رائد الصالحاني – الكسندر حدّاد
موجة كبيرة من المناقلات والترفيعات والاعتقالات طالت مئات الضباط في قوات النظام وأركانه، فضلاً عن المليشيات الموالية، نفذتها روسيا مؤخراً، وسط تحضير مُستمر لضباط جُدد لإرسالهم إلى روسيا للتدريب وإجراء دورات أركان في اختصاصات الدفاع الجوّي والآليات والمشاة.
وتواصل روسيا منذ أكثر من عام ونصف العام من سيطرتها على مفاصل “الدولة” السورية العمل على “تفكيك المنظومة المافيوية في جيش النظام وأجهزة استخباراته، وإلغاء الصفة المليشياوية عنها بعدما استقلت الفروع الأمنية والثكنات العسكرية بقراراتها وباتت موزعة الولاء على جهات داخلية وخارجية”، بحسب وصف مصادر مقربة من الجانب الروسي في سوريا.
مصادر خاصة من “هيئة الأركان”، قالت لـ”المدن”، إن أكثر من 450 ضابطاً في قوات النظام، أغلبهم برتب عميد وعقيد تم تسريحهم وإقالتهم في الشهور القليلة الماضية. وهؤلاء الضباط ممن اشرفوا على العمليات العسكرية ضد المعارضة، ولم يظهروا في الإعلام أو اشتهروا، كسهيل الحسن وغياث دلة. ومُعظم عمليات التسريح كانت لأسباب صحية تتعلق بإصابات أثناء العمليات العسكرية.
عمليات تسريح أخرى واعتقالات طالت العديد من الضباط، بتهم “الفساد وسوء استخدام المال العام”. مصادر “المدن” قالت إن السجون تعج بمئات الضباط من مُختلف المحافظات ممن يتبعون لقوى الأمن والجيش والمليشيات الموالية.
ونفذت جهات استخباراتية تابعة لقاعدة حميميم العسكرية الروسية، في الربع الأخير من العام 2018، اعتقالات بحق 90 ضابطاً، في حملة هي الأكبر منذ التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا في العام 2015. واعتقل أولئك الضباط في قسم خاص من سجن صيدنايا العسكري، للتحقيق معهم من قبل “لجنة مُشتركة” بين الروس و”الأمن الوطني”، في قضايا تتعلق بالتعامل مع الفصائل المُسلحة وتهريب العملة خارج البلاد، والإتجار بالبشر والآثار.
ومع مطلع العام 2019 أجرى الجانب الروسي سلسلة تغييرات في قوات النظام ووزارة الداخلية، طالت أكثر من 100 ضابط بمناصب عسكرية حساسة. وأزيح البعض منهم لوصوله إلى السن القانوني للتقاعد، في حين تمّ تهميش آخرين لانتهاء أدوارهم العسكرية. الجانب الأهم من تلك التغييرات هو إبعاد المحسوبين على الجانب الإيراني، خاصة في الثُكنات المُحيطة بدمشق، بحسب مصدر “المدن”.
وأطاح قرار أصدره “القائد العام للجيش والقوات المسلحة” بشار الأسد، بقائد “الحرس الجمهوري” اللواء طلال مخلوف، الملقب بـ”سفّاح الحرس الجمهوري”، وأحد أبرز المسؤولين عن المجازر في سوريا. وعيّن بدلاً عنه العميد مالك عليا، أبرز ضباط النظام العاملين في مدينة حلب. وكان عليا يشغل منصب رئيس لجنة حلب الأمنية خلال فترة انسحاب المُعارضة، ودخول الشرطة العسكرية الروسية، وأحد أبرز قادة النظام الموالين للروس. وعلى عادة النظام في إزاحة الضباط الكبار، خاصة من أقرباء آل الأسد، فقد أعطي اللواء طلال مخلوف منصباً شبه فخري، وعيّن قائداً لـ”الفرقة الثانية”، وبحسب مصادر “المدن”، سيمدد له لعام واحد، قبل الاستغناء عنه نهائياً.
