منهل باريش
خلط الرئيس الأمريكي الأوراق في سوريا والمنطقة إثر قراره يوم الأربعاء سحب كامل قوات بلاده من الأراضي السورية، معتبرا أن الوجود العسكري الأمريكي في سوريا قد حقق أهدافه بهزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية“.
ووصلت ارتدادات قرار الرئيس المفاجئ لتطيح بوزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس الذي عارض القرار، والذي كان قد جدد اتفاق بلاده مدة عامين جديدين مع قوات سوريا الديمقراطية بهدف تدريب 40 ألفا من مقاتليها كحرس حدود وأمن لمنطقة شرق الفرات بعد الانتهاء من هزيمة تنظيم الدول. ومن غير المستبعد أن تتوسع دائرة المعترضين في البيت الأبيض، خصوصا مع إلغاء ترامب لأدوار الجميع في فريقه خصوصا وزير خارجيته، ومبعوث البيت الأبيض الخاص بسوريا جميس جيفري الذي بذل جهدا واضحا لإرضاء أنقرة في الاسابيع الماضية. ويبقى الصمت الكبير لمستشار الأمن القومي جون بولتون مؤشرا على محاولات أثناء ترامب عن قراره، حيث بنى بولتون تصوره للأمن القومي الأمريكي ودور بلاده في الشرق الأوسط على حصار إيران وتحجيم دورها وإعادتها إلى داخل حدودها وإبعادها من سوريا وتحجيم نفوذها في العراق، وتقليم أظفارها في لبنان والمتمثل بحزب الله اللبناني، وهو ما يتقاطع مع إسرائيل، الحليف الرئيسي لأمريكا في المنطقة.
ولاقى القرار الامريكي انتقاد الدول المشاركة في “التحالف الدولي” التي اعتبرت انه لم يتم القضاء على التنظيم المتطرف، ووصلت الانتقادات لأعضاء الحزب الجمهوري الأمريكي الذين اعتبروا ان الانسحاب سيقوّي شوكة روسيا وإيران والنظام السوري.
ويذكر قرار ترامب بالقرار المشابه الذي اتخذه سلفه باراك أوباما عندما سحب القوات الأمريكية من العراق عام 2011، وهو ما سمح لتنظيم “الدولة الإسلامية” بإعادة تجميع نفسه مجددا وبدء نشاطه في سوريا باسم “جبهة النصرة”، وهو ما أعاد القوات الأمريكية مع سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مساحات شاسعة في سوريا والعراق ممتدة من الرقة إلى الموصل.
الانسحاب في حال حصوله سيكون بمثابة هدية لعدة أطراف أولها تنظيم “الدولة”، ورغم انحساره في جيب صغير شرق نهر الفرات قرب الحدود العراقية السورية، فانه قادر على أعادة تشكيل نفسه واستجلاب مقاتلين متشددين من إدلب والبادية السورية وأعداد كبيرة من العراق وآخرين من المنطقة، ومن غير المستبعد ظهور البغدادي وإعلانه الانتصار على الولايات المتحدة الأمريكية. ويمتلك التنظيم مقدرة التقدم والسيطرة شمالا وغربا على حساب “قوات سوريا الديمقراطية” التي سينكشف ظهرها بسبب غياب الدعم الجوي الأمريكي، والتي ستواجه هجوما منظما ستشنه تركيا من حدودها الجنوبية في عمق الأراضي السورية.
إيران الرابح الكبير
يقدم القرار فرصة كبيرة لإيران لتوسيع نفوذها شرق سوريا، بعد أن ربطت واشنطن استراتيجيتها في سوريا بطرد إيران وتقليص نفوذها، وهو ما تحدث عنه صراحة مستشار الأمن القومي جون بولتون قبل عدة شهور. وأبقت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” على قاعدتها الصغيرة في منطقة التنف لقطع الطريق وإعاقة حركة الميليشيات المدعومة من إيران في البادية السورية وإغلاق طريق بغداد-دمشق في وجهها.
