سيبان عبد الكريم
أظهرت المواقف المتناقضة حول المنطقة الآمنة على الحدود السورية-التركية، بين قيادات “الاتحاد الديموقراطي” و”مجلس سوريا الديموقراطية”، حالة الانقسام التي يعيشها حزب “الاتحاد الديموقراطي” الكردي، والتنازع بين الميل إلى روسيا المؤيدة للإدارة الذاتية الكردية، وبين الولايات المتحدة راعية مشروع “سوريا الديموقراطية” وإدارة عين عيسى الذاتية.
وفي الوقت الذي أعرب فيه قادة “مجلس سوريا الديموقراطية” وقيادات “قوات سوريا الديموقراطية” استعدادهم للتعاون مع تركيا بخصوص المنطقة الآمنة، وصف الرئيس المشترك لـ”حركة المجتمع الديموقراطي” المنطقة الآمنة، بأنها “احتلال تركي”.
ويبدو أن الصراع بين المشروعين، سيُحسمُ لصالح “الادارة الذاتية الكردية” والتي تتخذ من بلدة عامودا مركزاً لها، أي المشروع الكردي القومي الذي توافق عليه موسكو والنظام، شرط التخلي عن المشروع الأميركي في “سوريا الديموقراطية” ولامركزية إدارة عين عيسى الذاتية.
ويبدو أن “الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا” التي أسسها “مجلس سوريا الديموقراطية”، الصيف الماضي، في بلدة عين عيسى، ستكون أولى ضحايا الانسحاب الأميركي من شرق الفرات. وهي تختلف عن “الإدارة الذاتية” الكردية التي تتخذ من مدينة عامودا في الجزيرة مركزاً لها، وكل منهما نتاج لمشروع سياسي مختلف.
إدارة عين عيسى، هي إحدى أهم ثمرات العمل السياسي للمجالس المدنية التي أسسها “مجلس سوريا الديموقراطية” في عموم المناطق المُحررة من قبضة تنظيم “الدولة الإسلامية” شمال شرقي سوريا، وهي مدعومة من الولايات المتحدة الأميركية. وهي أعلى مؤسسة إدارية وخدمية لـ”مسد”، وتأسست بعد انطلاق حوار مع النظام في دمشق، وكان يُنتظر منها أن تباشر أعمالها استناداً إلى الاتفاق المفترض مع النظام، بعد حصولها على الاعتراف الرسمي من دمشق.
وإدارة عين عيسى تختلف عن “الإدارة الذاتية” في الجزيرة، التي تأسست مطلع 2014 بناءً على تفاهمات بين النظام و”الاتحاد الديمقراطي”، ويمثلها سياسياً “حركة المجتمع الديموقراطي”؛ الائتلاف الذي يضم بعض الاحزاب الكردية والعربية والمسيحية وتنظيمات شبابية ونسائية تدور في فلك “الاتحاد الديموقراطي”، الشقيق السوري لـ”العمال الكردستاني”.
وعلى الرغم من أن “الاتحاد الديموقراطي” هو الحزب القائد لمشروعي الإدارة الذاتية، في عين عيسى وعامودا، إلا أنه لا يبدو مُتشجعاً للذهاب في المشروع الأميركي إلى نهايته، فهو لم يربط إدارة عامودا الكردية بإدارة عين عيسى التي تعتبر مظلة لجميع الادارات والمجالس المدنية. وبالتالي ظلت كل إدارة تابعة لمشروع مختلف؛ فإدارة عامودا الكردية هي مشروع قومي كردي تصل طموحاته إلى عفرين، وإدارة عين عيسى تنحصر أبعادها الجغرافية على مناطق النفوذ الأميركي شرقي الفرات.
الولايات المتحدة كانت قد حاولت إحداث تغييرات في “الاتحاد الديموقراطي” بالطلب منه حلّ “حركة المجتمع الديموقراطي” التي تشكل عائقاً أمام نجاح مشروع “سوريا الديموقراطية”، إلا أن “الاتحاد” تنصّل من الطلب الأميركي. إذ عقدت “حركة المجتمع الديموقراطي”، خريف العام الماضي، مؤتمراً اتخذت فيه جملة من القرارات لم تنفذها، وأهمها إعفاؤها من السلطات، وتسليمها للمجالس البلدية، والابقاء عليها فقط كحركة مجتمع مدني.
مصادر متقاطعة قالت لـ”المدن”، إن “الاتحاد الديموقراطي” يحاول إعادة إحياء المحادثات مع روسيا والنظام في دمشق، عارضاً التنازل عن بعض النقاط التي كان يعتبرها شروطاً رئيسية للتفاوض انطلاقاً من مشروع إدارة عين عيسى.
الوفد الكردي المفاوض قدّم وثيقة للضامن الروسي، تتضمن 11 بنداً؛ منها الموافقة على النقاط التالية: مركزية الدولة، وبشار الاسد رئيسا للبلاد، والثروات الطبيعية ثروة وطنية لكل السوريين، والاعتراف بالسياسة العامة المسجلة في الدستور بما يشمل السياسة الخارجية ومصدر القرار في المحافل الدولية بدمشق، والاعتراف بعلم واحد وهو العلم الحالي للجمهورية العربية السورية، واعتراف الجانب الكردي بوجود جيش واحد للدولة.
الموقف التفاوضي لـ”الاتحاد”، ركّز على أن تكون “قوات سوريا الديموقراطية” ضمن الجيش الوطني، وإلغاء قانون الطوارئ بموجب إصلاح دستوري يؤدي إلى دستور توافقي وقانون أحزاب وقضاء مستقل، واعتراف دمشق بالإدارة الذاتية (الكردية في عامودا)، وإلغاء جميع إجراءات التمييز تجاه الشعب الكردي، والاعتراف بالأكراد كمكون رئيسي من مكونات الشعب السوري، وأخيرا تحديد الموازنة المالية لكل المناطق بما فيها المناطق الكردية.
استئناف عملية التفاوض بين النظام و”الاتحاد الديموقراطي”، يقوم على التنازل عن مشروع أميركي لتحويل نظام الحكم إلى نظام لامركزي على أساس جغرافي، لصالح مشروع مدعوم روسياً قائم على دولة مركزية تتمتع الأطراف فيها بإدارات محلية. ويبدو أن روسيا جادة في إفشالها لمشاريع الولايات المتحدة، سواء في المنطقة الآمنة، أو الحكم اللامركزي، وقد تقنع النظام بمنح الأكراد خصوصية ما، مقابل الوصول إلى منابع الغاز والنفط في الرقة وديرالزور.
“الاتحاد الديموقراطي” مستعد للتفاوض على العودة إلى حضن النظام، والموافقة على الطلبات الروسية، مقابل منع الأتراك من الدخول إلى المنطقة. تنازلات “الاتحاد الديموقراطي” لروسيا والنظام مرتبطة بموقف قيادات “العمال الكردستاني” في جبل قنديل في العراق، في حين يتصلب موقف قادة “مسد” و”قسد” متمسكين بالمنجزات التي حققوها خلال الفترة الماضية لصالح تفاهم مع أنقرة والمعارضة السورية. وقد يحمل هذا، على المدى البعيد، بذور انشقاق داخلي بين أنصار توجهين مختلفين ضمن هذا الحزب الماركسي اللينيني، التائه بين الولايات المتحدة وروسيا.
المصدر : المدن