ادلب وبعد كل هذه التجاذبات الإقليمية والدولية حولها والتخوفات من حرب عليها، وإمكانية تأجيل المعركة، ومن ثم هذا الاهتمام الدولي غير المسبوق، وبعد حالة التماسك الاجتماعي الشعبي التي شهدتها خلال الأيام الأخيرة، وانطلاق أنساق جديدة للعمل المدني والمقاومة الشعبية؟ مازال الكثير من المتابعين يتساءلون: هل ستكون ادلب نقطة تحول؟ أم نهاية دامية وحزينة؟ يأتي هذا التساؤل ضمن سياقات للأحداث تضع الاهتمام بمصير ادلب، من الأهمية بمكان بحيث دفع الروس، إلى التراجع النسبي، تحسبًا لما لا يحمد عقباه، خاصة بعد تأكيدات دولية من أن النظام قد أصدر أوامره بالفعل باستخدام الكيماوي.
عن كل ذلك وحوله وقفت جيرون مع بعض السياسيين والباحثين لترى آراءهم، في إمكانية أن تكون ادلب نقطة تحول بحق، أم أن المصير الدامي مازال يلاحقها.
الأستاذ حازم لطفي معاون وزير الإدارة المحلية السابق في الحكومة المؤقتة قال:
” ان للتجاذبات الإقليمية والدولية الأثر الكبير في إضعاف مسار الثورة السورية مما أدى إلى خسارات متعددة بدءاً من حلب وصولاً إلى درعا، والتباعد الأمريكي التركي أدى إلى سيطرة مسار استانة والحلف الثلاثي المكون له على المستوى التكتيكي. والوضع في إدلب يختلف عن المناطق السابقة نظراً للامتداد الجيوسياسي التركي، حيث يلعب التركي دور الشريك في مسار أستانة وبذات الوقت، يعتبر الداعم الرئيسي للثورة السورية بالإضافة إلى أنه يهتم بحماية مصالحه في هذه المنطقة، أما التناقض بالمصالح بين مسار استانة ومصالح الشريك التركي سيؤدي إلى وجود مساحة دولية وإقليمية ممكنة للتأثير والتغيير لصالح الثورة السورية، وبالتالي الحفاظ على ما تبقى من المناطق المحررة في اللاذقية وحماة وإدلب وحلب، ولأن الثورة مازالت تتمتع بالحيوية الكامنة فإن الأحرار في داخل سورية استجابت سريعاً لهذه المساحة المتاحة من التغيير وأطلقت صيحات الحرية من جديد عبر تظاهرات حاشدة أوقدت أملاً جديداً، وسنشهد خلال الأيام والأسابيع المقبلة بعون الله استجابة لهذه الصيحات من الجاليات السورية الحرة حول العالم والتي اعتراها بعض الوهن خلال الفترات الأخيرة بسبب ضياع البوصلة السياسية الوطنية وبسبب الخلافات المحلية المتكررة”. وأضاف لطفي ” سنشهد استجابة من الدول الصديقة للثورة السورية التي هدأ حراكها السياسي والدبلوماسي الداعم خلال فترات الهزائم المتتالية على صعيد انحسار الأرض المحررة، سنشهد استجابة لصوت الأحرار في ادلب والمناطق المحررة وستعيد الثورة سيرتها الأولى، مما سيؤدي إلى حراك سياسي جديد وأوراق ضغط جديدة ستصب في مصلحة الثورة السورية ومشوارها الصعب في تحقيق الحرية والعدالة”.
