أحمد مظهر سعدو
يلاحظ مؤخرًا، وخاصة في السنتين الأخيرتين، أن هناك توجهًا ما، بل ما يقرب الفرض والشرط على كل المنظمات السورية التي تريد تمويلًا لأي مشروع في الداخل أو الخارج السوري، أن الداعم يحدد الأولويات باتجاه مسألتين: المرأة وشؤونها ودورها وقضاياها، وكذلك الأقليات ووجودها وحقوقها وما يتعلق في ذلك وحوله. وكأنه لم يعد من هم أساسي لدى السوري إذا ما أراد الحصول على أي دعم لأي مشروع سوى هاتين المسألتين مع أهميتهما.
في هذا الشأن يجري حديث طويلًا، وتتم مناقشته لدى الإعلاميين والباحثين، والكتاب والمهتمين من أهل المنظمات السورية ذات الطابع الإنساني، لذلك فقد طرحنا عليهم هذا السؤال: إلى ماذا يبغي الداعم من كل ذلك؟ وهل المسألة باتت بالنسبة للسوريين فقط في قضيتي المرأة والأقليات فقط. مع كل الأهمية لذلك؟
الإعلامية السورية فرح عمورة المهتمة بهذا الشأن قالت لجيرون ” مما لا شك فيه أن التمويل الخارجي للمنظمات التنموية السورية تتبع لأجندات خارجية مرتبة حسب الأولوية، ولأن التمويل الخارجي لهذه المنظمات التنموية المحلية هو الشريان الحيوي لاستمرارها، فعليها الانسياق للأهداف التي يسعى إليها الممول، وإن لم تكن لتلبي الاحتياجات الأساسية للمجتمع الموجه”. وأضافت عمورة ” هناك العديد من الطارئين على هذا العمل المنظماتي الإنساني. لهذا لا بد من رفع الوعي لكوادر هذه المنظمات المحلية لخوض هذه التحديات الكبرى، وقد يكون هذا من خلال اجتماعها، وتوحدها لترتيب الأولويات اللازمة للنهوض بالمجتمع السوري، وتوجيه البوصلة للممولين الخارجيين “.
أما ياسر السيد المدير في منظمة تعنى بحقوق الانسان السوري فقال لجيرون ” بالنسبة لقضية المرأة وتوجه الدعم لها، أظن أن ذلك يخص بعض المنظمات التي تعمل في الحماية، أو بناء القدرات، وبالنسبة للأقليات أيضًا هناك منظمات تعمل على ذلك، والحقيقة لا أعلم مدلولات
هذا الأمر، واظنه يتبع إلى توجيه السياسة الداعمة للمنظمات، وأغلبها غير ذي نفع، فمثلاً بناء القدرات بدون توفير المكان أو المساحة التي يمكن العمل عليها أو من خلالها، يبقى في طور الورشات النظرية فقط، كما هو حال أغلب من يعمل في هذا المجال”.
الكاتبة السورية مانيا الخطيب تحدثت لجيرون بقولها ” بما أن الشعب السوري ثار من أجل وجوده، وبما أن وجودية هذا الصراع جعلت من ثورة الكرامة السورية الحدث الأكثر جذرية في حياة الشعب السوري، ودفع من أجله تضحيات جسيمة، وتعرض لحرب إبادة جماعية بتكتيكات مختلفة حسب طبيعة كل مدينة وقرية في سورية، ولازال حتى يومنا هذا، يقبع في معتقلات نظام الإبادة، خيرة شباب البلد الذين هم أفضل نواة ممكنة لبناء بلد، تكون أعلى قيمة فيه هي المواطنة السورية. وبما أن مثل هذه الجذرية من شأنها أن تقوض جميع التحالفات التي بنتها طغمة الحكم في دمشق للمحافظة على وجودها ووجود من يتحالف معها، لذلك وجد الشعب السوري نفسه يواجه شبكة عالمية مترامية الأطراف من تقاطعات المصالح المتناقضة كليًا أحيانًا فيما بينها. وقد تطلب هذا التعقيد