سامي خليفة
في الوقت الذي يتبنى فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب سياسة “مضطربة ومشوشة”، في تعامله مع منطقة الشرق الأوسط، يزداد ضغط الإدارة الأميركية على لبنان تزامناً مع الكلام عن حلف عربي ضد إيران.
الضغط على إيران
بعد أقل من شهر، سيهبط في وارسو ممثلو 70 دولة، للمشاركة في المؤتمر الذي بادر إليه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ضد إيران. لكن هدف هذا المؤتمر، كما تشير صحيفة هآرتس، غير واضح. فهو يُعقد بشكل عام كخطوة استباقية لخطوات سياسية أو عسكرية. لكن يبدو، في هذه المرة، أن الحديث يدور عن جهد معكوس؛ بحيث يستهدف الحفاظ على الزخم المناهض لإيران، بعد فشل التهديدات والضغوط بدفعها للموافقة على مفاوضات جديدة، بشأن الاتفاق النووي.
تسير هذه الاستراتيجية السياسية الأميركية، حسب هآرتس، في “مسارين رئيسيين هما؛ الأول: محاولة إقناع أكبر عدد من الدول بالانضمام إلى العقوبات ضد إيران، والثاني: إنشاء تحالف عربي فعال، مهمته تقليص تأثير إيران في المنطقة”. وما لا شك فيه سيكون لهذا الأمر تأثيراً كبيراً على لبنان.
رسائل أميركية
يمكن رؤية جهود وزارة الخارجية الأميركية ضد إيران، وفق هآرتس، من برقية سرية أرسلتها السفارة اللبنانية في واشنطن إلى وزارة الخارجية اللبنانية، أشارت فيها إن واشنطن تحث لبنان وأعضاء آخرين في الجامعة العربية على عدم دعوة سوريا إلى القمة الاقتصادية العربية في بيروت، وحث لبنان على عدم القيام بأي شيء يمكن أن يوفر للنظام السوري الأموال، مثل الاستثمار في سوريا أو إرسال الأموال. مع التحذير من أن أي مساعدات مالية أو مادية لنظام الأسد أو أنصاره ستخضع للعقوبات الأميركية.
إن طلب منع دعوة سوريا للقمة الاقتصادية، وربما أيضاً من قمة الجامعة العربية، يُقصد به ظاهرياً، حسب هآرتس، منع الدول العربية من تطبيع العلاقات مع حليفة إيران، وإجبار لبنان نفسه على تقرير ما إذا كان مع أميركا ضد إيران، أو ما إذا كان يطيع أوامر حزب الله وطهران.. ما قد يؤدي إلى قطع واشنطن المساعدات عن الجيش اللبناني.
وتشير الصحيفة، أن تلميح مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل، خلال زيارته لبيروت في الأيام القليلة الماضية، عن إن نوع الحكومة اللبنانية سيؤثر على اقتصاد البلاد واستقرارها. كان بمثابة تحذير من إعطاء مناصب رفيعة لحزب الله في الحكومة، التي لم تتشكل بعد. ولكن، وكما يعلم هيل، وهو سفير أميركي سابق في لبنان، لا توجد فرصة للبنان أن يمتثل لهذا المطلب، نظراً لتوازن القوى السياسية في البلاد.
لبنان وسط الدوامة
أثار مطلب هيل، حسب هآرتس، غضباً سياسياً في لبنان ضد التدخل الأميركي في الشؤون الداخلية للبلاد. وبينما نجا لبنان من قرار صعب، لأنه لم تتم دعوته إلى مؤتمر وارسو. إلا أن مطالب أميركا من الدول العربية تشكل معضلة له.
إن طلب وزارة الخارجية الأميركية من لبنان أن لا يساعد في إعادة إعمار سوريا، يثير وفق الصحيفة، مخاوف من أنه في هذه الإدارة، لا تعرف اليد ما تفعله اليد الأخرى. فمنذ أسبوعين فقط، أعلن ترامب أن المملكة العربية السعودية سوف تتحمل عبء إعادة الإعمار في سوريا بعد الحرب. لكن من الذي سيساعد الرياض، إن لم يكن الرئيس السوري بشار الأسد، الذي وافقت عليه واشنطن بالفعل؟ وإذا ساعدت الرياض الأسد، فهل سيوقف هذا الأمر تدفق الأموال من إيران؟
وتختم الصحيفة بالقول، أن المخطط الانسيابي لسياسة الولايات المتحدة ضد إيران في الشرق الأوسط، يتطلب أولاً تحقيق المصالحة بين الدول العربية، ثم إقناع العراق بتقليص علاقاته مع إيران، ودفع لبنان ليقرر ما إذا كان سيجعل حزب الله شريكاً في الحكومة. وقد أثبتت كل مهمة من هذه المهام بأنها مستحيلة، وسيتطلب تحقيقها استبدال جميع قادة الدول العربية.
مؤشرات مقلقة
الرسائل الأميركية الجديدة للبنان، تعزز من المنطق القائل بأن إدارة ترامب تتجه، ولو ببطء، نحو عدم التفريق بين الحزب والدولة اللبنانية، غير أن هذا التوجه ما زال يصطدم بمعارضين داخل المؤسسة السياسية الأميركية، خشية وقوع لبنان الكامل تحت السيطرة الإيرانية وفقدان السيطرة على الأمور هناك.
ومع استمرار تعثر الولادة الحكومية، فمن المرجح أن تزيد الرسائل الأميركية من تعقيد الأمور. وحتى لو تشكلت الحكومة العتيدة، فإن لبنان سيواجه تحدياً جديداً، يتجسد برفض الولايات المتحدة تمثيل الحزب فيها. وهو الأمر الذي أعرب عنه ديفيد هيل جهارةً من بيروت.
المصدر: المدن