في “الفرقة الرابعة” أُبعِدَ العميد غسان بلال، مدير مكتب ماهر الأسد، ومسؤول مكتب “الرابعة” الأمني. تسليم بلال “قيادة أركان المنطقة الجنوبية”، هو تهميش واضح له. ولم تجرِ حتى اللحظة مراسم تسليم قيادة “الفرقة الرابعة” إلى قائدها الفعلي ماهر الأسد، ولا ترفيعه رسمياً إلى رتبة لواء، رغم صدور قرار الترفيع وتعيينه قائداً عاماً لـ”الرابعة” منذ شهور طويلة. ويعود ذلك لوجود اللواء زاهي ديب، قائد “الفرقة”، وعدم اتخاذ قرار بإزاحته بعد. ويرفض اللواء زاهي ديب، الانتقال إلى قيادة الأركان، ويُصر على البقاء في مراكز قيادية مُرتبطة بمهام أمنية أو عسكرية على الأرض.
وشملت التغييرات عشرات المناصب العسكرية طالت الخدمات الطبية و”الفيلق الأول” و”قوات حفظ النظام” و”كلية الحرب الالكترونية” وبعض أفواج “الدفاع الجوي” وبعض المحاكم العسكرية، وغرفة العمليات العسكرية في “هيئة الأركان”، و”الفيلق الخامس” المدعوم روسياً. وتم تعيين اللواء مراد خير بيك، قائداً لـ”الفيلق الخامس” خلفاً للواء زيد الصالح، الذي تم نقله مؤقتاً إلى “إدارة الأركان”.
عمليات الترفيع الروتينية التي كانت تجري سنوياً على مدى السنوات الثماني الماضية، أربكت أركان الدولة بالمفهوم العسكري، وبدا ذلك بشكل واضح في حالة الضباط الذين وصلوا إلى سن انتهاء الخدمة، وتم التمديد لهم لسنوات، نظراً لأهمية وجودهم على الأرض. وقد تمّ ترفيع عمداء وعقداء حتى أصبحوا خلال السنوات الماضية ألوية، من دون تغيير مناصبهم ومواقعهم على الأرض، بسبب عدم تسريح الأقدم منهم.
الترفيعات غير المدروسة، تسببت بفوضى واضحة، انتهت بعمليات تسريح طالت عشرات الضباط خلال العام 2018، تمهيداً لسلسلة التغييرات التي شهدتها قيادة قوات النظام مطلع 2019.
وينطبق الأمر ذاته على كافة الاختصاصات التابعة لوزارة الداخلية، بما فيها بعض الفروع الأمنية، واقسام الشرطة والأمن الجنائي، التي باتت تحوي عدداً كبيراً من الضباط أصحاب الرتب العالية دون وجود مناصب لهم. وزير الداخلية الجديد اللواء محمد رحمون، أجرى سلسلة من التغييرات والتنقلات التي طالت أكثر من 70 ضابطاً، وهو التغيير الأكبر في تاريخ الوزارة، منذ سنوات طويلة.
وفي “هيئة الأركان”، التي فرض الروس سيطرتهم عليها منذ أكثر من عام، وأجروا فيها سلسلة من التغييرات، فلا تزال حتى اليوم من دون رئيس لها، بعد تعيين علي عبد الله أيوب وزيراً للدفاع خلفاً لفهد جاسم الفريج. وبات أيوب يشغل منصبين؛ وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان. وتتوقع مصادر “المدن” حلّ هذه الاشكالية قريباً، وتعيين ضباط جُدد في هيئة الأركان بدلاً من الذين انتقلوا تلقائياً إلى وزارة الدفاع.
ومن أكثر عمليات التغيير تعقيداً، تلك التي يفترض أن تجري في إدارة “المُخابرات الجوية”، لتعيين خلف لجميل الحسن، الذي وصل إلى مرحلة عمرية لا يمكن معها التمديد له، فضلاً عن وضعه الصحي المُتردي ونقله إلى المستشفى ثلاث مرات خلال أقل من شهرين.
ويتولى اللواء غسان اسماعيل، النائب الأول للحسن، حالياً، مسألة إدارة “المخابرات الجوية”، مع توطيد علاقاته مع كبار الضباط ومُحاولة التقرب من الروس، طمعاً بالمنصب، كونه الأكثر خبرة في ذلك المجال من غيره. وهو ما أثار غضب الكثير من الضباط الذين كانوا يسعون لاستلام “إدارة المخابرات الجويّة”، وأبرزهم سهيل الحسن المعروف باسم “النمر”، والذي كان جميل الحسن قد وعده سراً بالمنصب. وكذلك حصل “النمر” على وعد بالمنصب من الجانب الروسي. ويحول دون ذلك، على ما يبدو، اعتراض عشرات الضباط من الإدارة على شخص سهيل الحسن.
المصدر: المدن