أن يقوم السوريين فيما بينهم بتنظيم أنفسهم بشكل متين، وطرح أجندة وطنية جامعة يتوافقون عليها، ويعملون بتناسق سياسي وإيقاع سوري قائم على بوصلة سورية واضحة المعالم.” وأضافت الخطيب ” لكن بما أن السوريين فشلوا حتى الآن في بناء هذه الأجندة الوطنية المشتركة غير الخاضعة للتبعيات والتي من شأنها حقًا وفعلًا أن تفرض نفسها على شبكة المصالح المتناقضة الآنفة الذكر، لذلك كانت هذه هي البيئة الخصبة لدخول من يسمون أنفسهم (داعمين) ليختاروا من اللائحة الطويلة في الشأن السوري الموضوع الذي يناسبهم هم وليس نحن، على الأقل في هذه الفترة التي فيها جوهر الصراع وجودي بكل معنى الكلمة، كأن يختاروا موضوع (الأقليات) أو موضوع (تمكين المرأة السورية) أو (بناء السلام في سورية) أو (الحوار الوطني) ويتركوا ويتجاهلوا جوهر الصراع، ليس فقط هذا بل يطلبوا ممن (دعموه) أن لا يشير ولو بكلمة إلى هذا الجوهر الذي لا يمكن أن يتم شيء أبدًا بدون إيجاد حل عادل وجذري له. وهذه هي إحدى الآليات لتشتيت الجهود السورية الرامية إلى الانتقال إلى سورية جديدة تلفظ من تاريخها واحدة من أسوأ الحقب الإجرامية”. ثم نبهت بقولها ” بدلًا من أن يسعى السوريون إلى الالتفات إلى بيتهم الداخلي لترتيبه بشكل متكامل، والتركيز على تفكيك هذه المعضلة الصعبة، وجد الكثير منهم مدفوعين بالوهم إلى الانخراط، ولو مؤقتًا، في هذه المشاريع الجزئية، إلا أنني على ثقة تامة من أن جميع من اضطر لهذه الحلول المؤقتة والترقيعية والتي تفيد (الداعم) أكثر مما تفيد المدعوم، إلا أنه عندما يأتي المحك الحقيقي سوف يثبت الجميع أن هذه الثورة المباركة ليس لا للبيع ولا للإيجار، لأنها معمدة بدماء مئات الآلاف من الشهداء، وأنات المعتقلين والمعذبين حتى الموت، والمهجرين قسرًا إلى أربع أنحاء الأرض.”
المعارض والناشط السوري عمر يونس قال لجيرون” التركيز أو الفرض من قبل الداعم للهيئات أو المنظمات العاملة في سورية أو خارجها ما هو إلا لإلهاء القيمين على هذه المؤسسات وصرف نظر بقية المجتمع السوري عن الهدف الرئيسي لثورتنا المباركة، وهناك مئات الأمثلة على ما أقول، خلال الثماني سنوات الماضية ثم هذا الداعم الذي يفرض ما يفرض أليس هو من أذل المرأة السورية وتاجر بها، وأخص مخيم الزعتري وقصص البيع والشراء للمرأة السورية من قبل الداعم ( العربي ) الخليجي الفاسق، أما عن الأقليات فهذه أكبر وأرخص أكذوبة ألبسوها للسوريين ولسورية، فمتى كنّا كشعب عريق وحضاري ومتفتح وواعي، متى كنّا نفرق بين هذا وذاك من أبناء الوطن”. وأضاف يونس “على مدى عقود وعقود وتاريخ سوريتنا يشهد بذلك، ولنا أن نتساءل، وكلنا يعرف الجواب، ولكن لا مانع من السؤال: من هم الذين زرعوا وروجوا وكشفوا عن وجوههم الطائفية؟ هل الشعب السوري أم الطغمة الطائفية المحتلة الحاكمة لسوريتنا؟ ومن هم هؤلاء الداعمين وماهي جنسياتهم وماهي ديانتهم الانسانية؟ وجوابي: إنهم بلا استثناء أعداء سورية /الانسان الحر الأصيل الشريف الذي بصموده ووضوح ثورته هز عروشهم المهترئة”.
