “القاعدة” عن “تحرير الشام” وتشكيلهم “حراس الدين”، انحصر وجود المقاتلين الأجانب في أربعة تنظيمات في إدلب هي:
1- الحزب الإسلامي التركستاني (الإيغور)، والذي نأى بنفسه عن أي عمليات اقتتال داخلي بين الفصائل.
2- كتيبة “الإمام البخاري” الأوزبكية أصغر فصائل “المهاجرين”, ولكنها صنفت على لوائح الإرهاب الأمريكية في آذار (مارس) الماضي بسبب قتالها إلى جانب “جبهة “النصرة””، وقد اغتيل قائدها، صلاح الدين الأوزبكي بعملية نفذها أحد مرافقيه الموالين لتنظيم “داعش” شهر نيسان (أبريل) 2017.
3- تنظيم “حراس الدين”: ويضم أعداداً متنوعة من المقاتلين الأجانب بعضهم فر من مناطق “داعش”، وآخرون انشقوا عن ““النصرة”” وشكلوا “جيش البادية”، وبقايا تنظيم “جند الأقصى” و”جند الملاحم”، و”جيش الساحل” ، ويغلب على قيادته العناصر الأردنيون، مثل ” إياد الطوباسي” الملقب بـ”أبو جليبيب”, وهو ليس إلا صهر أبو مصعب الزرقاوي، بالإضافة إليه, هناك بلال خريسات المعروف بـ”أبو خديجة الأردني” وهو القائد الأمني والشرعي “لجبهة “النصرة”” في جنوب سوريا, ومحمد سليم الخطيب المعروف باسم “أبو حسين الأردني” والذي شغل منصب قائد “جيش “النصرة”” أو “القوة المركزية” فيها سابقاً, والشرعي العام السابق لجبهة “النصرة” سامي العريدي. ويبارك التنظيم الجديد أبرز منظري السلفية الجهادية الفلسطيني الأردني عصام البرقاوي الملقب بـ”أبو محمد المقدسي”. ويبايع تنظيم القاعدة بقيادة أيمن الظواهري.
وتضم هيئة ” تحرير الشام” العدد الأكبر من المقاتلين الأجانب بعد انحسار دور “داعش” في سوريا والعراق، وتحتكر المقاتلين الآسيويين ومقاتلي الخليج العربي وأفريقيا وبعض الأوروبيين, علماً أن المقاتلين العرب, وتحديداً المصريين يحتلون مكاناً متقدماً في التنظيم.
وفي سياق الضغط الكبير الذي يمارس على “جبهة “النصرة”” من قبل تركيا و “الجبهة الوطنية للتحرير” بهدف حَل نفسها واندماجها ضمن الأخيرة ونزع الحجة الروسية بمحاربة الإرهاب، يعود إلى الواجهة المقاتلون الأجانب و”مجتمعهم” الذي أنشؤوه على ضفاف المجتمعات السورية.
ففي إطار الحديث عن حل التنظيم لنفسه واندماجه مع بقية الفصائل لا يمكن إغفال تلك الأعداد الكبيرة من المقاتلين الأجانب أو المهاجرين، وعائلاتهم لا سيما وأن المشكلة الأعمق تتعلق بترسيخهم لتيارات السلفية الجهادية شمال غرب البلاد.
فشرط حل “جبهة النصرة” لنفسها من دون تقديم ضمانات دولية تحفظ حياة المقاتلين وسلامتهم في بلدانهم لن يجدي نفعاً، خصوصاً وأن تجريمهم دولياً بصفتهم إرهابيين سهل وقائم بحسب قرار مجلس الأمن 2178 الصادر في 24/09/2014. لذلك فإن إخراجهم من سوريا سالمين، يحتاج تحركا سياسياً حثيثاً ومبادرة جدية حيث تتحمل المعارضة السياسية جزءا من المسؤولية فيها. فاستمرارها بتجاهل قضية المقاتلين الأجانب، أو “المهاجرين” وصمتها المطبق حيالهم حمل الثورة السورية عبئاً كبيراً، بحيث كانت وحشية السلفية الجهادية سبباً للانفضاض عن الثورة ووقف دعمها السياسي والعسكري.
وجود “مقاتلين أجانب” هو واحد من جملة أسباب تخفف من احتمال عملية عسكرية كبيرة للنظام في إدلب.
ومعلوم أن وجود “مقاتلين أجانب” هو واحد من جملة أسباب تخفف من احتمال عملية عسكرية كبيرة للنظام في إدلب، وستوكل موسكو حليفتها أنقرة لحل “عقدة إدلب” في فترة زمنية غير قصيرة، وربما تتشارك دول الاتحاد الأوروبي والدول المصدرة للمقاتلين هذه الرغبة.
لكن الصحيح أيضاً أن أية عملية عسكرية في إدلب، مهما كان حجمها ومن يقف وراءها تشكل تهديداً مباشراً على أمن تركيا والاتحاد الأوروبي معاً. فمن الذي يضمن عدم تدفق الآلاف من التكفيريين بين مئات آلاف مِن اللاجئين الجدد إلى تركيا؟ أوليس هؤلاء تهديداً كبيراً لتركيا وأمنها، وهو خطر لا ترغب به أنقرة بعد عملية “درع الفرات” ضد تنظيم “داعش”، و”غصن الزيتون” في عفرين ضد وحدات “حماية الشعب” الكردية.
ولا يفوت المتتبع لعمل “التحالف الدولي” أن يلحظ سياق العمليات ضد “داعش” وكيف أن هدفها هو القتل أولاً، والقتل ثانياً. فالهدف هو القضاء على مقاتلي التنظيم وعدم اتخاذهم كأسرى ثم تحمل عبء بقائهم قنابل موقوتة.
وفي جردة حساب تقريبية للبلدان المصدرة، يمكن إدراك صعوبة التعامل مع هذا الملف. فدول القوقاز الموالية لموسكو لن تقبل عودة أي من مواطنيها الذين وسموا بصفة “الإرهاب” وسيلاقي هؤلاء مصيرهم السيء، والصين أساساً تمارس حملات اعتقال وإعدامات مستمرة بحق أكثر من أربعين مليون مسلم ولن تقبل بعودة هؤلاء بأي حال من الأحوال. وحدها تركيا، يمكن أن تتدخل من أجل إجلاء الأقلية الإيغورية، وربما إعادة دمجها ضمن جاليات التركستان الهاربة من إقليم سنجان (تركستان الشرقية) والتي تتمتع بالحماية المؤقتة بوصفها جزء من الأمة التركية.
أما نحن السوريون، فربما حان الوقت لنا وفيما نتداول مصير إدلب أن نعي وندرك خطورة ملف “المقاتلين الأجانب” وربما نبدأ بمفاوضاتنا حوله. فهؤلاء هم بيادق المحادثات في لعبة الشطرنج الدولية، حيث الحكومات تمنح الأولوية لإبعاد خطرهم عن بلدانها ومنع عبورهم إليها، وليس سلامة أربعة ملايين سوري في إدلب.