مصير_ خاص
في حوار موقع مصير مع الشاعر الفلسطيني سمير عطية مدير بيت فلسطين للشعر وثقافة العودة، تحدث بكل شفافية وموضوعية عن التحديات التي تعيشها القضية الفلسطينية وقيَّم المشهد الثقافي الفلسطيني الراهن بقوله ” أحتاج في هذا إلى معايير وأدوات سليمة كي أخرج بنتيجة موضوعية وإجابة على هذا السؤال المهم، لكن غياب عدد من هذه المعايير قد يقودنا إلى مقاربة للواقع وفق النحو التالي : 1_ حضور دائرة الثقافة والإعلام في منظمة التحرير الفلسطينية ، وبرنامجها الثقافي وتأثيراته القوية أو الضعيفة 2_الانقسام السياسي في الضفة الغربية وقطاع غزة في مستويين اثنين : خطة وزارة الثقافة الفلسطينية وبرامجها وفعالياتها في المجتمع . تأثيرات وانعكاسات الانقسام على دور المثقف وحضوره وقدرته على التحرك وكيفية ذلك والتحديات التي تواجهه في ذلك 3_ الحضور الثقافي داخل فلسطين المحتلة عام 1948 وما هي الجسور التي بُنيت معهم لكسر حصار ( الأسرلة ) المفروضة عليهم 4_ المشروع الثقافي الفلسطيني خارج فلسطين ، ومدى انشغال الفصائل الفلسطينية ومؤسسات المجتمع الفلسطيني به 5 _ تأثيرات مسار أوسلو على تشكيل الوعي الثقافي الفلسطيني السليم والقدرة على مواصلة معركة الوعي والثورة المعرفية والمقاومة الثقافية ضد العدو التي أصبحت تواجه عوائق من أبناء المشروع الفلسطيني . عندما أضع هذه المحددات في التقييم فإنني أجد الحراك الثقافي محدودا وذا سقف متدن لم يستطع أن يفرض حضوره إلا في بعض الجزئيات هنا أو هناك وعبر تجارب جيدة، ولكنها غير كافية بالمشهد العام لتحمل وحدها مهمة تفعيل وتطوير المشروع الثقافي الفلسطيني. أحاول تفسير هذا القصور وأعمل على تفكيك الأسباب لأجد؛ الجغرافيا السياسية من جهة؛ والبرنامج الفلسطيني للفصائل وحضور الثقافة فيه وموقعها في ذلك متأخرا كان أو متقدما ولو كان متقدما لساهم ذلك في تطويرها و في خلاصة: يحتاج المشروع الثقافي الفلسطيني إلى عوامل ذاتية لتجاوز الضعف الذي أصابه، والانطلاق نحو تحرير رؤاه وأدواته مما يقيدها سياسيا أو معرفيا”.
وسألناه أنه وفي ضوء التحديات الكبيرة التي تعيشها القضية الفلسطينية، ومع اتضاح ملامح صفقة القرن، ما هي برأيك المهام الملقاة على عاتق المثقفين الفلسطينيين لمواجهة كل تلك التحديات والمخاطر؟
أجاب قائلا: التحديات ضخمة والمنعطف خطير بلا شك، ومن الضروري العمل بسرعة وكفاءة على (ترتيب البيت الثقافي الفلسطيني) ، وكذلك العمل على إيجاد تنسيق بين جغرافيا التواجد الفلسطيني بين الكتل الثقافية من جهة ؛مؤسسات وجمعيات وروابط . كما أن تواصل المثقفين في ما بينهم بات أكثر ضرورة وأهمية.”
وسئل أيضًا : كيف تنظر إلى تأثير الربيع العربي على الواقع الفلسطيني، وما هي برأيك أوجه التفاعل بين الثورتين الفلسطينية والسورية؟
قال “هناك أيضا المساحات العربية والإسلامية والإنسانية ودوائر العلاقات فيها وإليها بما يمتلك المثقفون من رأي وقدرة على التأثير من خلال التواصل مع المؤسسات الإعلامية والثقافية ومراكز الأبحاث والدراسات. هذه أشكال من البرامج التي يمكن لهم أن يساهموا فيها ويؤثروا من خلالها”
ثم قلنا هل ترى أننا بحاجة إلى إجابات ثقافية عن مشكلات وهموم الواقع الفلسطيني من خارج الأطروحات الفصائلية التقليدية؟
أجاب بقوله: ” لا نستطيع أن ننكر الجهود الثقافية النوعية التي قدمها العمل الفصائلي الفلسطيني للمشروع الثقافي الوطني ، ولكن في الوقت ذاته لا نستطيع انتظار الفصائل في تقديمها للحلول الثقافية للواقع الفلسطيني . ففي حين يتم تأخير التفعيل الثقافي لما يسمى سخونة الواقع وقضايا الساعة التي لم تبرد يوما في قضيتنا . في هذا الوقت تُهود القدس بإيقاع أسرع ، ويتسارع التطبيع الثقافي ، وتحاصر قضيتنا في المؤسسات الدولية . وكان الأولى في إيجاد حلول مثل تفعيل القوة الناعمة وليست الثقافة إلا قوة ناعمة قادرة على الاختراق الإيجابي وتحقيق بعض الأهداف المأمولة . أرى أن النقاش الثقافي لا يكون بعيدا عن الإطار الأشمل ولا يكون بمعزل عن المكونات السياسية الفصائلية وتحفيزها على تفعيل الدور الثقافي في المشروع الوطني الفلسطيني .”