أما الكاتب السوري محسن حزام فقال لجيرون ” مسألة المرأة والأقليات مثارة بشدة مؤخرًا على كافة المستويات الإنسانية عبر المنظمات الداعمة. أو في المسارات السياسية على مستوى التشكيلات المجتمعية أو الدعوات للمؤتمرات أو لجنة الدستور. والهدف والغاية يجمعهم قاسم مشترك هو تعزيز دور المرأة مجتمعيًا وإدماجها أكثر في كل المؤسسات حتى العسكرية والأمنية من منطلق مواجهة العنف المجتمعي في التعامل معها باعتبارها موروثًا قاصرًا تحتاج الرعاية في العقل والدين. ولا شك أن المرأة نصف المجتمع بامتياز. في حقوقها وواجباتها. ومسألة إدماجها بالشكل المطروح له غايات سياسية تنسجم مع مشروع متكامل له منعكسات في القانون المدني تتعارض مع الطبيعة البشرية والموروث الديني. والتأكيد اليوم على حصة المرأة في اللجنة الدستورية في الثلث الثالث الخاص بحصة المجتمع المدني المناطة بدمستورا حصرًا بالتوافق مع الدول الضامنة لها أيضًا المدلول السياسي.” وعن ادراج الأقليات قال حزام ” يتم العمل على ذلك باتجاهين: الأول مسألة المحاصصة على مستوى مؤسسات الدولة كمشاركة عددية، والثاني التركيز على الحقوق وجعلها حاضرة في كافة الملفات من أجل توصيل فكرة انتهاك الحقوق بالنسبة للمرأة والأقليات، وعلى الجهات الإنسانية والوصائية الاهتمام في هذه المسألة، علمًا أنه على أرض الواقع ومن خلال التعايش المشترك بالاندماج داخل النسيج المجتمعي لا تظهر هذه الفروقات التي تستأهل الانتصار أو الانحياز لها. وهذا يساعد الجهات التي تنصب نفسها اليوم من خلال مسميات كثيرة للعب على هذا الجانب للإمساك بمستقبل تلك المجتمعات المستهدفة ضمن هذا التوجه.” وأردف قائلًا ” بما يخص التعامل مع الجهات الداعمة والجهات المدعومة التي لا تخلو من اللوثة في الانتفاع والمتاجرة والسرقة والتبادل غير مشروع لكل المواد التي يتم الدعم بها. فالتخصيص الهدف منه حصر المعونات بشريحة محددة. يكونوا بذلك حققوا الهدف والغاية. فالمسألة بالنسبة للسوريين، ليس فقط هذا الجانب المطروح، إنما هناك حزمة من الحقوق مفتقدة بحاجة للمساعدة والإنقاذ بكافة جوانب الحياة المعيشية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. فهل المهتمين بالشأن السوري على درجة من المسؤولية للتعامل مع تلك الملفات وجعلها حاضرة في مشروع سورية المستقبل. سؤال مطروح على المعارضة أولاً وعلى كل المتدخلين بالشأن السوري”.
الباحث السوري زكريا السقال أكد لجيرون ” شكل الثالوث المحرم، أو المقدس، المدخل الرئيس للمنطقة، حيث كان الآخر ونعني مجمل عالم المصالح والشركات العابرة للقارات ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية شغله الشاغل السيطرة على المنطقة ووضعها تحت سيادة سيطرته وقد أخذ هذا الترتيب الكثير من الخطط والبرامج التي تتبدل ضمن تطور ظروف الصراع والنهوض، فكان زرع الثكنة الصهيونية وحمايتها واختراق المنطقة عن طريق الأنظمة العسكرية التي ألغت الدولة كأداة تقوم على التعددية والمؤسسات والقانون والقضاء، وهذا ترك مجمل الأسئلة التي تواجه كل الشعوب للإجابة عليها ودخول الحداثة وعالمها وتطور علاقاتها، ومن هذه الأسئلة هي الدين والأقليات الدينية، والمرأة باعتبار نهوضها وتطور بنيتها بالمجتمع سمة أساسية من سمات الحداثة، ونقول الحداثة وليس التحرر والمشاركة فالغاية الآن لم تأخذ المرأة دورها بمشاركة الرجل بالقرار السياسي والاقتصادي، حتى بأرقى الدول، ولكنها نسبيًا أفضل بكثير من وضع المرأة في دولنا وبلداننا، ومن هنا نؤكد ونقول أن هذه الأسئلة بقيت لغاية الآن المدخل والمحرض لكثير من شعوب العالم بأن منطقتنا هي منطقة متخلفة تنبش بالتاريخ وتسكنه كعقل ومفهوم بكل أسطرته وهرطقاته، ويضطهد المرأة ويعتبرها سلعة إنجاب وتخضع لكل انواع الاضطهاد من تعدد الزوجات لحرمها من الطلاق وسرقتها بالإرث واضطهادها كعورة تابعة ” . وتابع السقال قائلًا ” بنفس الوقت تفتح موضوعة الدين والمعتقد للآخر باب الدخول لكثير من بنى المجتمع الأثنية والدينية من باب أنهم مضطهدين ومحرومين من المساواة والمشاركة بالقرار السياسي والاقتصادي حيث يؤكد الدستور على حق الأكثرية بالسيادة والتشريع، وهنا يأتي دور الآخر الذي يستغل مجمل هذه العوامل التي لم يتنطح العقل بالمنطقة لوضع إجابات حديثة وإنسانية عليها ببناء دول مواطنة تساوي بين مجمل قاطنين البلاد دون النظر للدين والقومية، فيخترق المنطقة، وموضوعة دعم المؤسسات العاملة بمجال المرأة والأقليات هي بالغالب لحشد المعلومات والوثائق، فالواقع لغاية الآن لم يعط أدلة على نجاح المؤسسات العالمية والدولية بمجمل المحاور التي تشتغل عليها، فعالم القوة هو المسيطر وهو الذي يسوغ ويعبث مستندًا لتخلف البنى الاجتماعية ولضعف البنى الثقافية بنشر ثقافة جديدة قائمة على فهم الواقع وطبيعة الصراع، وهذا البحث يحتاج للكثير من الشرح والدراسة”.
المصدر: جيرون