أصدر بشار الأسد، مطلع كانون الثاني/يناير، قانوناً أقر فيه موازنة العام 2019، والتي بلغت 3882 مليار ليرة سورية، أي 8.9 مليار دولار وفق سعر صرف المصرف المركزي المحدد بـ435 ليرة للدولار الواحد، و7.8 مليار دولار بسعر صرف السوق (497 ليرة للدولار).
وتُعتبر هذه الميزانية الأعلى منذ العام 2011 الذي عادلت ميزانيته المعتمدة 18 مليار دولار بسعر صرف 47.5 ليرة للدولار. وتسود أرقام الميزانية العشوائية والارتجالية، والتقديرات والتخمينات، والنقل عن الميزانيات السابقة، وسط غموض هائل عن الاحتياطي ومخصصات وزارة الدفاع، ومصادر الدخل الوطني.
النسبة الأكبر من إيرادات الموازنة هي من جيوب الناس. إذ تعتمد الموازنة الحالية بنسبة 96% من إيراداتها على الضرائب وعمليات الاستملاك، في حين سجّلت الإيرادات من القطاع العام نسبة 4% فقط. أي أن القطاع الحكومي والعام ينتج 4% فقط، وتصرف عليه الحكومة جزءاً كبيراً من ميزانيتها، في حالة توظيف سياسي لا جدوى من العقلانية الاقتصادية فيها.
رفعت الموازنة الجديدة كتلة الرواتب والأجور إلى 17%، لا لرفع رواتب موظفي القطاع العام، بل لما قالت إنه “توفير فرص عمل جديدة وزيادة التعويض المعيشي”. وحددت الموازنة مبلغ 53 مليار ليرة، للمؤتمرات والضيافة، تحت بند “نفقات إدارية” غير واضحة البنود وغير مُفصلة ضمن الميزانية. وحددت مبلغ 240 مليون ليرة للنفقات السياسية، تحت بند الاستقبالات والسفريات، رغم أن زيارات الوفود من الخارج لرئاسة الوزراء أو رئاسة الجمهورية، تكون مُغطاة النفقات من قبل وزارة شؤون القصر الجمهوري.
كلفة إعادة الإعمار في سوريا، تقدر بـ400 مليار دولار، لكن الموازنة الجديدة أقرت 50 مليار ليرة (100 مليون دولار). المبلغ المقرر لإعادة الاعمار يساوي المصاريف الإدارية للمؤتمرات والاستقبالات في قصر الضيافة. وإعادة الإعمار التي قصدها النظام ضمن الموازنة ليست أكثر من تأهيل بعض المنشآت الحكومية، والمرافق العامة وتعويض المُتضررين من الحرب.
وفي ظل وجود ملايين النازحين داخلياً، تم تخصيص مبلغ مليار و800 مليون ليرة، لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، رغم أنها من أضخم الوزارات عملاً في فترة الحرب، لتأهيل وضبط العمالة وإيواء المُهجرين والمُشردين، والعمل على برامج اغاثية خيرية وتنموية مع مُنظمات أخرى، محلية ودولية.
9 مليارات ليرة ثمناً للقرطاسية والأحبار للمؤسسات والوزارات، بزيادة قُدرت بنسبة 20%. وبلغت موازنة وزارة الإعلام 14 مليار ليرة تقريباً، في حين بلغت موازنة وزارة الكهرباء 90 مليار ليرة صرفاً لا استثماراً.
49 مليار ليرة وُضعت كمصاريف تحت بند الإدارة الحكومية للمنشآت، التي يفترض أنها معروضة للاستثمار، كما حدث في مول قاسيون والمالكي، وأرض الجلاء ومجمع يلبغا. إعادة التقييم الحكومي لإيجارات تلك المواقع كان قد درّ الملايين على الخزينة، وبالتالي كان يجب أن توضع هذه الفقرة تحت بند الايرادات لا المصاريف.
وأقرت الميزانية مبلغ 266 مليار ليرة للخدمات الصحية، على أن يتم إعادة تأهيل القطاعات الصحية العامة، ومراكز الخدمات والمشافي المُتضررة من الحرب، وبناء مستشفيات مُتخصصة للأطفال في حلب. ويعمد النظام إلى استجرار الدعم المالي للقطاع الصحي من المنظمات الدولية عبر الأمم المُتحدة، وسبق لدول كاليابان أن قدمت ملايين الدولارات لإعادة تأهيل المشافي في مناطق منكوبة بريف دمشق.
الموازنة تقديرية، بل أشبه بتقييم للتصريحات الحكومية السابقة لها، وتُقدّر بحسب الموازنات السابقة، لا على دراسات وأرقام حقيقية. الحكومة كانت قد فشلت في توزيع واستثمار الموازنات السابقة، ومع ذلك تُكرر تقريباً الأرقام والتقديرات ذاتها.
والميزانية الحالية تمتاز كما سابقاتها بالغرابة والأرقام الفلكية غير المستندة إلى وقائع حقيقية. نظام الاستدانة من “الاحتياطي”، موجود فعلياً في الميزانية الحالية. لكن المجهول يسيطر على الموضوع: لا قيمة الاحتياطي، ولا قيمة المبالغ المسحوبة منه، معروفة. إيرادات الموازنة لا يمكن أن تكون حقيقية من الضرائب، في بلد لا نظام ضريبياً حقيقياً فيه بل اقتطاع من دخل موظفي القطاع العام. الحكومة تسحب مبالغ “غير معروفة” من احتياطي الخزينة “المجهول”، وتطبع العملة متحكمة بالتضخم في ظل اقتصاد منكمش. وبالتالي، فالحكومة فعلياً تستدين من المستقبل، عندما تسحب من الاحتياطي.
المصدر: المدن