بعد خفوت صوت السوريين منذ أن تدخل الروس منقذين لحكم الأسد أواخر 2015، عاد من جديد نبض الثورة إلى الشارع السوري، مُتزامناً مع التهديدات الثنائية المتمثلة في نظامي الأسد والروسي معاً، لاجتياح مدينة إدلب عسكرياً، التي تعد المعقل السوري الأخير للثوار والمعارضة، خرجت جموع السوريين في جمعة تلت سابقتها “خيارنا المقاومة ” إلى جمعة بتاريخ 14-9-2018 تحت عنوان ” لا بديل عن اسقاط نظام الأسد ” حيث انطلقت في عدة مناطق إلى أن تجاوز عددها 150 نقطة ، مرددةً الشعارات والنداءات لإحياءً روح الثورة والمقاومة الشعبية، فملأت الأرض بعدالتها وأحقّيتها ضدّ نظام شمولي ، تسلّطي واستبدادي، قاتل الشعب ومجرم الحرب، ومما لا شك فيه أنّ ما حدث في سورية لا يجهله أحد ، وكيف استخدم بحقِّ الشعب كلّ صنوف الإجرام التقليدي والكيميائي ، فمنْ قُتل قتل ومنْ اعتقل اعتقل ، بالإضافة إلى من شُرّدَ وهُجّر قسراً، و المحصلة هي تمزّق النسيج المجتمعي وضياع هويته ، كل ذلك وأكثر لا يمكن تجاوزه وطي صفحاته ، ولا يمكن أن تمضي عجلة الزمن وكأنّ شيئاً لم يكن ، ثأر الشعب السوري على جلّاده مازال قائماً وحاضراً، ونتائج الثورة لم تُؤتِ أُكلها بعد ، لأن النتائج المرجوّة والمأمولة تكون بزوال أسباب الثورة وتحقيق مطالبها في الحرية والكرامة ، وإدانة جميع التسويات والمصالحات مع النظام وحلفائه ، لن نصالح ولن نسامح كلّ من تلوثت يداه بدماء السوريين ، فنحن على العهد باقون ، وعلى الرغم من فشل قمة طهران التي جمعت رؤساء الدول الثلاث ( تركيا ، روسيا ، إيران ) والتي انعقدت في 7 / أيلول استكمالاً لاتفاق أستانة ، للوصول إلى مخرجات وتفاهمات بشأن الملف السوري _إدلب ، إلّا أنّ الهجوم العسكري قيد التجهيز والإعداد للتنفيذ (لا محالة ) ، ومسألة تأجيل الهجوم جاء بناءً على ضغط من الدول الأوروبية بما فيها تركيا ، فكارثة التهجير السكاني إثر الهجوم على ادلب ، يسبب قلقاً ومأزقاً بالنسبة لدول أوروبا وتركيا ، خصوصاً ما شهدته تركيا في الآونة الأخيرة من هبوط الليرة مقابل الدولار الأمريكي ، وفي ختام القمة أخذت تركيا على عاتقها حلّ التنظيمات غير المعتدلة وفصلها عن ثوار إدلب ، لكن تكمن خطورة هذا الفعل في انخراط تلك التنظيمات مع المدنيين ، وبالتالي ستكون الخطوات التركية القادمة في إدلب ،هي توجيه ضربات محدودة على مواقع هيئة تحرير الشام ( النصرة سابقاً) بالتعاون مع الجبهة الوطنية للتحرير المدعومة من تركيا ، الحَكم هنا هو اللعب على عامل الزمن ، وصرحت تركيا مرات عديدة بأنها تريد الحفاظ على مكانتها في قلوب السوريين ، كونها المخلص الإقليمي والاستراتيجي الوحيد ، أما بالنسبة للنظيرين الروسي والإيراني فقد بدا أنهما متفقين على عودة كامل الأراضي السورية تحت سلطة الأسد ، وفي الطرف الآخر بدت مساعي المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا جارية على قدم وساق وذلك في اجتماعاته مع المجموعة المصغرة والتي ضمت دول عربية وغربية ، لبحث آلية وصياغة الدستور السوري الجديد .
في النهاية ومع جملة الاحداث المتسارعة التي تُحيق بالوضع السوري عامة، وما آلت إليه الثورة السورية خاصة، نخلص إلى القول إنّ كل تدخلات الدول جاءت بشكل احتلال وشبه احتلال سواء بما وافق نظام الأسد أو خالفه، وعلى ضوء تباين المصالح وتقاطعها، لم يبق أمام السوريين ولا بديل عن (المقاومة الشعبية).