محمد مشارقة
ربما يكون مفيدا البدء بالتحليل من الخارج الى الداخل، من التحولات الدولية اليمينية بقيادات شعبوية، وبداية انهيار لمنظومة السياسة التي تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، عولمة وليبرالية سياسية واقتصادية ومؤسسات سياسية واقتصادية – البنك والصندوق الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الدولية -، هذه كلها تشهد تحولا جذريا، لصالح منظومات قومية هوياتية وليس اقتصادية. ما علاقة ذلك بالوضع السوري، برأيي ان العالم صار على شاكلة بشار، ولا تهمه كل منظومة العدالة وحقوق الانسان والشعوب، وامل ان لا يخرج علينا من يقول بان ذلك مؤقت او مرتبط بوجود ترامب في البيت الأبيض، لان المؤشرات الاقتصادية تقول باننا امام تحول تاريخي غير مسبوق منذ أزمة ١٩٢٩ التي حملت الفاشية، والعالم مقبل على ركود اقتصادي وانهيارات لدول وأحلاف ، لهذا فالأزمة تطول لعقود قادمة ، وبات قرار مستقبل سوريا بيد قوى إقليمية ودولية . في ظل تراجع أهمية النظام والمعارضة. هذا اولا ، اما المسألة الأهم فتكمن في ان كل المقاربات الدولية والإقليمية باتت تميل الى الإبقاء على النظام مع بعض التعديلات في الشكل وليس الجوهر ، والأهم الحفاظ على منظومته الأمنية بشكل رئيسي ، لاحظوا معي الدور الاستثنائي لعلي مملوك الذي يقوم بدور حاسم لتسويق النظام خارجيا ( اجتماع القاهرة مع رؤساء أربعة اجهزة مخابرات عربية ، ولقائه محمد بن سلمان في الرياض ، وحجيج اجهزة مخابرات دولية الى دمشق ) هذا ثانيا ، اما الثالثة : فهي ان اعادة تدوير النظام يعني التواطؤ الضمني انه لا يمكن حكم سوريا الا بقبضة أمنية والحديد والنار حتى لو كان النظام أقلوي ، ذلك افضل للعالم وتحديدا اسرائيل والخليج والأردن ؛ من تقسيم يفضي الى دويلات يحكمها اسلاميون متطرفون ، اذ تم دمغ الثورة السورية ذات الطابع السني ( أغلبية السكان ) بالإرهاب والتطرف . اما الرابعة ؛ فهي ان دراسات الاجتماع السوري بعد تشكل الدولة السورية الحديثة ؛ تقول ان الانتماءات الثقافية والهوياتية للسوريين لم تقبل فكرة سوريا بحدودها الحالية ؛ فالسوري يعرف نفسه اولا مناطقيًا وإذا بالغ وكان عقائديا فيعرف نفسه بالعربي السوري ، وهذا لمسته عندما انشغلت بالموضوع السوري منذ بداية الثورة حتى اليوم ( الدير والرقة ، حلب ، دمشق الريف والمدينة ، حتى حماة ريف ومدينة ، ودرعا مصاروة وزعبية ، او شرق وغرب ) اعلم جيدا ان النظام حتى يغطي على طائفيته وأقلويته ؛ تمكن من الاستئثار بالوطنية وبالسورية ؛ بحيث بات على الأغلبية المنكوبة ان تعادي هذا المفهوم باللجوء الى هويات ما دون السياسة وهي السنية او الجهوية المناطقية ؛ حتى فريق كرة القدم السوري اطلقنا عليه لقب فريق البراميل وتمنينا له الهزيمة ، وينطبق الامر على المبدعين وحتى العلماء الذين ظلوا في مناطق النظام ؛ ربما كان ذلك مفهوما مع بداية مشروع الثورة التغييري الشامل ، نحن وهم ، لدينا برلمان وحكومة وجيش وعلم وقانون مقابل منظومة النظام ؛ اما اليوم فقد بات الاستمرار في ذات الاتجاه عبثيا ولا يقنع احدا ، وهو لعبة المنفي وسبب تماسكه الروحي والوجودي ؛ لكنه ينتمي على عالم الحنين والشعر وليس السياسة . ما المقاربة الممكنة في ضوء هذه الظروف؛ هناك ثلاث مقاربات ١- العودة الى حضن النظام بجهد القوى الإقليمية لتحسن في شكل الحكم وليس جوهره، بمدخل الوثيقة الدستورية، والاعتراف بان الحل العسكري او الانقلابي او الثوري لم يعد قائما، وهو ما يعني الاعتراف بهزيمة الثورة والقبول بحكم النظام الاقلوي. ٢- او الاعتراف ان العودة لتوحيد سوريا بالحديد والنار على يد النظام القديم غير ممكن وهو وصفة لحرب أهلية دائمة ومستمرة ليس مع النظام وحسب وانما في كل منطقة ومحافظة ، وبالتالي فان الخيار هو التسليم العلني بالتقسيم الى كانتونات متشابهة اجتماعيا وثقافيا وطائفيا ، ورفض عودة الدولة المركزية ، بكامل الصلاحيات التشريعية والتنفيذية والسيطرة على الثروات ، وبالتالي تنحية كل القاموس المهترئ عن الوطنية والسورية والمشروع الوحدوي والأمة والبدء بتأسيس نحو ولغة وقواعد جديدة للكانتونات وليس كذبة مناطق الحكم الذاتي او اللامركزية الإدارية التي تعيد نظاما يحتكر القوة والعنف ٣- وهو الفوضى الشاملة حتى تتوفر الظروف لإقامة نظام جديد في سوريا ، وهذا يعني الحفاظ على كل الحالات المسلحة بصرف النطر عن عقيدتها ، والاستعداد لحرب عصابات طويل المدى، وتطويل الازمةً والفوضى لأطول فترة ممكنة ، ولكل خيار من هذه الخيارات ، آلياته السياسية والتنظيمية وتحالفاته الداخلية والإقليمية.