أما المحامي موسى الهايس رئيس المنظمة العربية لحقوق الانسان في سورية أكد لجيرون أنه ” في ادلب لم تجر الرياح كما أراد لها الضامن الروسي وكما اعتاد أن يسيرها وفق مخططاته فالكم الكبير من الثوار وأسرهم الذين تم ترحيلهم من بقية المحافظات والمدن السورية، التي كانت مسرحًا لخفض التصعيد، أدركوا كذب الضامن الروسي وعدم التزامه بتعهداته لهم في المناطق التي أُخرجوا منها ، بل أصبحت مسرحًا للنظام وأجهزته التي نكثت كل العهود التي ضمنها الطرف الروسي، فلا يخفى على أحد عمليات التصفية والقتل لضباط ومدنيين من درعا وحمص وبقية مناطق ما يسمى خفض التصعيد. وبالتالي فإن السوريين من أهل ادلب وإخوتهم المهجرين من بقية المناطق أدركوا أن لا مخرج لهم هذه المرة إلا بالصمود على أرضهم والدفاع عن أعراضهم، ومهما كان الثمن، مستفيدين من وضع ادلب اللوجستي بحكم الجوار التركي الداعم لهذا الصمود، والمدافع عنه بالرغم من الضغوط الروسية والايرانية التي تختلق الذرائع والمبررات للنظام لاجتياح ادلب “. وقد رأى الهايس أنه ” لا يمكن الركون إلى الوعود الدولية والاطمئنان لقرارات مجلس الأمن فالتصريحات متضاربة والحديث عن التحذير من عملية واسعة النطاق يدل عن إمكانية القيام بعملية تجميلية تستهدف مواقع جبهة النصرة ، وهناك كلام لدى البعض عن عمليات محدودة أشبه بعملية قيصيرية .كما أن كلام الروس عن الخطر الذي يهدد قاعدة حميميم بواسطة الطائرات المسيرة القادمة من ادلب يوحي بنية الروس بالتحايل على الاجماع الدولي، بالقيام بغارات جوية بين الفينة والأخرى تستهدف بها البنى التحتية في ادلب بذريعة الارهاب ” ولكنه وجد أيضًا أنه ” في الوقت الذي يفتقد فيه السوريون الضمانة الدولية الصادقة تبقى المسؤولية الأهم على سكان المدينة ومؤسساتها المحلية إن أرادوا المحافظة على مدينتهم من التدمير، وإبعاد شبح التهجير بالتعاون مع جميع الوافدين من المدن الأخرى، بانتزاع قرارهم وتنظيم مجتمعهم بعيدًا عن الفصائلية، لسحب ذريعة الارهاب التي ما فتيء الروس والنظام يرددونها . وقد شاهدنا بوادر هذا التنظيم والتلاحم خلال الأيام الماضية، ونأمل أن يكون نهجًا دائمًا يجنب ادلب الكارثة التي حلت بسابقاتها من المدن السورية”.
رضوان الأطرش الناشط ورئيس الهيئة السياسية السابق في ادلب قال” الحقيقة إن ما شهدته ادلب في الأيام الاخيرة وخاصة بعد استقبالها لمهجري درعا والقنيطرة، باتت هي الحاضنة الوحيدة للثورة وباتت محط أنظار الجميع إليها، وخلال الأسابيع الماضية باتت التهديدات الأسدية والروسية واضحة، حتى وصلت للتلميح باستخدام الكيماوي. كل ذلك ترافق مع حراك شعبي أعاد للثورة روحها وهدفها الأول، وأثبت تماسك الحاضنة مع الثورة والتي لعبت عليها روسيا تحت بند المصالحات الوطنية كمحاولة منها لاختراق الصف، وما شهدته ادلب أيضًا بعد انعقاد جلسات لمجلس الأمن بخصوصها، والجلسة الأخيرة حيث تباينت مواقف الدول حيالها، وكانت هناك مواقف ايجابية جدًا من بعض الدول والتي أكدت على أن الثورة في ادلب شعبية، ومسألة الارهاب نسبية، ويستوجب ذلك حماية المدنيين وتجنيبهم ويلات حرب التي يهدد بها النظام وحلفاءه “. الأطرش أشار إلى أنه “ وأمام كل ما سبق نعتقد أن ادلب ستكون هي نقطة تحول في مسار الثورة وبداية للانتقال السياسي وفق القرارات الدولية ذات الصلة بعد حل بعض المسائل العالقة ومنها حل مشكلة الفصائل المصنفة، وهناك إشارات لتكليف الدولة التركية بحل هذا الملف ضمن جدول زمني متفق عليه بين الدول “.
المعارضة السورية مرح بقاعي أكدت لجيرون “ لن تقع معركة كبرى في إدلب على أغلب تقدير. كل هذا التجييش السياسي والحربي والإعلامي لتقول روسيا إني عدت قوة عظمى يحسب لها حساب، والولايات المتحدة لتجد لها مبررًا مشروعًا للبقاء في سورية وحراسة العراق عن قرب. أما إيران فمصيرها محسوم في سورية، ولهذا سيخلع عملاؤها اللباس العسكري ليرتدوا القمصان البيض، وربطات عنق رجال الأعمال استعدادًا للاستثمار في إعادة الإعمار وتعويض الانهيارات المالية في طهران”.
أما الناشط السوري عزت محيسن فله رأي مختلف فاكتفى بالقول ” ادلب ستكون نقطة اشتباك مفتوحة ومعركة طويلة وستعيد التذكير ببدايات الثورة، في النهاية العملية اعادة تأهيل النظام عسكريا من خلال سيطرته على أكبر مساحة ممكنة من الأرض السورية”.
بينما قال الدكتور أحمد الجباعي ” أرى أنه لن تكون نقطة تحول، بل سيتم إغلاق الملف حسب التفاهمات الدولية”.
المصدر: جيرون