وسألنا بقولنا: بات سؤال الهوية مفتوحاً على خيارات وتحديات متعددة، ما هو دور المثقف في تقديم رؤى ومقاربات جديدة حول هذا السؤال ودلالاته الوجودية والجمعيّة؟ قال :” السؤال في الهوية يأخذنا إلى مسارات الفكر والثقافة والاجتماع والسياسة ، وهنا لا بد من أن أتوقف عند محددات الهوية الثقافية من خلال الآداب والفنون ، تلك التي رسمتها الأيدولوجيات تارة ، والمدارس النقدية ورؤاها النقدية تارة أخرى . من خلال التجربة الأدبية في ساحة الثقافة الفلسطينية، والعمل الثقافي في أكثر من بلد عربي، وجدت أنّ الهوية الأدبية لا يكفيها أيدولوجيا لتكون إبداعا، ولا الانسلاخ من موروثها وقيمها؛ فهي بحاجة إلى الأمرين معا . هذه مقاربتي المتواضعة لمرتكزات الهوية الأدبية القادرة على الامتداد الحضاري زمنيا وجغرافيًّا . وهي بهذا قادرة على الانحياز التلقائي والطبيعي لهمومها من جهة وتطلعاتها من جهة أخرى . كما أنها بذلك تكون قادرة على الاطلاع والاستفادة من التجارب الأدبية الحضارية الجديدة ، بما يمكنها على المحافظة على ذاتها وملامحها وحضورها والارتقاء والتطور بما تراكم لديها من تجارب ذاتية وخارجية في إطار مشروع الهوية ، المشروع الذي لا يستطيع أن ينهض وحيدا في مسار الهوية الأدبية دون الأخذ بالاعتبار المسارات الأخرى في مقاربات الهوية الحضارية”.
وسألناه: هل استطاع النتاج الشعري الفلسطيني من وجهة نظرك التعبير عن التحولات الكبرى التي يشهدها الواقعان الفلسطيني والعربي في السنوات الأخيرة؟ فأكد قائلاً “من حيث التعبير فيمكنني أن أقول بكل تأكيد (نعم) ، لقد التف الشعراء مجددا حول قضاياهم المركزية ، واستطاعوا أن يستعيدوا روح القصيدة الثورية ويجددوا حضور أدب المقاومة ، مثل أنس الدغيم في سورية وفؤاد الحميري في اليمن وغيرهما في تونس ومصر وفلسطين . ووجدنا كيف عادت وسائل الإعلام إلى ديوان الشعر وقصائد شعرائه، كيف استطاع أن يعود أبو القاسم الشابي إلى الواجهة في تونس، وأحمد مطر ومظفر النواب في العراق، وكيف عادت القصائد السياسية لنزار قباني .” وما زال الامل يحدو الشعراء لمزيد من التأثير وما زال الامل يحدو الناس الى شاعر ثائر تعانق فيه مجابر التضحية سطور الحرية”.
وكان سؤالنا الأخير: ما هي الأعمال والأنشطة التي تقوم بها مؤسستكم، وما هي خططكم المستقبلية في الأماكن والساحات التي تنشطون فيها ؟ فقال : ” إقامة الأمسيات الشعرية والندوات الأدبية والملتقيات الثقافية . إقامة دورات تنمية المهارات الأدبية والثقافية وخاصة في صفوف الشباب ، والعمل على تطوير المهارات الواعدة . التواصل مع المؤسسات الأدبية والثقافية في فلسطين والعالم ، وتقديم القضية الفلسطينية ثقافيا من خلال برامج مشتركة . العمل على إطلاق المشاريع التي تتيح للمبدعين العرب أن يتواصلوا مع بعضهم البعض من خلال مجالات عمل أدبية وشراكات ثقافية . والبيت الذي تأسس في مخيم اليرموك بدمشق في 2009م يقيم الفعاليات في أكثر من مدينة وبلد ، هي فلسطين و تركيا ولبنان وبعض دول الخليج إضافة إلى دول أخرى . وربما من حسن الطالع والمفارقة التي تُحملنا أمانة الكلمة وبذل الجهد أننا انطلقنا في العام الذي اختيرت فيه القدس عاصمة للثقافة العربية، وسنكمل عامنا العاشر في 2019 وهو العام الذي ستكون فيه القدس عاصمة للثقافة الإسلامية، وهذا ما يدفعنا للتفكير بمشاريع تخدم الوطن وتدفع الأدباء والمثقفين لتقديم أفضل ما لديهم من عطاء وإبداع”.