ويخالف القرار ما أعلنه الرئيس ترامب نفسه في مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، عندما فرض حزمة كبيرة من العقوبات على إيران، بعد نحو ثلاثة أعوام من رفع الولايات المتحدة العقوبات المفروضة على طهران، عقب توقيع الاتفاق النووي الإيراني في عهد الرئيس أوباما.
وتجد إيران الفرصة ملائمة للسيطرة على منابع النفط الرئيسية في شرق الفرات، وهو ما يمكن سيطرتها ويخفف من أعباءها المالية الكبيرة التي تنفقها على الميليشيات الأجنبية، العراقية والأفغانية والباكستانية والمحلية المنضوية في أفواج الدافع المحلية. ويسهل الانسحاب تحقيق المشروع الإيراني بفتح طريق طهران ـ بغداد ـ دمشق ـ بيروت والذي يعتبر عنوانا للسيطرة الإيرانية على العواصم العربية، أو ما عرف باسم “الهلال الشيعي“.
من جهتها، فان روسيا ستمضي قدما وتفرض رؤيتها للحل السياسي، والمتمثل بتشكيل اللجنة الدستورية، والتهيئة لانتخابات رئاسية على طريقتها يكون بشار الأسد مرشحها الوحيد أو أبرز مرشحيها. وسيعزز الدور الروسي بعد غياب القوة العسكرية الأمريكية من سوريا، وهو ما سيخفف من تأثيرها في المسار السياسي وينعكس سلبا على عملية تغيير سياسي حقيقي.
ومن المتوقع ان تشرع موسكو ببدء الاستثمار لموارد الطاقة في شرق سوريا بالشراكة مع إيران.
النظام يسيطر على الموارد
وسيستفيد النظام من عائدات النفط والغاز الذي حرم منها سنوات عديدة، وتساعد عوائد هذه الثروات في بدء مشاريع الإعمار الصغيرة التي بدأها هنا وهناك. ويبقى المردود السياسي لاستعادة السيطرة على آبار النفط أكبر من المردود المالي بكل تأكيد، لكنه سيساعد في تنظيم دورته الاقتصادية مع السيطرة على المياه وكهرباء سد الفرات والإنتاج الزراعي الكبير على ضفاف الفرات كالقطن والقمح والشعير.
وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو الخميس، تصعيد هجوم بلاده ضد الميليشيات المتحالفة مع إيران في سوريا بعد انسحاب القوات الأمريكية. وأضاف: “سنواصل التحرك بنشاط قوي ضد مساعي إيران لترسيخ وجودها في سوريا وسنكثف جهودنا، وأنا أعلم أننا نفعل ذلك بتأييد ودعم كاملين من الولايات المتحدة”.
ومع الغياب الأمريكي في سوريا، يتعين على إسرائيل التنسيق بشكل أكبر مع روسيا، وستكون البوابة الوحيدة لحفظ أمن إسرائيل والتخفيف من مخاوفها من الدور الإيراني ونشاطه قرب الجولان السوري المحتل في القنيطرة.
من المؤكد ان القرار الأمريكي سيعيد ترتيب العلاقة بين شركاء مسار أستانة الثلاثة (روسيا، إيران، تركيا)، فروسيا اعتمدت على تركيا طويلا في ازعاج أمريكا وكانت تراقب بصمت ردة الفعل الأمريكية على الهجوم التركي الذي بدأت تحضره على منطقة شرق الفرات. لكن الانسحاب الأمريكي سيجعل موسكو تفضل عدم توسيع نفوذ أنقرة في سوريا خصوصا في منطقة شرق الفرات، وإبقاء حدود التفاهمات القديمة معها فقط. وروسيا وحلفاؤها يستطيعون فرض استسلام على وحدات “حماية الشعب” الكردية، أو هزيمتها عسكريا دون مساعدة أو اشراك أنقرة، أو من المحتمل السماح لها بالمشاركة في عمل ضد الوحدات الكردية مع اشتراط خروجها بعد الانتهاء من المعركة. لكن احتمال الموافقة على بقائها أمر من المستبعد الموافقة عليه حاليا.
المصدر: القدس العربي