تشغل أوساط المعارضة خارج إطار الأجسام السياسية المتبقية أسئلة سياسية كثيرة، على خلفية شعور منتشر بتحول أجسام المعارضة إلى منتديات خاصة مغلقة تدافع عن مصالح أصحابها تكاد تنسى أن ثمة قضية وجدوا من أجلها، وبوجود فراغ سياسي قاتل يجب أن يتم ملؤه. تثور نقاشات كثيرة الأيام، وتعقد اجتماعات متزايدة في محاولة للوصول إلى صيغة بديلة.
ليس ثمة سؤال واحد يمكن أن تؤدي الإجابة عنه إلى التوصل إلى صيغة يمكن أن تنشأ جسماً تنظيمياً سياسياً ما، ثمة أسئلة مثل: مالبدائل التي نريدها؟ ما هو متاح منها؟ وهل يجب أن تكون مهمة الجسم الجديد منافسة الأجسام القائمة؟ أم تكوين مظلة سياسية جامعة بديلة؟ أم يجب أن تكون مهمته هي مواجهة توجهات الأجسام السياسية الراهنة التي لا يوافق عليها؟ أم مهمتها الحفاظ على الخط السياسي الثوري؟ وكيف يمكن لها أن تحقق هدفها؟ هل هي محتاجة إلى اعتراف دولي من نوع ما؟ هل تقتصر على اعتراف داخلي؟ كيف يمكن أن تحقق أيا من هذين الاعترافين؟ هل ستعتمد في تكوينها على رمزية شخصيات سياسية لها تاريخ طويل في النضال ضد نظام الأسد في صفوفها لتكوِّن مصداقية لها؟ أم أنها ستعتمد على قدرتها على التعبئة والإنجاز والخروج من لعبة الدوائر المغلقة في المعارضة وتكرارها في الأجسام السياسية؟ هل هي بحاجة لكي تلعب دوراً مؤثراً أن تكون معتمده على جذورها الاجتماعية وقدرتها على التمدد داخل المجتمع السوري والتعبير عنه؟ أم على قدرتها علىى التعاطي مع السياسات الدولية والقدرة فرض نفسها كنخبة سياسية يصعب تجاوز مواقفها لأنها ذات تأثير يصعب تجاهله؟
وهل يحتاج أي تنظيم جديد إلى أيديولوجيا سياسية جديدة؟ أم يحتاج إلى برنامج سياسي ويكتفي بالمقولات الأساسية للثورة السورية ويندرج فيها؟ وكيف يمكن استيعاب الاختلاف في مثل هذه الحال؟ هل يحتاج إلى تجاوز الخلاف حول قضايا أساسية تواجه السوريين المؤيدين للثورة وتأجيلها إلى حين إنجاز أهداف التنظيم الأساسية؟ وفي حال تم تأسيس أيديولوجيا جديدة، ما هي طبيعة هذه الأيديولوجيا؟ هل هي أيديولوجيا من تلك التي خبرتها سوريا قبل الثورة؟ أم هي جديدة؟ وإذا كانت جديدة فما هي؟ ومن هم حاملها الاجتماعي؟ هل هم نخبة (أرستقراطية فيما لو كان ليبراليا)؟ أم هم الطبقات المسحوقة (من الشعب السوري الذي لم يعد كذلك؟!) التي لا يسمع أحد صوتها إلا وقت ما يريد؟ أم هم كل طبقات المجتمع؟ وفي هذه الحال هل يستهدف التنظيم الموالين للنظام؟ ما هو المجال الجغرافي الذي سيكون حيز عمله؟ هل سيقوم على أساس تمثليي؟ أم على أساس جغرافي؟
هل المطلوب أن يكون تنظيماً حزباً؟ أم المطلوب أن يكون تنظيماً على شكل حركة؟ أو على شكل تيار؟ أو على شكل تحالف؟ أي نوع من التحالف سيكون؟ ومن هي مكونات التحالف؟ وهل هنالك ما يمكن البناء عليه ليكون هنالك تحالف؟ ما هو الهيكل التنظيمي اللازم لتجاوز الأزمة التنظيمية في التنظيمات والأحزاب التقليدية وخلق حركة دم من القاعدة للقمة؟ كيف يمكن الحفاظ على استمرار حركة التنظيم واستمرار قدرة التنظيم على التأثير على أعضائه؟ كيف يضمن عدم تهميشهم؟ وكيف يضمن خلق رابطة فكرية ونفسية مع التنظيم الجديد؟ كيف يحول أعضاءه إلى مؤثرين؟ ما هي النشاطات التي تضمن ذلك؟ من سيمولها؟ بل كيف سيمول الحزب نفسه؟ هل سيعتمد على “رجال أعمال سوريين”؟ من هم؟ هل يوجد رجال أعمال لديهم الرغبة في تمويل حزب سياسي في مثل هذه الظروف؟ ما هو التنظيم الجذاب لمثل هذا التمويل؟ أم سيمول التنظيم نفسه عبر اشتراكات أتباعه؟ من يمكن في داخل الأراضي السورية دفع اشتراك عضوية في هذه الأيام وهو لا يجد ما يقيه البرد؟ ما الذي يجذبه للعمل السياسي والانفاق وهو يعاني أسوأ الظروف التي تجعل استمرار وجوده ذاته قابلاً للشك والاحتمالات؟
هل تنتظر لكي تنضج الظروف وتعمل تنظيمياً على المدى الطويل إلى أن يحدث ذلك؟ ما هو حد هذا المدى الطويل؟ وما مفهوم “النضج” اللازم للظروف هذا؟
هل توجد نخبة الآن خارج قادرة على أن تكون نواة تنظيم صلبة؟ من هم؟ وفي ظل هذا التشتت والإحباط المتفشي كيف يمكن لمثل هذه النواة أن تسوق نفسها وتمد جذور لها في المجتمع السوري؟ وكيف يمكنها أن تخلق صلات خارجية يمكن أن تكون رافعة لها في شبكة العلاقات الدولية، دون أن تتورط في التفريط باستقلال قرارها؟ هل هي محتاجة إلى دعم خارجي؟ أو هل يمكنها الاستغناء عنه؟ كيف ستعلن عن نفسها إذا؟ وكيف ستحتل موقعاً مؤثراً في المشهد؟ هل تنتظر لكي تنضج الظروف وتعمل تنظيمياً على المدى الطويل إلى أن يحدث ذلك؟ ما هو حد هذا المدى الطويل؟ وما مفهوم “النضج” اللازم للظروف هذا؟ وما حدوده؟
الجسم المطلوب للمعارضة هو جسم يمثل جواباً على هذه الأسئلة وعشرات غيرها، هي أسئلة التكوين الحرجة في ظل واقع وسياق تاريخي صعب للغاية، بحيث يكون الجواب عنها يمثل مسيرة طويلة من النقاش، هذا يفسر إلى حد كبير لماذا فشلت المعارضة الرئيسية خارج الأجسام الراهنة على خلق أطر تنظيمية لها حتى الآن مع الحاجة الماسة والشديدة لها.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا