سميح شقير
سيدي الشعب أعرف أنك قَدمتَ أعظم التضحيات على مذبح حريتك وأنك خُذِلتَ من الشرق والغرب ومن الأَعراب والأغراب وأن عَرَبة ثورَتك تم استبدال أحصنتها البيض بِبِغالٍ سودْ تحت جنح الظلام وأن أجمل أبنائك – أولئك المسالمين الذين حملوا الورد والماء لِمَن أطلَقَ عليهم الرصاص – أن معظمهم قد قضى تحت التعذيب سيدي الشعب أعرف أن من يحكمون باسمك قد قّدموا العزاء بضحايا الزلازل والتسونامي في القارات البعيدة لكنهم لم يعتذروا يوماً من ضحاياك ودمائك التي تسببوا بها ولَم يخطر ببالهم بعد مليون ضحية من ابناء البلد أن يعلنوا الحِداد بل وتعاملوا مع النازحين كعملاء محتملين ومع ملايين اللاجئين كخَوَنةٍ لمملكة الخوف التي يستأثرون بها أعرف يا سيدي الشعب حزنك وانت ترى كيف ارتفعت في ساحاتك تماثيل البساطير كمعنىً للقهر العاري متجاوزاً حتى فكرة الرمزية واعرف كيف استخدموا الأديان كقفازات سوداء وكيف أيقظوا ثارات التاريخ البعيد وصنعوا شيوخ الاٍرهاب ونشروا أشرعة الكراهية وأعرف أنهم يحسبون على ثورتك ما قامت به أذرع الثورة المضادة برصاصها وداعميها وأعرف أنك بُتَّ تَعرِف أنك تواجه رأسين للاستبداد احدهما أمني والآخر ديني لذلك يا سيدي الشعب ولأنك تدرك كل هذا فأرجوك أن لا تأبه لمن يدعي انه انتصر عليك ومثلما سَقَطَتْ من قبل نظرية الدم الأزرق والعنصرية فإن نظرية الشعب المتجانس ستسقط ايضاً لينتصر التنوع الجميل وفسيفساء الألوان الذي لطالما ميّز بلادنا وسينتصر الوطن الذي يحضن كل أبناءه وليس بعض الوطن على بعضه الآخر وسينتصر فقط بالمواطنة المتساوية والديمقراطية وخروج المحتل وزوال الاستبداد وقبل ذلك بمحاكمة كل الوالغين في دمنا سينتصر الوطن حينما لا يجرؤ أحد أن يسمي نفسه ” سيد الوطن ” وحين يصبح نيل الحقوق ليس اسمه ” هبات القائد ” وحين نتخلص من فكرة الحزب الواحد وفِكرة إن لم تكن معي فأنت ضدي وحينما ليس هناك أكثريات وأقليات وانما قانون يحمي الجميع وعلى قدم المساواة سيدي الشعب لك المستقبل القريب وستسمع من جهة الماضي اصواتُ ضفادعٍ تمجّد أبدية المستنقعات لا بأس فأنت تعلم ” انه لا يمكن لأحد أن يقطع ذات الماء في النهر مرتين ” والوقت سيمضي قُدماً ليُبْرِئ جِراحك وستنتصر يا سيدي الشعب حين يلتف قريباً أبناءك البررة حول مشروع دولة المواطنة وحين يعلو صرح العدالة لديك وعلى يديك تنهزم الكراهية.